وسأقول للزمان: ارجع يا زمان
نجوى عبداللطيف جناحي:
أيا صاحبي كنت أعد صحبتك من أهم نعم الله عليَّ، فرفقتنا دامت سنوات وسنوات حتى ألفتها وظننتها دائمة لا محال، صحبتنا شهدت عليها مقاعد الدراسة التي جمعتنا، وشهدت عليها ملاعب الطفولة، وساحات حيِّنا التي كنا نمرح فيها حتى غارت من ودادنا حبات رمالها، وشهدت على رفقتنا سيارة اشتركنا معا في ادخار قيمة شرائها لنستقلها معا في ذهابنا للجامعة، ولماذا لا نشترك في سيارة واحدة فرفقتنا تستمر طوال اليوم؟
يا صاحبي كان لسان حالنا يشرح للناس معاني الصداقة والرفقة الطيبة، لسان حالنا يعلن للناس أننا أبناء جيل يعرف معنى الصداقة والأخوة، ويترجمها فعلا ويتمثلها سلوكا، لسان حالنا يقول إننا لن نعيب هذا الزمان فنحن من صنع حكاية الوفاء، فلا مكان للخلاف بيننا ولا الشقاق يعرفنا، ولا غضب ولا حسد ولا شجار حتى لغة العتاب لغة أجنبية على لساننا، نلتمس العذر لبعضنا البعض ونستسهل عيوب بعضنا البعض.
حتى جاء ذاك اليوم الذي انتصر فيه الشيطان علينا، فزرع الشقاق بيننا، وملأ قلوبنا بالغضب، فنال منا ما نال، فسرعة الغضب والانفعال كانا المدخل الذي ولج الشيطان منه لقلوبنا، يا صاحبي سأعترف أنني ألقيت بصورة وجهك، وبصدى صوتك في جُب النسيان فغار فيه حتى ظننت ألا عودة لذكراك إلى قلبي، غار فيه ذكراك حتى تعودت أن أعيش بدونك، ولم أعد أفتقد وجودك في حياتي، استبدلت صداقتك بصداقات أخرى، واستبدلت رفقتك بارتباطات تشغل ساعات يومي. فلِمَ آسى على زمان قد ولَّى؟
أتذكر!!! كلما جمعنا مجلس مصادفة كنت تترنم بكلمات أغنية كوكب الشرق ((عايزنا نرجع زي زمان .. قول للزمان ارجع يا زمان)) وكنت أعرف حينها حق المعرفة أنني أنا الجارة التي كنت تعنيها. فأزيد صدا وأهمس: (لن أقول ارجع يا زمان).
ها قد عاد شهر رمضان الفضيل، ولأول مرة لن نخرج معا قبيل موعد الإفطار لنمارس الرياضة فنعود للمنزل وقد بدأ الأهل تناول الفطور ونظرات الغضب تنصب علينا لتأخرنا عن موعد الإفطار. في رمضان لن نتنقل معا بين أسواق السمك لنغنم بشراء كمية كبيرة من السمك ونعود بها كعودة الصياد بغنيمته مفتخرين بهذا المغنم أمام أهلنا. وسيندهش (كومار) ذلك الخياط الذي تعود أن نذهب له معا ليخيط لنا ثوب العيد معا، وسيسأل عنا بائع المكسرات الذي ينتظرنا قبيل كل عيد لنشتري منه (قدوع) العيد. يا صاحبي سأعترف أنني سأقول (للزمان ارجع يا زمان).
أيا صاحبي!! ويا من كنت خليلي دعني أعترف لك أن الشوق قد مدَّ يده لغيابة جُب النسيان الذي ألقيت فيه ذكراك لينتشله منه ويعود به إلى قلبي، فأشتاقك، وأشتاق رفقتك، لكن كرامتي وكبريائي وربما غروري يلجم مشاعري، فيشق عليَّ أن أبدأ بالسلام، وأمدَّ يد الصلح لك لنعيد معا رفقتنا ونقول معا (للزمان ارجع يا زمان).
رحماك يا رب العباد، فأنت أعلم بنفوسنا، أنت تعلم كم يشق علينا أن نبدأ بالصلح، لذا أعنتنا على أنفسنا، فجعلت مواعيد محددة نفتح فيها باب الصلح، في رمضان وفي الأعياد لنصون بها ماء وجهنا، ونحتمي بها لنحافظ على كبريائنا، رحماك يا رب العباد فأنت أعلم بنفوسنا، فقدمت لنا المغريات والمكافآت لنبدأ بالصلح والسلام، فأنت تعلم أن من يفعل ذلك فقد استطاع أن يغالب نفسه وينتصر عليها ويغلب غروره فيستحق المكافأة والأجر على هذا النصر الجليل.
نعم.. سأعيد لصداقتنا سيرتها الأولى (وأقول للزمان ارجع يا زمان) كي لا يقول آباؤنا إن زمان الخير قد ولَّى، وكي لا يقول أبناؤنا إن الخِل الوفي ما هو إلا أسطورة شأنه شأن الغول والعنقاء لا وجود لهما في واقعنا، يا صاحبي سأستبقك إلى باب الصلح لأعيد لصداقتنا سيرتها الأولى (وأقول للزمان ارجع يا زمان) فأغنم خير الأعمال الصالحة في هذا الشهر الفضيل، وأغنم الأجر والثواب في آخرتي. نعم قد يشق على نفسي فعل ذلك فأخشى صدك، وأخاف العتاب، بل وأخشى أن أفشل في هذه التجربة الجديدة، لكنني سأستعين بصديق علَّه يقوم بدور الوسيط، وعلَّه يمهد الطريق، وعلَّه يعينني على نفسي وعلى نفسك، فهذا شهر الخير والصلاح الذي نطهر فيه قلوبنا من كل المشاعر السلبية، فالصيام لا يعني تنقية الجسد بالجوع فقط، بل تنقية القلب وذلك هو التحدي الكبير. يا صاحبي دعنا ننتصر على نزغات الشيطان في هذا الشهر الفضيل، وليكن الصلح أفضل أعمالنا الصالحة في رمضان… ودمت يا صاحبي خليلا لي.