حكاية طبيب فلسطيني حظرت السويد طباعة كتابه عام 1962!
إيهاب مقبل
كان أول عربي وطئت قدماه أراضي دولة السويد في عام 1943م، وحصل على ختم الدولة بالسماح له بالإقامة الدائمة على أراضيها، هو الطبيب الفلسطيني «مفيد عبد الهادي». فما هي حكايته؟ وكيف وصلَ إلى شمال أوروبا؟ ولماذا حظرت السويد طباعة كتابه؟!
ولد مفيد عبد الهادي لأسرة من الطبقة العليا في مدينة الناصرة شمالي فلسطين المحتلة في الثامن والعشرين من أغسطس أب عام 1913م، وأكمل فيها تعليمه الثانوي، ثم ألتحقَ بالجامعة الأمريكية في بيروت، ليحصل منها على شهادة في الطب في يونيو حزيران عام 1936م. ومع ذلك، واصلَ دراسته في الطب في كبرى جامعات بريطانيا وألمانيا.
عملَ الدكتور مفيد عبد الهادي في تخصصه بأمراض الأذن والأنف والحنجرة في ألمانيا خلال الفترة 1937 – 1943م. وبسبب ضراوة أحداث الحرب العالمية الثانية في عام 1943م، قررَ مغادرة ألمانيا والعيش في السويد، الدولة المحايدة آنذاك. وفي السادس والعشرين من مارس أذار عام 1944م، تزوجَ من الشابة السويدية «بريتا صوفيا شارلوتا جيستون»، ذات السابعة والعشرين من العمر، وأنجبَ منها طفلته فوزية في وقت مُبكر من عام 1945م.
وفي أواخر عام 1945م، قررَ الدكتور مفيد عبد الهادي الإنتقال مع زوجته وطفلته الى مدينة القدس، وفيها أفتتح عيادته الخاصة. ولكن بسبب أحداث الحرب ونكبة فلسطين عام 1948م، إضطرَ للإنتقال إلى العاصمة الأردنية عمان، ومنها بإتجاه العاصمة السورية دمشق.
وفي عام 1949، عادَ مفيد عبد الهادي مع زوجته وطفلته إلى السويد، إذ عاشَ فيها وحيدًا، وهو يبكي مرارة نكبة فلسطين من جهة، ونكبته في العيش ببلد ليس فيه للغة العربية وجود من جهة أخرى. وفي عام 1959م، رُزق بطفله أمين.
في عام 1962م، كتبَ مفيد عبد الهادي كتابه «ملكية العرب في فلسطين» باللغة السويدية، وذلك بهدف إيصال صوت الشعب الفلسطيني المذبوح إلى الشعب السويدي، ولكن سرعان ما حظرَ «صهاينة السويد» صوته، ومارسوا عليه شتى وسائل الضغط، وعلى مطابع الكُتب، حتى أضطرَ أخيرًا لنشر الكتاب على نفقته الخاصة سنة 1962م. ومع ذلك، لن تجد للكتاب أي أثر في جميع «المكتبات السويدية الحُرة» حتى يومنا هذا.
تتمحور فِكرة الكِتاب حول النكبة، ومحاولة المؤلف مفيد عبد الهادي وصفَ الرؤية العربية لأحداثها، وسرد المجازر الصهيونية بحق العرب الفلسطينيين، وما تبعها من تشريد للشعب العربي في فلسطين.
يُعتبر الكِتاب واحد من أهم الكُتب باللغة السويدية، وذلك لإنه يسرد شهادة طبيب من الطبقة العليا قبل وأثناء وبعد النكبة، الفترة المؤلمة من تاريخ الشعب الفلسطيني. هي شهادة محجوبة ليست موجهة للسويديين فحسب، بل كذلك للجيل الجديد من العرب والفلسطينيين في السويد، الدولة التي تزعم «حرية الرأي والتعبير».
توفت زوجة الطبيب مفيد عبد الهادي في التاسع والعشرين من نوفمبر تشرين الأول عام 1997م، قبل أن تتمكن من رؤية طباعته باللغة الإنجيلزية في عام 1998 من قبل الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية «مؤسسة باسيا». وهكذا، تحقق حلم الطبيب الفلسطيني مفيد عبد الهادي بنشر شهادته للجمهور، ولكن فقط للجمهور الناطق باللغة الإنجيلزية، فلا يعرف شهادته باللغة السويدية إلا عدد قليل جدًا من السويديين، فما زالت جميع المطابع ودور النشر والتوزيع السويدية الشهيرة ترفض طباعته أو بيعه، ليتوفى مؤلف الكِتاب في السابع والعشرين من سبتمبر أيلول عام 2001م، تاركًا لنا كلماته في مقدمة الكتاب: «أهدي هذا الكتاب إلى والداي والآخرين، إلى اللاجئين العرب في نفس الطريق كما أنا، وإلى الذين فقدوا وطنهم الأم».
غلاف كتاب ملكية العرب في فلسطين باللغتين الإنجيلزية والسويدية