1

القضاء العراقي يصدر أحكاما بالإعدام بحق متورطين بقتل متظاهرين

يرتبط المدانون بميليشيات موالية لإيران

أحمد السهيل مراسل @aalsuhail8  الجمعة 5 نوفمبر 2021 14:24

القضاء العراقي يصدر حكمين في عمليتي اغتيال خلال 48 ساعة (أ ف ب)

لا يبدو أن تفاعل الأحداث في العراق توقف عند حدود خسارة التيارات الموالية لإيران في الانتخابات الأخيرة، بل تعدى ذلك إلى تحركات قضائية واسعة لإصدار أحكام بحق مدانين على ارتباط بالميليشيات الموالية لإيران بجرائم اغتيال طالت صحافيين ونشطاء معارضين النفوذ الإيراني خلال احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) 2019.

وكانت محكمة في محافظة البصرة جنوب العراق أصدرت، في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، حكماً بالإعدام على المدان بقتل الصحافيين أحمد عبد الصمد وصفاء غالي في البصرة مطلع عام 2020، فضلاً عن إصدار محكمة أخرى حكماً بحق قاتلي الناشط مجتبى أحمد الملقب بـ”زاجل البصرة” الذي قتل في 23 يناير (كانون الثاني) 2020.

وكان عبد الصمد قد اشتُهِر بمواقفه المساندة لاحتجاجات أكتوبر ومعارضته النفوذ الإيراني في البلاد، وتحدث قبل مقتله بفترة وجيزة عن تهديدات بالقتل وجهتها إليه ميليشيات على صلة مباشرة بإيران. 

وتم اغتيال عبد الصمد وغالي في 10 يناير بعد أن فتح مسلحون النار على سيارة كانت تقلهما وأفرغوا الرصاص في رأسيهما وسط مدينة البصرة.

ويبدو أن نتائج التحقيقات والأحكام القضائية الأخيرة في ما يتعلق بعمليات الاغتيال المستمرة منذ اندلاع الاحتجاجات قد نقضت بشكل واضح الرواية التي كانت تروجها الميليشيات الموالية لإيران عن أن المتسبب بالقمع هو “طرف ثالث”. 

ويرى مراقبون أن خسارة التيارات الموالية لإيران في الانتخابات الأخيرة، ربما أسهمت إلى حد ما، في تخفيف الضغوط عن القضاء العراقي، وأتاحت الفرصة له لإصدار أكثر من حكم قضائي بحق متورطين في عمليات اغتيال في محافظة البصرة.
 
مخاوف تضرب عمق التيارات الموالية لإيران

ويربط مراقبون بين حراك الميليشيات المسلحة الأخير الرافض نتائج الانتخابات والمخاوف من خسارة الغطاء السياسي الذي يتيح لها الحصانة من الملاحقات القانونية، وهو الأمر الذي بانت بوادره خلال الأيام الأخيرة الماضية. 

ويرى رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، أن “ثقة الشارع العراقي في القضاء بدأت تعود، خصوصاً بعد الأحكام الأخيرة بحق شخصيات على ارتباط بالفصائل المسلحة التي كانت تعد فوق المساءلة القانونية”.

ويضيف الشمري لـ”اندبندنت عربية”، “فرق الموت كانت تهدد السلطة القضائية في السابق، لكن المعادلة الآن تبدو مختلفة، حيث استعاد فيها القضاء زمام المبادرة ولم يعد خاضعاً للتهديدات السابقة ذاتها”.
 
ويعوّل العديد من المراقبين على أن ردود الفعل الإيجابية من الشارع العراقي بما صدر عن القضاء في الفترة الأخيرة “ربما ستنعكس على أداء القضاء في المرحلة المقبلة”، إذ يشير الشمري إلى أن التعاطي الإيجابي من الرأي العام العراقي مع القضاء سيسهم بـ”ملاحقة الكثير من الجماعات التي تعتقد أنها فوق القانون”. 

ويبدو الشمري متحفظاً بعض الشيء على ما يتعلق بـ”بداية نهاية فرق الموت”، إذ يلفت إلى أن “منفذي عمليات القتل هم الحلقة الأضعف، ويفترض ملاحقة المحرضين والجهات التي أصدرت أوامر القتل، الأمر الذي سيسهم بتقويض تلك المنظومات ويؤلب الرأي العام بشكل أكبر عليها”. 

ويستبعد الشمري أن يكون تحريك قضايا قتل الناشطين مرتبطاً بخسارة الميليشيات الانتخابات الأخيرة، مستدركاً “ربما تسهم تلك الأحكام في تكثيف عمل الفصائل للحصول على حصانة في المرحلة المقبلة خصوصاً بعد خسارتها الانتخابات”.

“سجدة شكر” و”فتاوى قتل” 

ولم تخلُ جلسة المحاكمة وما رافقها من أحداث من الإثارة، إذ تحدث شقيق عبد الصمد إلى العديد من وسائل الإعلام المحلية عن تفاصيل التحقيقات القضائية وصولاً إلى لحظة الحكم على المدان.

وكشف عن أن المدان حمزة كاظم خضير قال، إن “مجموعته استندت في تنفيذ عملية اغتيال الصحافيين إلى فتوى مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي”. وكان خامنئي قد أوصى عبر “تويتر”، في نوفمبر 2019، “الحريصون على العراق ولبنان بأن يعالجوا أعمال الشّغب وانعدام الأمن الذي تسبّبه في بلادهم أميركا والكيان الصهيوني وبعض الدول الغربيّة بأموال بعض الدول الرجعيّة”.

اقرأ المزيد

ولم تنته الإثارة التي رافقت جلسة المحكمة عند هذا الحد، ففي أجواء شابهت إلى حد التطابق ما يجري في جلسات إصدار الأحكام على المدانين بالإرهاب من عناصر التنظيمات المتطرفة، أدى المدان “سجدة الشكر” بعد إصدار حكم الإعدام بحقه، وفقاً لما نقله شهود حضروا جلسة المحكمة.

تثبيت خلفيات القتلة الأيديولوجية

يبدو أن أهمية الأحكام القضائية الأخيرة لا ترتبط فقط بالقصاص من قتلة المحتجين العراقيين والمعارضين النفوذ الإيراني في البلاد، بل إنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتثبيت الخلفيات السياسية والأيديولوجية للمدانين بعمليات القتل تلك، خصوصاً بعد اعترافات تضمنت الإشارة إلى أن عمليات الاغتيال تلك تمت وفق فتاوى أصدرها المرشد الإيراني.

ويمثل الكشف عن خلفيات قتلة الصحافي أحمد عبد الصمد والمصور صفاء غالي العملية الثانية التي يتم فيها الكشف عن الخلفيات الأيديولوجية للقتلة، بعد الحديث الطويل عن ارتباطات المتهم بقتل الباحث في الشأن السياسي هشام الهاشمي بميليشيات على صلة بإيران وتحديداً ميليشيا “كتائب حزب الله”. 

وكانت السلطات العراقية أعلنت عن هوية قاتل الباحث في الشأن السياسي هشام الهاشمي، إذ قالت إنه ضابط في وزارة الداخلية وينتمي إلى مجموعة مسلحة، وعلى الرغم من عدم تسمية البيان الحكومي الجماعة المسلحة فإن تسريبات تحدثت عن أنها ميليشيا “كتائب حزب الله” أحد أبرز الأذرع الإيرانية في البلاد.

ويقول الصحافي العراقي محمد حبيب إن “هذا التثبيت القانوني لتلك الحقائق يهيل التراب على كل الروايات التي كانت تروجها أوساط الميليشيات في العراق عن طرف ثالث ومسلحين غامضين”.

ويشير إلى أن تلك الأحكام “أثبتت ما كان يعرفه العراقيون منذ لحظة القتل الأولى التي رافقت الانتفاضة، وما يرددونه بعد كل عملية اغتيال من العمليات التي تجاوزت الـ30 عملية منذ مطلع أكتوبر 2019”.

القضاء العراقي يلتقط أنفاسه

وبالنظر إلى تزامن إصدار الأحكام القضائية بحق المدانين بعمليات القتل مع ما يجري من حراك التيارات الموالية لإيران والرافضة نتائج الانتخابات، يعطي انطباعاً بأن القضاء العراقي قد “تنفس نسبياً” متأثراً ربما بنتائج الانتخابات التي أظهرت تراجع شعبية القوى المسلحة بشكل كبير. ويلفت حبيب إلى أن خسارة التيارات الموالية لإيران أثبتت أن تلك المجاميع “لا تحظى بغطاء مجتمعي كبير وربما مثّل هذا سبباً مباشراً في إقدام القضاء على تلك الخطوة”.

وكان القضاء العراقي قد أصدر حكمين في عمليتي اغتيال خلال 48 ساعة، وهي قرارات وصفها مراقبون بـ”الجريئة والمخاطرة” لارتباطها بـ”فرق موت” على صلة بإيران.

ويعتقد حبيب، أن “توالي الأحكام بهذه الطريقة وفي محافظة البصرة التي يحكمها المحافظ المقرب من الحرس الثوري الإيراني أسعد العيداني يعني أن القضاء العراقي بات يتحرك بجرأة ومخاطرة كبيرتين”، مؤكداً ضرورة “متابعة تلك الأحكام ومواصلة الضغط الاجتماعي والإعلامي لإمضاء العدالة”. 
ويشير حبيب إلى المخاوف من احتمالية أن “تلتقط الفصائل أنفاسها في المرحلة المقبلة، وتسلّط ضغطاً على القضاء العراقي لإصدار أحكام تمييزية تخفف عقوبات المدانين من الإعدام إلى المؤبد”، وهو الأمر الذي يحذر منه العديد من القانونيين. 

محاسبة بحاجة إلى دعم سياسي

وعلى الرغم من إصدار تلك الأحكام القضائية على المدانين بتنفيذ عمليات الاغتيال فإن العديد من الناشطين يرون أن هذا ليس كافياً، خصوصاً مع عدم توسيع دائرة الملاحقة لتطال مصدري أوامر القتل تلك والجهات السياسية والمسلحة التي ينتمون إليها.

ويرى الباحث في الشأن السياسي، بسّام القزويني، أن “استكمال وتوسيع هذا النوع من المحاسبة يحتاج إلى دعم سياسي، وبما أن أغلب القوى المتنفذة تراجعت انتخابياً فهي ستحاول الدفاع عن نفسها بالضغط على القوى المتقدمة في عدد المقاعد التي هي متورطة أيضاً بملفات مشابهة”.
 
ويعتقد القزويني أن “لدى الجانبين أدلة على تورطهما، بخاصة أن مرحلة فتح (سجل الفضائح) قد تثار في حالة استبعاد القوى المتراجعة من الأدوار المتقدمة في الحكومة المقبلة”.

وينظر المحتجون في العراق بترقب لما سيحدث خلال الفترة المقبلة، معوّلين على إمكانية أن تكون تلك “الخطوة المتأخرة” بداية في مسيرة طويلة لإنهاء فصل الإفلات من العقاب في البلاد، الذي مكن الميليشيات من إحكام سيطرتها بشكل واسع خلال السنوات الماضية.

التعليقات معطلة.