تركيا وإيران في شمال العراق.. تنافس على النفوذ أم حرب بالوكالة؟
الحرة / خاص – واشنطن12 مايو 2022
في أبريل الماضي، أطلقت تركيا عملية عسكرية باسم ” قفل المخلب” في شمال العراق لملاحقة عناصر تابعة لحزب العمال الكردستان التركي، إلا أن البعد السياسي للعملية يرتبط بحالة “صدام” مصالح بين أنقرة وطهران في كردستان العراق، وفقا لتقرير نشرته مجلة ناشونال إنترست. ويذهب محللون تحدثوا لموقع “الحرة”، إلى أن ما يحدث بين القوتين الإقليميتين في شمال العراق أقرب إلى حالة الحرب بالوكالة.
ويشير تحليل المجلة إلى أن التحركات التركية الأخيرة في شمال العراق تؤثر على المصالح الإيرانية في العراق، وهو ما لن تتجاهله طهران أو وكلائها.
وبحسب التحليل فإن أولى هذه التحركات إطلاق تركيا عمليتها العسكرية “المخلب” في 17 من أبريل الماضي، وثانيها، تزامن العملية العسكرية التركية مع مساعي عراقية لفرض السيطرة على منطقة سنجار، حيث تنتشر ميليشيات متحالفة مع حزب العمال الكردستاني، وثالثها، تزامن العملية العسكرية التركية مع جهود الحزب الديمقراطي الكردستاني التركي لبناء خط أنبوب للغاز يربط كردستان العراق بتركيا.
منافسة تركية – إيرانية
المحلل السياسي، عقيل عباس قال إن “إيران وتركيا” يصطدمان بشكل غير مباشر عبر وكلائهم وحلفائهم في داخل العراق، مضيفا أننا “لن نشهد صداما مباشرا بينهما في العراق”.
وبين عباس المقيم في الولايات المتحدة، في حديث لموقع “الحرة” أن “الصدام الرئيسي بين أنقرة وطهران، يحدث في إطار العملية التي تجريها تركيا في شمال العراق”، خاصة في ظل وجود جهود إيرانية “لتوفير أماكن آمنة لحزب العمال الكردستاني” إذ إن العناصر الذين يهربون من شمال العراق يدخلون الأراضي الإيرانية.
وأوضح أن الضغوط التركية على حزب العمال الكردستاني قد تدفع بالحزب إلى مزيد من التعاون مع إيران، خاصة في ما يتعلق بوجودهم في منطقة سنجار.
ولا يعتقد عباس أن الحكومة العراقية “بإمكانها وقف التنافس بين إيران وتركيا شمالي البلاد”، ولكن بإمكانها “تخفيف بعض الجوانب”، بتطبيق اتفاقية سنجار التي وقعت في 2020، بين بغداد وإربيل بحيث تحتكر القوات العراقية امتلاك السلاح.
وأشار إلى أن تطبيق هذه الاتفاقية “يعني خروج الحشد الشعبي من سنجار”، وهو ما تسعى إليه الحكومة العراقية في المنطقة.
المحلل السياسي العراقي، ورئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، قال، بدوره، إن ما يحدث بين إيران وتركيا في شمال العراق، ليس منافسة فقط، بل “التصادم غير المباشر أو حتى الحرب بالوكالة”.
وأوضح في رد على استفسارات موقع “الحرة” أن ما يجري في سنجار من صدام يرجح أن “لإيران ووكلائها أيادي فيها، ولذلك تستشعر أنقرة بالخطر على أمنها القومي”، مشيرا إلى أن التنافس بين تركيا وإيران على الصدارة الإقليمية يلقي يظلال ثقيلة على الداخل العراقي.
وأكد الشمري وجود ما يشبه “حرب بالإنابة، بين طهران وأنقرة” مستبعدا أن تسفر عن “صدام مباشر”، وسيكتفي الطرفان بنوع من حرب الاستنزاف من خلال وكلائهم في شمال العراق، حسب رأيه.
ولفت الشمري إلى أن أنقرة وطهران لم تتفهما رغبة بغداد لعقد مؤتمر ثلاثي لحسم إشكالية تواجد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
ويرى الشمري أن هذا الأمر لا يعني أن بغداد عليها أن تقف مكتوفة الأيدي والسماح باستمرار انتهاك السيادة العراقية، إذ لا بد أن يدفع العراق بعدة مسارات لمواجهة هذه الانتهاكات.
أنبوب الغاز
ويلفت تحليل “ناشونال إنترست” إلى أن وجود تفاهمات حول خط أنابيب للغاز بين كردستان وتركيا، سيهدد المصالح الإيرانية في مجال الطاقة، إذ تعتبر تركيا من أبرز مشتري الغاز الإيراني، وهو مصدر دخل مهم للاقتصاد الإيراني الخاضع للعقوبات الدولية، ناهيك عن أن تنويع مصادر الطاقة لتركيا من شأنه تقويض قدرة طهران على استخدام إمدادات الطاقة كوسيلة ضغط.
ولا يعتقد المحلل عقيل عباس أن وجود أنبوب الغاز بين كردستان وتركيا له ضرر مباشر بالعموم، ولكن إيران “قلقة” من أي استقلالية للحزب الديمقراطي الكردستاني، وهو ما قد يعني مزيدا من القوة الاقتصادية للإقليم، وهو الأمر الذي لا ترغب به طهران.
وأشار إلى أنه “لا توجد آفاق جدية لتحقيق أنبوب الغاز، إذ أنه يحتاج إلى موافقة الحكومة العراقية التي تريد السيطرة بشكل أكبر على الموارد النفطية”، ناهيك عن أن أنقرة ستبقى حذرة “من أي تقوية لإقليم كردستان حتى لا تشجع أي نزعة استقلالية”.
ويرى المحلل السياسي، الشمري أن مسألة “خط أنبوب الغاز” هي شأن عراقي داخلي، ورغم وجود اختلافات بين بغداد وإربيل في ما يتعلق بعقود الطاقة، لا يجب أن تتدخل طهران في هذا الأمر.
ويرجح تحليل ناشينال إنتريست أن تتجه تركيا وإيران إلى “لعبة صفرية” في العراق، إذ إن إيران لن تتخلى عن مواقعها ومصالحها في مناطق سنجار، كما ستسعى طهران إلى إخراج مشروع خط أنابيب الغاز عن مساره.
تحالفات الحزب الديمقراطي الكردستاني
ويؤكد التحليل أن إيران قلقلة من قوة الحزب الديمقراطي الكردستاني، خاصة بعد أن أصبح شريكا في تحالف ثلاثي مع كتلتين صدريتين سنيتين، وهذا التحالف يهدف إلى استبعاد الفصائل السياسية المدعومة من إيران في مفاوضات تشكيل الحكومة الجارية.
ويقول المحلل عباس أن “إيران منزعجة من دخول الحزب الديمقراطي الكردستاني في هذا التحالف”، وأن “طهران مارست الضغوط على الحزب للانسحاب من التحالف، إذ إن إيران تريد وجود ائتلافات من مكونات: شيعية، سنية، كردية في إطار المحاصصة”، وهو ما لا يريده الجميع.
من جانبه أوضح المحلل الشمري أن هناك إعادة تموضوع للحزب الديمقراطي الكردستاني مع القوى الإيرانية مؤخرا، خصوصا بعد القصف الذي تعرضت له إربيل في فترة سابقة.
عملية قفل المخلب العسكرية
وأوضح تحليل “ناشونال إنترست” أن عملية “قفل المخلب” العسكرية هي الرابعة في سلسلة العمليات العسكرية التركية التي بدأتها في 2019، والتي تهدف للحد من قدرة مقاتلي حزب العمال الكردستاني على شن هجمات عبر الحدود على تركيا.
وجاءت هذه العملية العسكرية بعد أيام من زيارة رئيس وزراء الإقليم، مسرور برازاني لإسطنبول لبحث تعزيز التعاون الأمني، فيما التزم الحزب الديمقراطي الكردستاني الصمت بشأن مزاعم الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بأن أربيل دعمت العملية العسكرية. وأصدرت قوات البيشمركة بيانا نفت فيه تعاون قواتها مع الجيش التركي، بحسب التحليل.
ويشرح التحليل أن منطقة سنجار، وهي منطقة إيزيدية تاريخيا، وقعت تحت نفوذ حزب العمال الكردستاني في 2014 بعد انسحاب الجيش العراقي والبيشمركة من المنطقة وسط هجوم لتنظيم داعش في 2017، ودخلت بعدها الميليشيات المدعومة من إيران ضمن وحدات الحشد الشعبي في سنجار، لحماية السكان، حيث مارست الميليشيات الإيرانية وحزب العمال الكردستاني نفوذها في المنطقة الحدودية الاستراتيجية، وخلال السنوات الماضية كلما شنت تركيا غارات جوية على سنجار، توعدت ميليشيات تابعة لكتائب حزب الله وعصائب أهل الحل وحزب الله النجباء بالرد على تركيا.
وخلال الفترة الماضية زادت كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، وسياسيون مؤيدون لإيران في العراق، من الخطاب المعادي لتركيا، إذ يتركز خطابهم في الدفاع عن وحدة الأراضي العراقية.
وردا على إطلاق صواريخ على قاعدة بعشيقة التركية في 24 أبرل الماضي، ذكرت تقارير أن طائرات تركية مسيرة استهدفت قاعدة للحشد الشعبي بالقرب من الموصل في 26 أبريل.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، قد صرح في فترة سابقة أن العملية التركية المقبلة ستستهدف منطقة قنديل، وهي منطقة عراقية محاذية للحدود مع إيران، خاصة في ظل فرار مقاتلي حزب العمال الكردستاني إلى الأراضي الإيرانية.
وكانت وزارة الخارجية العراقية، قد استدعت السفير التركي في بغداد في أبريل احتجاجا على العملية العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، والتي وصفها الرئيس العراقي بأنها “انتهاك للسيادة العراقية”، بحسب وكالة فرانس برس.
واوضحت الوزارة في بيان انها سلمت السفير التركي علي رضا كوناي مذكرة احتجاج شديدة اللهجة” داعية إلى “الكف عن مثل هذه الأفعال الاستفزازية، والخروقات المرفوضة”.الحرة / خاص – واشنطن