العراق يغرق في الغبار… ولا حلول
17-05-2022 | 06:00 المصدر: النهار العربي
عراقي يعبر جسراً على دراجته النارية في ظل اشتداد العاصفة الترابية التي تضرب البلاد. (أ ف ب)
A+A- فيما تصل العاصفة الغبارية اليوم إلى إقليم كردستان العراق، في أقصى شمال البلاد، لتغطي بذلك مختلف المحافظات العراقية، مصيبة مختلف قطاعات الحياة العامة بشبه شلل تام، تبدو السلطات العراقية عاجزة تماماً أمام إمكان إيجاد حلول جذرية بعيدة المدى لهذه الظاهرة، التي تزداد وتيرتها عاماً بعد آخر. فالعاصفة الغبارية الحالية هي الرابعة خلال هذا العام، وحتى قبل حلول فصلي الصيف والخريف، اللذين تتكثف فيهما.
العديد من المحافظات العراقية أعلنت تعطيل الدوام الرسمي، فيما ألغت سلطات الملاحة الجوية في مطاري بغداد والبصرة جميع الرحالات الجوية، لأن مستوى الرؤية تراجع إلى ما دون 300 متر، في وقت أعلنت وزارة التعليم العراقية تأجيل مختلف مستويات الامتحانات العامة، المدرسية والجامعية والعليا.
موت الزراعة وزارة الصحة العراقية دعت الدوائر الصحية في مختلف المحافظات إلى تقديم الخدمات والإجراءات الطبية والعلاجية للمصابين من جراء العاصفة الترابية، بعدما شملت الإصابات مختلف المناطق. ففي محافظة بابل أعلن عن أول حالة وفاة جراء العاصفة، مع وقوع عشرات حالات الاختناق، فيما سجلت دائرة الصحة في محافظة كركوك أعلى عدد من المصابين، بواقع 138 إصابة، مؤكدة في بيان رسمي “أن الموجة التي تضرب العراق محملة بأتربة غاية في الضرر على الجهاز التنفسي، بالذات المواد التي تسبب الجلطات، حيث يشابه تأثيرها تأثير الدهون المضرة التي تضر بجدار الأوعية الدموية”، مشيرة إلى تسجيل 138 حالة اختناق في الثامنة صباح أمس.
معلقون ومتابعون عراقيون على وسائل التواصل الاجتماعي وجهوا سيلاً من الانتقادات إلى السلطات، متهمين إياها بالتسبب بهذه الوضع البيئي الذي يُغرق العراق جراء السياسات المالية والاقتصادية التي اتبعتها طوال السنوات الماضية، حيث أهملت القطاع الزراعي في البلاد تماماً، وصارت تعتمد على استيراد مختلف أنواع المواد الزراعية من خارج البلاد، بقيمة تصل إلى أكثر من 6 مليارات دولار سنوياً، وهو مبلغ لو تم وضعه في خدمة تنمية القطاع الزراعي، لما شهد العراق مثل هذا الوضع البيئي الحرج، حيث يجتاح التصحر مختلف مناطقه.
ولفت بعض المعلّقين على وسائل التواصل الاجتماعي إلى دراسة للدكتورة همسة قصي، منشورة قبل أعوام، تكشف فيها كيف أنه في ظل حكومة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، زادت نفقات التشغيل والإدارة في وزارة الزراعة العراقية (يعني رواتب الموظفين ومستلزماتهم ونفقات أعمالهم الجانبية) خلال العام 2009 فقط، من 70 مليون دولار إلى 400 مليون، بينما لم يزد الانفاق الحكومي على الاستثمار الزراعي إلا من 60 مليون دولار إلى 130 مليوناً.
المعلّقون أشاروا إلى أن تلك الأرقام ظلت تتضاعف طوال السنوات التالية، حتى صار العراق بلداً خالياً من زراعة حقيقية منتجة، مع أنه كان بلداً زراعياً بامتياز خلال العقود الماضية.
وتشير معطيات هيئة الإحصاء المركزي إلى أن 16% مما يستورده العراق سنوياً هو مواد غذائية، سواء طازجة أو مصنّعة، بقيمة تبلغ حوالي 5.3 مليارات دولار. تلك المنتجات الزراعية التي يستوردها العراق وتكاد تشمل مختلف المواد، وبقيمة كلية مرتفعة للغاية، تتجاوز بحجمها المالي مختلف ما تستورده دول الجوار.
التأثير الإقليميالخبير العراقي في مجال المياه سليمان كرماني، شرح في حديث مع “النهار العربي” كيف أن السياسات الحكومية في العراق، التي أهملت القطاع الزراعي تماماً، أتت مكملة لتوجهات إقليمية، إيرانية وتركية، حرمت العراق من 80 بالمائة من مياهه السطحية التي كانت أداة العراق للحفاظ على غطائه الزراعي والشجري، وتالياً ضبط مستويات التصحر والجفاف التي هي سبب حدوث مثل هذه العواصف الترابية.
ويضيف كرماني أن العراق يشترك مع كل من إيران وتركيا بـ50 نهراً عابراً للحدود، ثلاثة أرباعها مع إيران، “لكنّ نهري دجلة والفرات الوافدان من تركيا كانا يغطيان 40 في المئة من حاجة العراق من المياه السطحية، التي كانت بمجموعها تلبي 80 في المئة من حاجات العراق المائية. وبنوع من الطمأنينة يمكن القول إن كل ذلك تم تصفيته، فالدولتان تعلنان بوضوح تام عدم التزامهما بأي من القوانين والمواثيق والاتفاقيات المشتركة، والسلطات العراقية لا تحرك ساكناً سوى استجداء الحكومتين”.
ويرى أن “الوضع المائي العراقي خطر للغاية، وسيقضي على الحياة في هذه الجغرافيا. وإضافة إلى التصحر والجفاف واندلاع العواصف الترابية والغبارية، فإن ملوحة التربة تتضاعف سنوياً في العراق، وأعداد الحيوانات وجودتها تتراجع، في وقت يهجر ملايين الفلاحين التقليديين أراضيهم، وهم كانوا الأداة الأكثر حيوية للحفاظ على الغطاء الشجري الزراعي في مختلف المناطق”.
وكانت السلطات العراقية قد دعت خلال الأيام الماضية إلى إيجاد حلول إقليمية جذرية للمسألة البيئية في البلاد، وهو أمر شكك مراقبون بإمكان تحقيقه إلى حد بعيد. فمختلف دول المنطقة لا تبالي بالأوضاع البيئية في دولها، ولا تشكل المسألة البيئية بالنسبة إليها أمراً شديد الخطورة كما في العراق.
من الجدير بالذكر إن انتفاضة العام 2019 في مناطق وسط العراق وجنوبه قد وقعت جراء انتقادات شديدة وجهها سكان هذه المناطق إلى الحكومة المركزية، حينما ارتفعت درجات الحرارة في تلك المناطق إلى مستويات استثنائية خلال ذلك الوقت، فيما لم تكن الحكومة قادرة على تقديم أية خدمات أو حلول، بالذات في القطاع الكهربائي.