عبدالله الأيوبي
انحدار الثقة في السياسة الأمريكية
ما أظهرته استطلاعات الرأي التي أجراها «معهد واشنطن» مؤخرا ونشرت «أخبار الخليج» زبدة منه، وشملت عددا من الدول العربية، منها ثلاث خليجية هي المملكة العربية السعودية ودولة الكويت والإمارات العربية المتحدة، من نتائج تتحدث عن أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر شريكاً غير موثوق، وأن مواطني الدول الخليجية الثلاث تحديدا الذين شملهم الاستطلاع أن علاقات حكوماتهم مع روسيا تساوي أهمية علاقاتها مع الولايات المتحدة، أو حتى تفوقها، هذه النتائج قد تكون صادمة لصناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها بالنسبة إلى الشعوب العربية، سواء تلك التي شمل الاستطلاع عينات منها، أو تلك التي لم يشملها، بالنسبة إلى شعوبنا العربية هي نتائج منطقية وطبيعية نظرا إلى السياسة الأمريكية غير الصادقة تجاه المصالح العربية.
سعت جميع الإدارات الأمريكية، الجمهورية منها والديمقراطية على حد سواء، إلى بناء علاقات صداقة وتحالف استراتيجي مع العديد من الدول العربية، وإن ناصبت بعضها العداء، كما كان مع مصر عبدالناصر وعراق الراحل صدام حسين، وكذلك سوريا وليبيا إبان حكم العقيد الراحل معمر الفذافي، وحظيت العلاقات الأمريكية مع العديد من الدول العربية باهتمام ورعاية من حكومات تلك الدول التي وضعت ثقتها في السياسة الأمريكية، لكن ذلك لا يعني أن هذه السياسة تحظى بالثقة من جانب نسبة عالية بين العديد من الشعوب العربية.
السياسة الأمريكية كانت على مدى عقود طويلة منذ اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان هدف هذه السياسة، من حيث المبدأ والممارسة أيضا، يركز على تأمين المصالح الحيوية الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، من دون وضع أي اعتبار لمصالح الشعوب والدول العربية، بل الأكثر من ذلك، أن هناك ممارسات أمريكية على أرض الواقع أضرت ومازالت بالمصالح القومية العربية، والأدلة على ذلك كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر، احتلال العراق وتدميره، والذي أدى إلى إحداث خلل في التوازن الإقليمي مازالت المنطقة حتى يومنا هذا تدفع ارتداداته الخطيرة.
من الطبيعي أن تسعى الدول إلى الحفاظ عن مصالحها الوطنية والدفاع عنها، وأن تعمل على تعزيزها بمختلف الوسائل والأساليب المشروعة، بما في ذلك نسج علاقات صداقة وتحالف مع الدول الأخرى، فهذا حق مشروع لا جدال فيه، لكن مشروعية هذا الحق تتوقف على عدم تعارضه مع مصالح الآخرين وأن يأتي ذلك على حساب مصالح الشعوب، فالولايات المتحدة الأمريكية، تاريخيا، تعتبر الدولة الأكثر تطاولا على مصالح الشعوب والدول الأخرى، وهي الدولة التي، من أجل مصالحها الذاتية فقط، مستعدة دائما لإشعال الحروب، وأقدمت على تنفيذ الغزوات والإطاحة بالأنظمة السياسية التي ترفض السير خلف السياسة الأمريكية.
ما كشف عنه الاستطلاع الأمريكي السالف الذكر، يظهر بوضوح مدى الانحدار الذي وصلت إليه سمعة الولايات المتحدة الأمريكية السياسية لدى الرأي العام في الدول التي شملها الاستطلاع، ومن شبه المؤكد أن النتيجة نفسها سنجدها في أوساط الرأي العام العربي في الدول التي لم يشملها هذا الاستطلاع، فأخطاء وأضرار السياسة الأمريكية لم تقتصر على منطقة عربية دون أخرى، ولم يدفع ثمنها شعب عربي دون آخر، بغض النظر عن التفاوت في حجم الأضرار، فإن جميع الشعوب تشترك فيها، ومع ذلك فإن هذا مرتبط بالدرجة الأولى بالمصالح الأمريكية وليس لمصالح هذه الشعوب أي علاقة.
مثال على ذلك، فحين قررت الولايات المتحدة الأمريكية غزو العراق وتدميره، لم تضع في حسبانها أي اعتبار للأضرار التي ستلحقها بالشعب العراقي ومستقبله، بل وبالمنطقة بشكل عام، فالآثار التي ترتبت على جريمة غزو العراق لم تنحصر في تدمير العراق، وإنما في المنطقة بشكل عام، ليس فقط في الإخلال بالتوازن الإقليمي الذي كان يمثله استقرار العراق وقوته، وإنما بتفشي ظاهرة الإرهاب التي ضربت جميع شعوب المنطقة من دون استثناء، فهذه العواقب التدميرية والمأساوية لم تضعها الولايات المتحدة الأمريكية في اعتبارها، بل ركزت فقط على مدى ما يحققه الغزو من دعم وتقوية للمصالح الجيوسياسية الأمريكية.
نتائج هذا الاستطلاع الذي اتسم بالسرية التامة ويكتسب مصداقيته من الطريق الذي سلكه، بحيث لم يطلب من المستطلعة آراؤهم تقديم أي معلومات شخصية، وإنما الإجابة فقط عن الأسئلة الموجهة إليهم، هذه النتائج يجب أن تأخذها مراكز صنع القرار والسياسة في الولايات المتحدة الأمريكية على محمل الجد، ذلك أن تقلص وتآكل الثقة في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، يؤثر بكل تأكيد على سمعة ومكانة الولايات المتحدة لدى هذه الشعوب، ويعزز من مواقع القوى التي تعتبرها أمريكا منافسة أو ندا لها على الساحة الدولية، وتحديدا روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية، وهما القوتان العظميان اللتان ترتفع أسهمها لدى مختلف شعوب العالم، بما في ذلك الشعوب العربية.