رغم تحايل “اتّحاد الرجال”… لا “زوجة ثانية” في إقليم كردستان
24-05-2022 | 06:25 المصدر: النهار العربي
رسم تعبيري
A+A-عاد النقاش في إقليم كردستان العراق بشأن إمكان تشريع قانون “الزوجة الثانية”، بعد إعلان “اتحاد الرجال في كردستان” تلقيه عشرات الشكاوى من رجال في إقليم، يرغبون بتعدد الزوجات، فيما لا يسمح لهم القانون المدني في الإقليم بذلك، فـ”يضطرون” للسفر إلى محافظات عراقية أخرى، لا تطلب مجموعة الشروط التي يفرضها القانون في الإقليم. النقاش في شأن هذا الموضوع كان حاضراً طوال السنوات الماضية، وإن بمستويات وبين أوساط مختلفة، لكن منذ أن أقر برلمان إقليم كردستان عام 2008 مجموعة من التعديلات على القانون المدني العراقي، حسبما يسمح الدستور، من ضمنها منع تعدد الزوجات، ثمة “شقاق اجتماعي” بشأنه، بين فئة محافظة وتقليدية، تعتبر أن الأمر يجب أن يكون مُشرعاً ما دام لا يخالف أصول الشريعة الدينية والأعراف الاجتماعية، وفئة أخرى، خصوصاً من الأجيال الأصغر عمراً، تعتبر ذلك أداة للدفاع عن حق النساء بالمساواة والاستقرار الأسري. تفصيلاً، فإن القانون المدني في الإقليم يسمح بتعدد الزوجات ضمن حالات محددة جداً، وعبر سلسلة من الإجراءات، إذ يمكن للزوج أن يتزوج فقط لو كانت زوجته في حالة مرضية مزمنة للغاية، وأن تتقدم الزوجة الأولى بموافقة خطية للمحكمة بموافقتها على اقتران زوجها بزوجة أخرى، بالإضافة إلى اطلاع المحكمة على الأحوال المالية للزوج، والتأكد من قدرته على الإنفاق على زوجته الثانية من دون أي إضرار بزوجته الأولى وأولاده، إلى جانب إقرار خطي بعدم انتهاك أي من أسس العدالة بين الزوجتين، وفي مختلف الواجبات. القانون في الإقليم يقر عقوبة بالسجن تراوح بين 6 أشهر و12 شهراً في حال انتهاك الزوج أياً من الشروط السابقة، إلى جانب غرامة مالية تقارب عشرة ملايين دينار عراقي (قرابة 7 آلاف دولار أميركي). وشهد الإقليم طوال السنوات الماضية مئات الحالات التي كان الأزواج يذهبون فيها إلى المحافظات العراقية الأخرى، خصوصاً محافظتي الموصل وكركوك، حيث لا تزال مجموعات سكانية كردية كبيرة تطبق القوانين العامة التي تطبقها السلطة المركزية في العراق، وتسمح بتعدد الزوجات. يتزوج الرجال في تلك المحافظات، ويحصلون على إقرار قانوني وشرعي بالزواج من مؤسساتها القانونية، ثم يعودون إلى إقليم كردستان، حيث لا تستطيع المؤسسات والمحاكم إلا الإقرار بما أصبح حدثاً واقعاً خارج مناطق سلطتها الشرعية. الحقوقية والناشطة النسوية الكردية زوزان إبراهيم، قالت في حديث مع “النهار العربي”، إن القانون المدني يجب أن يعاد إعداده، ليكون أكثر حزماً مما هو عليه، ما دام ثمة ثغرة واضحة تسمح بتطبيق ما هو مخالف له بكل بساطة: “الجذر القانوني والفكري للتعديلات التي أقرها برلمان إقليم كردستان خلال عام 2008 هو المساواة الجندرية بين الجنسين، تلك المساواة التي لا يمكن إعادة تعريفها وتجاوزها من خلال بعض الحجج المتهافتة، مثل التقاليد وطبائع المجتمع والمشكلات الاجتماعية وما إلى هنالك. وما دام ثمة ما قد يتجاوز هذا المبدأ الذي أقره القانون في الإقليم، فإن السلطات والمشرعين مطالبون بإعادة سد تلك الثغرات”. وتشرح إبراهيم: “يمكن اتخاذ العديد من الإجراءات الرادعة لإمكان الزواج في محافظات أخرى، مثل حرمان الزوجة الثانية من الإرث في حال وفاة الزوج، وهو أمر قد يدفع مختلف النساء لرفض موقع الزوجة الثانية، أو مثلاً الطلب من الهيئات العدلية طلب وثيقة حالة من مديريات إقليم كردستان إذا كان المتزوج من مواطني محافظات الإقليم، وعدم إقرار الزواج إلا بحسب قوانين الإقليم فيما لو كان أحد الطرفين من أبناء محافظات الإقليم، أو حتى رفض الاعتراف بالزواج حتى لو حدث خارج الإقليم، وهكذا”. العشرات من مؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والشباب في إقليم كردستان تعتبر التعديلات التي أقرها برلمان إقليم كردستان خلال عام 2008 تتويجاً لـ”نضال” دام لعقود، كانت تتطور فيه أحوال النساء داخل إقليم كردستان ببطء شديد، في قطاعات السياسة والاقتصاد والتشريع والمجتمع والثقافة، وهذه المؤسسات غير مستعدة راهناً لأي مراجعة، أو حتى مجرد تفكير، في إمكان النكوص بما تم تحقيقه. الناشطة النسوية هيفاء مامو شرحت في حديث إلى “النهار العربي” أن “هذا القانون وهذه الوقائع الراهنة في الإقليم هي نتيجة نضالات طويلة، لا يحق لأحد التنازل عنها، فثمة دماء بُذلت في سبيل تحقيق ذلك من الناشطات والفاعلات والمناضلات في مختلف القطاعات، تعرضن خلال مسيرتهن للاضطهاد والنبذ، من المجتمع والمؤسسات وحتى من عائلاتهن، منهن من هاجرن جراء ذلك، ومنهن من فقدن حياتهن”. وتضيف الناشطة في المجال السياسي أيضاً أن “العنف ضد النساء في جزء كبير كان متأتياً من سوء التوازن والعدالة بين الأزواج والزوجات ضمن العائلة الواحدة، ومن هرم السلطة والهيمنة غير العادل، الذي كان يتأسس على أن الرجل يمكنه أن يتزوج أكثر من امرأة واحدة في آن. بعد كل مستويات التعليم العالية التي حققها أبناء الإقليم طوال السنوات الماضية، وبعد النهضة العمرانية والمدنية المساوية، لا يمكن بأي شكل التنازل عن ذلك الإرث، ولمصلحة طبقات تسعى إلى النكوص بأحوال سكان الإقليم”.