العراق وخيارات أزمته السياسية
24 مايو 2022انشر
صبي قرب منزل مدمّر في قرية حبش شمال بغداد (25/4/2022/فرانس برس)+الخط–
لا يبدو أن لدى كلا طرفي الأزمة في العراق، التيار الصدري والإطار التنسيقي، الرغبة في وضع حد ونهاية لحالة الانسداد السياسي التي يعاني منها البلد، في ظل تمسك كليهما بالآلية التي يعتقد أنها الأفضل لتشكيل حكومة جديدة، بعد قرابة سبعة أشهر من الانتخابات التشريعية. دخلا (التيار والإطار) منذ تلك الانتخابات، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مرحلة جديدة في التعاطي السياسي الذي يبدو أنه خرج عن مألوف العملية السياسية، التي كانت تسير وتتماشى وفقا لالتزامات وتوافقات، كلها انكسرت في لحظة خلافٍ شديدٍ بين مقتدى الصدر وشركائه السياسيين عقب الانتخابات، ما أدخل معهم العراق في ظل أزمةٍ سياسيةٍ وانسدادٍ ربما غير مسبوق.
تدرك الطبقة السياسية في العراق أن التوافق الذي كان حاكما فاعلا لمسيرة العملية السياسية انتهى من غير رجعة، حتى وإن بدا بعضهم يروج إمكانية التوافق بين الطرفين الشيعيين، فلا الصدر يمكن له أن يقبل بالتوافق مع الإطار التنسيقي، ولا الأخير سيقبل أن يكون تابعا لحكومة صدرية، لتكون الأزمة الحالية عاصفة، بطريقة أو بأخرى، لبقايا عملية سياسية ولدت منذ يومها الأول عرجاء كسيحة.
تبدو حظوظ مقتدى الصدر للمضي باتجاه تحقيق حكومة الأغلبية الوطنية، لا التوافقية، أكبر، فهو يستند إلى شعبيةٍ جارفةٍ مؤمنةٍ به
تدور في كواليس السياسة أن الأطراف السياسية الشيعية قد تتوافق، من دون إعلان، على تمشية الوضع بأقل الخسائر، من خلال الإبقاء على حكومة مصطفى الكاظمي، شريطة أن تكون هذه لتصريف أعمال، كما يرغب بذلك الإطار التنسيقي، من دون أن يكون ذلك رغبةً للصدر الذي يرى أن الكاظمي يمكن أن يعمل على قصقصة أجنحة الدولة العميقة التي يقودها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وهو ما كان بمثابة جرس إنذارٍ لدى جماعة الإطار التنسيقي، فسارعوا إلى الضغط على المحكمة الاتحادية، التي رضخت وقبلت بإصدار قرارٍ يؤكّد أنه ليس من حق حكومة الكاظمي إصدار قراراتٍ تنفيذيةٍ خارج صلاحياتها المحدّدة بتصريف الأعمال. وهذا أمر أغضب مقتدى الصدر، فكان أن ردّ بخطابٍ ناري، الأسبوع الماضي، يعدّ الأقوى الموجّه إلى قوى الإطار التنسيقي، والتي اتهمها بتعطيل مصالح الشعب، من خلال تعطيلها تشكيل الحكومة، وعدم قدرتها هي على أن تذهب باتجاه تشكيل الحكومة.
إزاء ذلك، تبدو حظوظ مقتدى الصدر للمضي باتجاه تحقيق حكومة الأغلبية الوطنية، لا التوافقية، أكبر، فهو يستند إلى شعبيةٍ جارفةٍ مؤمنةٍ به، وأيضا تحالف مع قوى وأطراف أخرى في العملية السياسية من خارج منظومة البيت السياسي الشيعي. والإشارة هنا إلى تحالف السيادة بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وأيضا الطرف الكردي الأقوى والتمثل بالحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني.
في المقابل، تبدو قدرة الإطار التنسيقي على المضي في تعطيل حكومة الأغلبية الوطنية تستند، بالأساس، إلى دعم إيراني كبير يسهم، من وقت إلى آخر، في تحقيق الضغوط المطلوبة على مختلف القوى المتحالفة مع مقتدى الصدر، من أجل كبح جماح التحالف الساعي إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية. وبينما تتصارع القوى السياسية في العراق بحثا عن مصالحها ومصالح رعاتها، تبدو في خلفية المشهد صورة قاتمة بطلها الشعب العراقي، الذي يبدو أنه ينام على فوهة بركانٍ غاضبٍ بانتظار الشرارة التي يمكن أن تشعل الأخضر واليابس.
قطعت إيران جزءا من إمدادات الغاز عن العراق جرّاء تخلفه عن دفع مليار وستمائة مليون دولار مستحقات لإيران
قال وزير المالية العراقي علي علاوي، في تصريح متلفز قبل أيام، إن الفائض المالي للعراق يمكن أن يصل في نهاية العام الجاري إلى نحو 40 مليار دولار، مستفيدا من الطفرة في أسعار النفط، وأيضا من سماح منظمة أوبك للعراق بأن يصدّر ما مجموعه 4,5 ملايين برميل يوميا. ولكن هذا الفائض المالي لا يجد له أي طريق إلى واقع الخدمات المقدّمة للعراقيين، فمنذ أيام والشبكة الكهربائية تعاني من انقطاعات متكرّرة، وزادت ساعات القطع الكهربائي اليومي في أجواء صيفية حارّة ومغبرة أيضا، والسبب أن إيران قطعت جزءا من إمدادات الغاز عن العراق جرّاء تخلفه عن دفع مليار وستمائة مليون دولار مستحقات لإيران… وكادت جنازة مظفر النواب أن تتحوّل إلى بداية ثورة شعبية جديدة، فقد رشق الشباب الغاضبون سيارة الكاظمي بالأحذية، ناهيك عن هتافات عن “سراق الشعب” من الحكومة والأحزاب.
يشير ذلك كله إلى أن هناك بوادر ثورة قادمة، قد تنجح الطبقة الحاكمة، بحكومتها ومليشياتها، في إخمادها كما فعلت مع انتفاضة تشرين، ولكن المؤكّد أن بقاء الطبقة السياسية في العراق تتصارع على تشكيل حكومة جديدة من دون الالتفات إلى مصالح شعبها، سيعجّل بهذه الثورة، وسيدفع إلى مزيد من التصادم بين الطبقة السياسية والأحزاب من جهة وبين الشعب. وقد طال الانسداد السياسي في العراق أكثر من المتوقع، ولا يبدو أن خياراتٍ تلوح في الأفق، فهل سنشهد تفاهما يُخرج الطبقة السياسية من أزمتها من دون أن يخرج معه العراق؟ أم للشعب رأي آخر؟