واشنطن أزالتها من لائحة الإرهاب… هل انتهت “الجماعة الإسلاميّة” حقاً؟
25-05-2022 | 06:15 المصدر: النهارالقاهرة – ياسر خليل
يرى خبراء أن أفكار الجماعة لا تزال حاضرة بقوة في الشارع.
أعلنت الإدارة الأميركية عن إزالة 5 جماعات متطرفة من قائمة المنظمات الإرهابية، منها “الجماعة الإسلامية” التي كانت ضمن أخطر الجماعات الجهادية في مصر وأكثرها نشاطاً في تسعينات القرن الماضي. وضمّت “الجماعة الإسلامية” التي شنّت عشرات، وربما مئات العمليات الإرهابية في مصر على مر تاريخها، أكثر من 50 ألف عضو في صفوفها، في أوج نشاطها.
السبب الذي دعا الولايات المتحدة إلى إزالة التنظيمات الخمسة هو أن تلك الحركات الإرهابية لم يعد لها وجود على أرض الواقع، وفق ما ذكر بيان لوزارة الخارجية الأميركية. والمنظمات الخمس هي: “إيتا” الباسكية (إسبانيا)، و”أوم شينريكيو” (اليابان)، “مجلس شورى المجاهدين” في محيط القدس، حركة “كاهانا حيّ” (الإسرائيلية)، و”الجماعة الإسلامية” (المصرية).
جانب من البيان الذي نشرته وزارة الخارجية الأميركية ويوضح البيان الصادر عن الوزارة آلية التصنيف وظروف تغييره، إذ يشير إلى أن الخارجية “تراجع تصنيفات المنظمات الإرهابية الأجنبية مرّة كل 5 سنوات، وفقاً لما يقتضيه قانون الهجرة والجنسية، لتحديد ما إذا كانت الظروف التي كانت سبب التصنيف قد تغيرت بشكل يستدعي الإلغاء”.
ويضيف البيان: “بينت مراجعتنا الأخيرة لهذه التصنيفات الخمسة لمنظمات إرهابية أجنبية، أن تلك المنظمات لم تعد منخرطة في الإرهاب أو النشاط الإرهابي ولا تحتفظ بالقدرة والنية على القيام بذلك، لذلك كما هو مطلوب من قبل قانون الهجرة والتجنس، تم إلغاء هذه التصنيفات كمنظمات إرهابية أجنبية”. ترحيب قيادات الجماعة
بعض قيادات “الجماعة الإسلامية” لا يزال على قيد الحياة، ومنهم عاصم عبد الماجد، وطارق الزمر، وغيرهما، وهم يعيشون في الخارج بعد هروبهم من مصر في أعقاب إطاحة جماعة “الإخوان المسلمين” من سدة الحكم إثر تظاهرات حاشدة في 30 حزيران (يونيو) 2013.
ورحّبت قيادات الجماعة بقرار رفع تنظيمهم من قوائم الإرهاب، وأعرب طارق الزمر، القيادي في التنظيم والرئيس السابق لحزب “البناء والتنمية”، الذراع السياسية للجماعة، عن سعادته بالقرار، واعتبره “اعترافاً بدورها المشرّف في مصر”.
وكانت الجماعة حليفاً وثيقاً لـ”الإخوان المسلمين” في أعقاب ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011، مع مجموعة من التيارات السلفية الأخرى التي شكّلت بدورها أحزاباً سياسية مماثلة، ومنها “حزب النور” الذي لا يزال يمارس نشاطه في مصر، وكذلك حزب “الأصالة”.
وفي أعقاب “ثورة 25 يناير”، أسس قادة الجماعة الذين خرجوا من السجون المصرية، حزب “البناء والتنمية”، ليصير الذراع السياسية لتلك الحركة الجهادية، وليجمع شتات عناصرها ويمدها بكوادر جديدة، لكن بعد سقوط “الإخوان المسلمين” ببضع سنوات، وتحديداً في عام 2020، صدر حكم قضائي من محكمة مصرية بحل الحزب.
كل تلك المعطيات تطرح تساؤلات عمّا إذا كان يمكن لجماعة “عقائدية” تقوم على أفكار لا تزال رائجة ومؤثرة، أن تختفي فجأة من الوجود؟
اختفاء مرحلي
يقول الخبير الأميركي في شؤون الحرب على الإرهاب الدكتور بيل روجيو لـ”النهار العربي”: “غالباً ما تختفي الجماعات الإرهابية أو تصبح غير نشطة لفترات، فقط لتظهر في وقت لاحق حين تصير الظروف ملائمة. هذه الجماعات لا تنتهي في الغالب، لكنها على الأرجح تغيّر أسماءها أو تندمج في جماعات أكثر نشاطاً”.
ويضيف: “سمعنا قليلاً عن “الجماعة الإسلامية” في السنوات الماضية، لكن ليس من المحتمل أن تكون تلك الجماعة قد انحلت. لا إعلان بهذا الشأن. حين كانت الجماعة في أوج نشاطها، كان لديها أكثر من 50 ألف عضو، وهيكل قيادي منظم. ليس من المحتمل أن تكون تلك الجماعة قد تلاشت”.
ويرى روجيو أنه إذا كانت “الجماعة الإسلامية” لا تزال تعمل في الظل، “فعلى الأرجح أن يكون عناصرها قد اندمجوا في جماعة إرهابية أخرى”.
ينتقل الجهاديون من تنظيم إرهابي إلى آخر
ويلفت الخبير في مكافحة الإرهاب إلى أن “عمر عبد الرحمن، لا يزال شخصية شهيرة في المجتمع الجهادي، وأتباعه سوف يسعون إلى تعزيز قضايا الإسلاميين في أماكن أخرى إذا لم تكن الجماعة الإسلامية تعمل”.
والشيخ عمر عبد الرحمن هو الزعيم الروحي لـ”الجماعة الإسلامية”، وقد سافر إلى الولايات المتحدة، واعتُقل بتهمة الضلوع في تفجيرات نيويورك سنة 1993، ومات في السجون الأميركية سنة 2017، لكن أفكاره ومؤلفاته لا تزال مؤثرة في أوساط السلفية الجهادية.
فعاليّة وتأثير
يقول الخبير في حركات الإسلام السياسي الدكتور عمرو عبد المنعم لـ”النهار العربي”: “قد تكون الجماعة الإسلامية غير موجودة كتنظيم جهادي، لكن أفكارها موجودة وفعالة في الواقع”.
عبد المنعم الذي نال درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى من كلية الآداب بجامعة طنطا، أخيراً، عن بحث له بعنوان “موقف الجماعات الإسلامية المتطرفة من قضية “التجديد الديني”، اغتيال الشيخ الذهبي نموذجاً 1971-1981م”، يؤكد أن “تأثير جماعات التشدد الديني في المناطق الشعبية والريفية شديد للغاية”.
ويضيف الباحث الأكاديمي أن “المعين الذي نهلت منه الجماعة الإسلامية أفكارها لا يزال موجوداً ومؤثراً، ومن ثم لا يمكن القول إن تلك الجماعة قد انتهت، فأفكارها يحملها أشخاص موجودون في الواقع، وهم إما غير نشطين، أو انضموا إلى جماعات جهادية
ويشير الخبير في حركات الإسلام السياسي إلى واقعة قتل القمص أرسانيوس وديد، كاهن كنيسة السيدة العذراء علي يد مشرد خلال سيره في طرق الإسكندرية، في شهر نيسان (أبريل) الماضي، وكان القاتل الذي صدر حكم بإعدامه عضواً بـ”الجماعة الإسلامية”، ويقول عبد المنعم: “إن الواقع يؤكد أن الجماعة غير فعالة كتنظيم، لكن أفكارها موجودة وفعالة على الأرض”.
الصّحوة الإسلاميّة
تأسست “الجماعة الإسلامية” في سبعينات القرن العشرين، وجاء صعودها ضمن موجة نشاط للتيار السلفي بشقيه الدعوي والجهادي، وهو ما كان يساهم في تغذية الإرهاب بصورة لافتة، فكلا الجانبين (الدعوي والجهادي) يتبنى الأفكار نفسها، لكن أحدهما يطبقها عبر الدعوة، والآخر يستخدم السلاح لتطبيقها، كما أن التيار الدعوي الأكثر تطرفاً غالباً ما ينضم أفراده إلى التنظيمات الجهادية.
وأطلقت تيارات الإسلام السياسي على تلك الفترة “الصحوة الإسلامية”، حيث نشطت العديد من الجماعات الإسلامية، واعتبرت أن أفكارها تعدّ “صحوة” للدين الإسلامي.
ويشير عبد المنعم، في رسالة الدكتوراه الخاصة به، إلى أن الحوادث السياسية والتفاعلات الإقليمية والدولية التي شهدتها فترة السبعينات “ساهمت في صعود ظاهرة الإسلام السياسي صعوداً غير مسبوق، وتم اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات في حادثة المنصة في تشرين الأول – أكتوبر عام 1981، وخرج النزاع الإيراني – العراقي إلى الوجود في أيلول – سبتمبر 1980، ومنذ ذلك العام تشكلت ملامح جديدة للعالم العربي والشرق الأوسط عموماً”.
ونجحت التيارات الإسلامية في السيطرة على المساجد والزوايا المخصصة للصلاة في معظم أنحاء مصر، ومن ثم استطاعت توصيل خطابها المتشدد بصورة واسعة، كما ساهم التمويل الضخم الذي يقدر بمليارات الدولارات، والذي كانت تحصل عليه من الخارج، وكذلك من مساهمات الأثرياء المصريين فاعلي الخير ومقدمي الصدقات والزكاة، في إقامة “جمعيات أهلية” و”مراكز إسلامية” ضخمة، تتضمن مستشفيات خيرية ووحدات إنتاج لدعم منتجات النساء الفقيرات وبيعها، ما ساهم في المزيد من التأثير الاجتماعي والانتشار لتلك التيارات.
ويؤكد متخصصون في الحركات الإسلامية، وكذلك قاطنون في المناطق الريفية والشعبية، أن تأثير تيارات الإسلام السياسي، خصوصاً السلفية، لا يزال قوياً للغاية في تلك المناطق، كما أن تراجع حدة خطابها المتشدد، أو استخدامها السلاح، هو مسألة وقت، وسوف تعود إليه إذا سنحت لها الفرصة مجدداً.