الطفولة في العراق معاناتها مزمنة واستراتيجيات أممية لإنقاذها
أدت الاضطرابات التي تعيشها البلاد المتمثلة بالتظاهرات والبطالة إلى ارتفاع معدلات العنف الأسري إلى مستويات قياسية
مؤيد الطرفي مراسل عراقي الأحد 29 مايو 2022 5:03
بهدف معالجة الأزمات والمشاكل التي تواجه أطفال العراق، أطلقت الحكومة العراقية، بالتعاون مع الـ “يونيسف”، الاستراتيجية الوطنية لتنمية الطفولة المبكرة (رويترز)
يعاني أطفال العراق من مشاكل معقدة نتيجة العنف وغياب البنى التحتية والأزمات المتلاحقة التي مرّت بها البلاد خلال السنوات الماضية، ما جعل الاهتمام بإيجاد حلول لها من قبل السلطات العراقية أمراً بعيداً عن أولويات الحكومات المتعاقبة منذ 2003، وعلى الرغم من تحقيق بعض التحسّن في بعض الجوانب الداعمة لحقوق الأطفال في العراق وبدعم من المنظمات الدولية خلال السنوات الماضية، إلا أن ملفات العنف والعمالة والتسرّب من التعليم تشكل أزمة كبيرة لأطفال العراق من دون إيجاد حلول واقعية لها تخفف من الآثار السلبية لها على مستقبل البلاد.
وأحرز العراق تقدماً ملحوظاً في أبرز مؤشرات بقاء وتغذية الأطفال، لكن التقدم في الوصول إلى تنمية الطفولة المبكرة والتنشئة الحساسة كان أبطأ، إذ لم تبلغ المشاركة في برامج تعليم الطفولة المبكرة الرسمية مثل رياض الأطفال سوى أقل من 10 بالمئة، في وقت يتعرّض ما يقارب من 90 بالمئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عام واحد و14 عاماً إلى شكل من أشكال العنف.
تنمية الطفولة
وبهدف معالجة الأزمات والمشاكل التي تواجه أطفال العراق، أطلقت الحكومة العراقية، بالتعاون مع منظمة الـ “يونيسف” الاستراتيجية الوطنية لتنمية الطفولة المبكرة التي تتضمن نهجاً شاملاً متناسقاً لتنمية الطفولة المبكرة، ويعترف بالمراحل المختلفة في تنمية الطفل حتى سنّ الثامنة، ويحمّل السلطات المعنية ومقدمي الخدمات والمجتمعات مسؤولية تأمين احتياجات الأطفال الصغار، وتعزيزها وحمايتها.
الطفل العراقي
وقالت جانيت كاماو ممثلة منظمة الـ “يونيسف” وكالة في العراق إن هذه “الاستراتيجية الجديدة لتنمية الطفولة المبكرة تتماشى بشكل تام مع إطار رعاية التنشئة العالمي، الذي أعدته الـ “يونيسف” مع شركاء آخرين، مبينة أنها ستكون أساسية للعودة بالنفع على الأطفال العراقيين منذ الحمل وحتى العامين الأول والثاني من العمر على الأقل، فضلاً عن المحافظة على النمو حتى سنّ الثامنة وضمان السلامة النفسية والاجتماعية، والتعليم المبكّر للأطفال”.
وبحسب الـ “يونيسف”، فإن هذه الاستراتيجية معلم رئيس في طريق إعداد “أجندة الازدهار”، مع التركيز على التنمية الصحية والرفاهية لأطفال العراق في بيئة آمنة ومحفزة تمنحهم أقوى أساس للإنجاز التعليمي، والتنشئة الاجتماعية الناجحة، والحياة العملية المديدة والمثمرة، وتطمح الاستراتيجية في السنوات المقبلة في زيادة تغطية تعليم الطفولة المبكرة إلى 30 بالمئة بحلول عام 2031.
ثماني سنوات
وقالت غادة الرفيعي مديرة مكتب هيئة رعاية الطفولة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إن الاستراتيجية التي أطلقتها الحكومة بالتعاون مع الـ “يونيسف” ستركز على حماية الطفل في رحم أمه، حتى يبلغ عمر ثماني سنوات، وأضافت الرفيعي أن الاستراتيجية ستوفر أكبر حماية للطفل إلى “جانب قانون حماية الطفل الذي ننتظر تشريعه من قبل البرلمان”، مبينة أن الحكومة العراقية أطلقت، مطلع العام الحالي، استراتيجية حماية الطفل للفترة من 2022 إلى 2025 تعالج مشاكل عموم الأطفال.
طفولة آمنة
ولفتت إلى أن هدف الاستراتيجية هو طفولة آمنة ومستقرة وسعيدة ضمن أسرة وبيئة داعمة لتحقيق التنشئة الأفضل لأطفال العراق، مشيرة إلى أن رسالة الاستراتيجية هي حماية الأطفال وتطوير وتنمية قدراتهم الجسمية والنفسية والعقلية والإدراكية والعاطفية من خلال تبني وسياسات وبرامج ومشاريع فاعلة وكفوءة.
40 بالمئة
وبحسب المؤشرات التي أطلقتها وزارة التخطيط لعام 2020، فقد شكّلت نسبة فئة صغار السنّ بعمر (صفر – 14 سنة)، وهي أكثر من 40 بالمئة من مجموع سكان العراق البالغ عددهم أكثر من 40 مليون نسمة، وعلى الرغم من مصادقة العراق على اتفاقية حقوق الطفل في القانون رقم خمسة لعام 1994، وعلى البروتوكولَين الملحقين بها، في القانون رقم 23 لعام 2007، إلا أن قانون حماية الطفل لم يشرّع حتى الآن وما زال كثيرون من الاطفال ينشأون في ظروف صحية واجتماعية غير سليمة .
قانون الطفل
وتسعى لجنة المرأة والأسرة والطفولة في البرلمان العراقي إلى الإسراع في تشريع قانون لحماية الطفل العراقي خلال دورته التشريعية الحالية، وقالت عضو اللجنة سهام الموسوي إن البرلمان العراقي لم يناقش قانون حماية الطفل على الرغم من وجود مسودّة القانون منذ عام 2014، مؤكداً على ضرورة تشريع القانون والضغط على الحكومة العراقية لتنفيذه لإيقاف الانتهاكات بحق الأطفال وإيجاد حلول للمشاكل التي يعانون منها مثل التسوّل.
خطر مستقبلي
أضافت الموسوي أن عدم تربية الطفل في بيئة مناسبة تجعل منه شخصاً مجرماً متعاطياً للمخدرات، ويتعرض للتحرّش، ويجعل منه شخصاً غير صالح في المستقبل، ويمثل خطراً على المجتمع، مشيرة إلى أن غالبية المشاكل التي يعاني منها الطفل سببها الفقر والوضع الاجتماعي الذي يؤدي إلى التفكك الأسري، وبينت الموسوي أن مسودة قانون حماية الطفل وضعت بالاعتبار عينه المشاكل التي يعاني منها الطفل العراقي، ووضعت الحلول لها، مؤكدة أن لجنة الأسرة والطفل ستركز على تشريع القانون وإضافة فقرات جديدة له تتضمن دوراً مهماً لمؤسسات الدولة في معالجة كثير من مشاكل الأطفال.
اقرأ المزيد
- مأساة الطفولة السورية تتجلى في مسرحية هنريك إبسن
- تحسن الوضع الاقتصادي يخفض عمالة الأطفال في العراق
- استفحال ظاهرة عمالة الأطفال في العراق بظل ضعف التصدي الرسمي
ولعلّ التعنيف بحق الأطفال أخذ حيّزاً كبيراً خلال السنوات الماضية، وانتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي حالات كثيرة لأطفال معنّفين، ويعزو مختصون الأمر إلى الوضع الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد والنتائج الاقتصادية والاجتماعية التي خلّفتها جائحة كورونا على الوضع العراقي بشكل عام.
القانون أولاً
ودعت الناشطة في مجال حقوق الانسان بشرى العبيدي إلى ضرورة تشريع قانون الطفل العراقي لحماية الطفل من كل المشاكل التي يعاني منها قبل وضع أي استراتيجية لحماية الأطفال، وأضافت العبيدي، وهي عضو سابق في مفوضية حقوق الإنسان، أن “هناك استراتيجيات سابقة لحماية الطفل لم تنفّذ على الأرض كانت تشمل جميع الأطفال حتى سنّ الـ 18، مبينة أن الاستراتيجية الحالية التي أطلقت بالتعاون مع منظمة اليونسيف التابعة للأمم المتحدة تركز على عمر ثماني سنوات كحد أقصى”، وشددت العبيدي على ضرورة أن يقرّ العراق قانون حماية الطفل العراقي الذي قدم إلى مجلس الوزراء منذ عام 2013 بمسودتين تشمل حقوق الطفل، مشيرة إلى أن أطفال العراق بحاجة إلى قانون لتكون أي استراتيجية لها قيمة في التنفيذ.
مشاكل كثيرة
وتابعت العبيدي أن العراق صادق على الاتفاقية الدولية لحماية الطفل لكن هناك مشاكل حقيقة تتمثل بعمالة الأطفال والاستغلال الجنسي والتسوّل والتعنيف العائلي، وبيّنت العبيدي أن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تلتزم بالدستور الذي نصّ على توفير حقوق الطفل في الصحة والتعليم والحياة الكريمة، مشيرة إلى أن عدم الالتزام الحكومي نتج عنه انتشار ظاهرة التسوّل، واستغلال الطفل، لأغراض إجرامية، وعمالة الأطفال والعنف المنزلي، وعدم توفير رعاية صحية جيدة لهذه الشريحة.
وأدت الاضطرابات التي يعيشها العراق منذ عام 2019 المتمثلة بالتظاهرات والبطالة الكبيرة الناجمة عن تفشي وباء كورونا ودخوله في أزمة اقتصادية خانقة، إلى ارتفاع معدلات العنف الأسري إلى مستويات قياسية لم تعرف في البلاد خلال العقود الماضية.
لن يقرّ
واستبعدت العبيدي أن يتمّ إقرار قانون حماية الطفل لعدم وجود تغيير حقيقي في تشكيلة البرلمان العراقي، مبينة أن المعترضين على قانون الحماية من العنف المنزلي هم أنفسهم من يرفضون قانون حماية الطفل، وتعرضت مسودة قانون العنف الأسري التي وافق عليها مجلس الوزراء العراقي في أغسطس (آب) 2020 إلى حملة اعتراضات ورفض من عدد من الجهات السياسية، خصوصاً من قبل بعض الأحزاب الشيعية التي اعتبرته يمثل “خطراً” على المجتمع العراقي، وتتضمن مسودة قانون حماية الطفولة 52 مادة ركزت على عدد كبير من الجوانب المتعلقة بتوفير البيئة الصحيحة للطفل ومحاسبة من يؤذي الطفل .
ونصت المادة 28 من القانون أن “للطفل المحروم من بيئته العائلية الطبيعية بصفة دائمة أو مؤقتة الحق في الرعاية البديلة من خلال الأسرة الحاضنة (البديلة) التي تتولى كفالته ورعايته، ومؤسسات الرعاية الاجتماعية العامة أو الخاصة في حال عدم توافر الأسرة الحاضنة”.
وكان تقرير سابق صادر لمجلس القضاء الأعلى أشار إلى أن المحاكم العراقية سجلت 1606 دعاوى لعنف ضدّ الأطفال عام 2019.
عقوبات مختلفة
وبحسب المتخصص القانوني أحمد العبادي، “هناك عقوبات مختلفة بحق التعنيف الذي يمارس ضدّ الطفل أدرجت ضمن قانون العقوبات المشرع عام 1969″، وأضاف العبادي أن “قانون العقوبات المرقم 111 لسنة 1969 وقانون الأحداث لسنة 1983 يعالج موضوع العنف في حق الأطفال”، مشيراً إلى أن هذا القانون شدد العقوبة بحق الاعتداء على الأطفال دون سنّ 18 عاماً، وتم تدريج هذه العقوبات، حسب نوع العنف، وبيّن أن الاغتصاب بحق الطفل تصل عقوبته إلى الإعدام، والضرب المتسبب بعاهة تصل عقوبته إلى السجن بنحو ثلاث سنوات أو أكثر.
وعلى الرغم من محاولة المنظمات الدولية تقديم دعم للعراق لإيجاد حلول لارتفاع معدلات العنف الأسري، وخصوصاً ضد الأطفال وتشريع قوانين تهدف إلى الحد منه، لكن الاعتراضات السياسية، وعدم نضوج الكتل والجهات السياسية في توجهاتها الاجتماعية والاقتصادية، أفشلت حتى الآن أي مشروع لتفكيك المشاكل التي تعاني منها الأسرة العراقية، كما أن النفوذ الكبير للعشائر ورجال الدين على المجتمع العراقي، صعّب كثيراً عمل الأجهزة الأمنية في التعامل مع هذا الموضوع وجعلها تتعامل مع النتائج النهائية للعنف الأسري المتمثلة بالقتل داخل الأسرة العراقية الذي اعتاد الشعب العراقي على متابعة أخباره اليومية في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.