المرشح الصدري لرئاسة الحكومة يطرح رؤيته لبناء الدولة
مقتدى الصدر يعتذر لأتباعه بعد انسحابه غاضباً من احتفال في ذكرى اغتيال والدهالأحد – 6 ذو القعدة 1443 هـ – 05 يونيو 2022 مـ رقم العدد [ 15895]
مقتدى الصدر يحيي أنصاره أول من أمس خلال مراسم إحياء ذكرى اغتيال والده في مدينة النجف (أ.ف.ب)بغداد: «الشرق الأوسط»
بعد انسحابه من إلقاء كلمة في ذكرى مقتل والده (المرجع الشيعي محمد محمد صادق الصدر) وشقيقيه عام 1999 بعد محاولات لإسكات آلاف ممن حضروا مكان الاحتفال، اعتذر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إليهم. فيما كسر مرشحه لرئاسة الحكومة، ابن عمه، جعفر باقر الصدر، صمته متحدثاً عن رؤيته لبناء الدولة.
اعتذار مقتدى الصدر جاء في رسالة وجهها أمس (السبت)، قال فيها: «بكلِّ صِدقٍ ومَحَبَّة أقول لكلِّ مَنْ أحيا الذِكرى السَنويَّة في داخل العراق وخارجه: حَيّاكُم الله والشُكر لَكُم مِنَ الله على هذا الإخلاص والمَحبَّة والعاطِفَة لصاحِب الذِكرى ونجليه وَلي: أنا العبد الفقير المُحتاج لرحمة رَبّه… ولآلِ الصدرِ الكِرام… وأُقَدِّم اعتذاري عن الانسحاب من بينكم أثناء إلقاء الكلمة حِفاظاً على سلامتكم أولاً… ولكي تستمرّ حياتي في خدمتكم ثانياً». وطبقاً للرسالة فقد تمنى الصدر أن يكون معهم في السيارة التي تم تفجيرها عام 1999.
وفي كلمته المقتضبة جداً، قبيل انسحابه غاضباً، اتهم الصدر حزب البعث الحاكم في عهد الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، بتدبير عملية الاغتيال.
وبينما كانت الأوساط السياسية تتوقع أن يطرح الصدر حلاً أو رؤية جديدة لأزمة الانسداد السياسي في البلاد، فإنه ليلة أول من أمس (الجمعة)، انسحب غاضباً بسبب تزاحم الحضور وعدم التزامهم بالتعليمات، الأمر الذي جعله يقول لهم إنه «زعلان منكم». بينما اكتفى في اليوم التالي بالاعتذار مع تمنيه لهم بأن يدعوا له لـ«نيل الشهادة».
وفيما كان المراقبون السياسيون يتوقعون أن يستثمر زعيم «التحالف الثلاثي» مقتدى الصدر ذكرى مقتل والده لطرح رؤيته لكيفية إيجاد حل لأزمة الانسداد السياسي التي تعصف بالبلاد منذ ثمانية أشهر، فإنهم رأوا في اكتفائه بالانسحاب مرة وبالاعتذار مرة ثانية مؤشراً إلى أن الأزمة ستستمر إلى وقت لم يعد معلوماً.
وفيما يبدو الصدر وحليفاه، الكردي مسعود بارزاني، والسني محمد الحلبوسي، في وضع مريح بسبب هيمنة تحالفهم على البرلمان، فإن «الإطار التنسيقي» الذي يضم القوى الشيعية المناوئة للصدر والقريبة من إيران بات المتضرر الأكبر من أزمة الانسداد السياسي.
وسعى بعض قادة الإطار التنسيقي، مثل هادي العامري زعيم «تحالف الفتح» وقيس الخزعلي زعيم «عصائب أهل الحق» ونوري المالكي زعيم «ائتلاف دولة القانون» إلى استثمار ذكرى مقتل الصدر الأب في إصدار بيانات تؤكد سيرهم على نهجه. لكن التجربة السياسية طوال الشهور الماضية أثبتت أن الأزمة داخل القوى الشيعية أعمق من موضوع الالتزام بخط الصدر والد مقتدى، وصولاً إلى الالتزام بخط المؤسس الأول لحزب الدعوة محمد باقر الصدر، الذي أعدمه صدام حسين عام 1980.
فعندما طرح مقتدى الصدر ابن عمه جعفر الصدر، وهو نجل المرجع والمؤسس الأول محمد باقر الصدر مرشحاً لمنصب رئيس الوزراء، وضع قادة الإطار التنسيقي شروطاً في المقدمة منها تحديد المواصفات قبل الأشخاص.
جعفر الصدر، الذي يتولى منصب سفير العراق لدى المملكة المتحدة، التزم الصمت طوال الشهور الماضية حيال رؤيته فيما لو تم تكليفه بتشكيل الحكومة. بينما تحدثت أخبار عن لقاء وشيك سيجمعه مع هادي العامري، فإنه طرح رؤيته لكيفية بناء الدولة في مقال له نشرته له، أمس (السبت)، جريدة «الصباح» الرسمية بعنوان: «مستقبل العراق بين إدارة الدولة ومشروع بنائها – نحو الانتقال من مرحلة السلطة وإدارتها إلى مرحلة الدولة وبنائها».
وأكد جعفر الصدر، في مقاله، أن ما يواجه العراقيين «بعد كلّ انتخاباتٍ، استحقاقان: الأول: هو إكمال مشروع بناء الدولة الذي لم يُنجز بعد، ببعديه: القانوني والسياسي؛ والثاني هو انتخاب الرئاسات الثلاث من جهة وإعداد البرنامج الحكومي من جهة ثانية». وتساءل: «إذا لم تُطبّق مواد الدستور، ولم يُتّفق على أي دولة نبني، وكيف؟».
وأوضح أنه «في كلّ مرّة يُغفل الاستحقاق الأهم (بناء الدولة)، وننشغل بالاستحقاق الثاني (إدارة الدولة)»، مبيناً أنَّ «الاستحقاق الأول والأكبر هو إكمال مشروع بناء الدولة وهو مشاركة جميع أبناء الوطن فيه، بجميع أطيافه وقواه المدنية وفاعلياته المختلفة».
ودعا جعفر الصدر إلى «صياغة وثيقة دستور البلاد، التي تحدّد ماهية الدولة، وفلسفة الحكم، ونوع النظام، والحقوق والواجبات بين الحاكم والمحكوم، وبين سلطات الحكم المختلفة، ثم تبدأ مرحلة تطبيق الدستور بعد إقراره، من خلال نفس القوى مجتمعة، التي ينبغي أن تستمرَّ في عملية البناء والتطوير والتعديل، بل التغيير إذا لزم الأمر مراعاة لمصالح البلد العليا، وتكيّفاً مع المتغيّرات». وشدد على الحاجة إلى «حوار مجتمعي بين جميع القوى المجتمعية، أحزاباً، وأعلاماً، ومثقفين، وواجهات اجتماعية، ودينية، ومنظمات غير حكومية، ومختلف النقابات العمالية والطلابية والمهنية، وجمعيات الأسرة والمرأة، والحوزات العلمية، والمؤسسات الدينية الأخرى، لنعمل على بلورة رؤى مشتركة ومتفق عليها لما يحتاج إليه البلد»، محذراً من «إبعاد الشعب عن بناء بلده»، معتبراً أن «البعد المجتمعي يتمثل في المشاركة الفاعلة لكل القوى لرسم السياسات المصيرية، والعالية الأهمية للبلد، من خلال الحوار والتواصل، وعبر المؤسسات الرسمية والشعبية المختلفة، حتى يشعر الجميع بدورهم، بل واجبهم في بناء بلدهم، وتحديد خياراته، ورسم مستقبله».
ودعا الصدر إلى حوار مجتمعي من أجل استكمال بناء الدولة، على أن يكون هذا الحوار استناداً إلى الدستور.