تجاذبات النفط والأزمة الأوكرانية
محمد العسومي – الاتحاد
توصل اجتماع مجموعة “أوبك+” الأسبوع الماضي إلى قرار حول زيادة إنتاج النفط لشهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب) المقبلين بنسبة أعلى من الاتفاق السابق بمقدار 216 ألف برميل يومياً، ليصل معدل الزيادة إلى 648 ألف برميل بدلاً من 432 ألف برميل يومياً، وذلك للتخفيف من حدة الضغوط على الأسعار التي استقرت عند معدلات عالية خلال الشهور القليلة الماضية.
والسؤال الأهم والأبرز هنا يكمن في مدى تأثير ذلك على مستويات العرض، وبالتالي على أسعار النفط؟ من الناحية ألفنية لا يبدو أن لهذه الزيادة أية تأثيرات تذكر على مستويات الأسعار، وذلك لأسباب عديدة سنتناولها باختصار.
فأولاً، وهذا الأهم، هو أن مشكلة نقص الإمدادات لا تتعلق بحجم إنتاج النفط الخام، وإنما بالمشتقات النفطية والناجم عن إغلاق العديد من مصانع التكرير في فترة جائحة كورونا، وهو ما أدى إلى نقص شديد في البنزين وغيره من المشتقات النفطية، وبالتالي فإن زيادة إنتاج النفط الخام دون وجود معامل تكرير كافية يعتبر قراراً دون أية تأثيرات ذات أهمية.
وثانياً سوف لن تعوض هذه الزيادة بمجملها، والبالغة 648 ألف برميل يومياً، التراجعَ المتوقعَ، سواء من الإنتاج الروسي، أو من مناطق إنتاج النفط الأخرى التي يعاني بعضها من اضطرابات جيوسياسية أو مشاكل بيئية وفنية تتعلق بالمحافظة على معدلات الإنتاج الحالية، فالزيادة الفعلية ستكون أقلَّ من ذلك بكثير، كما حصل في شهر أبريل (نيسان) الماضي، حيث لم تتجاوز الزيادةُ الفعليةُ 10 الآف برميل، وذلك على الرغم من قرار “أوبك+” القاضي بزيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يومياً.
ثالثاً، لا يمكن تعويض صادرات النفط الخام الروسية البالغة 5 ملايين برميل يومياً يذهب 80% منها تقريباً للدول الأوروبية، أما إذا ما أضيفت المشتقات النفطية إلى هذه الصادرات، فإن حجمها لأوروبا سيرتفع إلى 6 ملايين برميل يومياً قبل الحرب الأوكرانية، مما يبين ضآلة الزيادة، مقارنةً بحجم الصادرات الروسية. ولذلك فإن رفع معدل الزيادة الشهرية 50% اعتباراً من شهر يوليو القادم لتصل إلى 648 ألف برميل يكتسب طابعاً نفسياً أكثر منه عملياً، وقد كانت له بعض التأثيرات المؤقتة، إذ استفاد منه المضاربون بصورة أساسية.
فبمجرد الإعلان عن الزيادة انخفضت أسعار خام برنت بمقدار 11 دولاراً لتهبط من 124 إلى 113 دولاراً للبرميل، إلا أنها سرعان ما ارتدت لتبلغ 120 دولاراً للبرميل بداية الأسبوع الجاري بعد عملية جني أرباح كبيرة.
وفي نفس الوقت، فقد جرت محاولات إعلامية لشق صف مجموعة “أوبك+” باستغلال هذه الزيادة من خلال القول بأنها تمت في نطاق “أوبك” وليس “أوبك+” بعيداً عن المشاورات مع روسيا!
علماً بأن محاولة شق صفوف هذا التحالف القوي تم الإعداد لها منذ بداية الأزمة، بل وقبلها من قبل قوى مؤثرة عالمياً، بما في ذلك تفعيل قانون “نوبك” الخاص بالاحتكارات النفطية، والذي أقره الكونجرس الأميركي مؤخراً. ويبدو أن هذه المحاولات لن تنجح، فالدول التي وافقت على زياد الإنتاج تعمل بصورة وثيقة مع كافة الأعضاء الآخرين في “أوبك+” بمن فيهم روسيا الاتحادية، إذ يعرف الجميع أن هذه الزيادة لن تؤدي إلى حل مشكلة إمدادات وأسعار النفط، للأسباب التي أشرنا إليها، كما أن كافة الأعضاء في المجموعة يدركون تماماً أهمية “أوبك+” للمحافظة على مكاسبهم وعلى استقرار أسواق وأسعار النفط، إذ بدون هذا التحالف ستكون الدولُ المنتجةُ للنفط مهددة بفقدان الجزء الأكبر من مكاسبها.
إذن لا جديد في هذا الأمر، سوى الضجة الإعلامية ومكاسب المضاربين، أما حل الأزمة بصورة فعلية وعملية، فيحتاج إلى أكثر من مجرد اتفاق على زيادات إنتاجية لا تؤدي إلى حل القضايا الفنية والجيوسياسية المحيطة بأزمة أسواق النفط والمرشحة لمزيد من التأزيم في الأشهر المقبلة.