العراق… الزلزال الصدري يعقّد الخيارات الكردية
15-06-2022 | 06:30 المصدر: النهار العربي
لقاء بين مقتدى الصدر ومسعود بارزاني نهاية 2018. (أرشيف)
A+A-بخروج “الكتلة الصدرية” من البرلمان العراقي، بعد تقديم الاستقالة الجماعية إلى رئيس البرلمان، يكون المشهد السياسي قد تغير تماماً في البلاد، بالذات في ما خص التوازنات البرلمانية، إذ يرى مراقبون أنها ستكون ذات تأثير في مختلف المناخات والقوى السياسية العراقية، لكن الكردية منها ستكون الأكثر تأثراً، لأنها طوال السنوات الماضية كانت تعتمد على مستويات من النفوذ والتوازن داخل البرلمان العراقي، لتحديد شكل علاقتها بالسلطة المركزية وضبطها، تلك العلاقة التي هي جوهر الاستقرار السياسي والاقتصادي، وحتى الأمني، في إقليم كردستان العراق. بعد استقالة “الكتلة الصدرية”، ركز مراقبون في الإقليم على مستويين من التحولات السياسية التي قد تؤثر في الحضور والدور الكرديين في صناعة القرار في السلطة المركزية، وهما انقلاب التوازنات بين الكتل الكردية المتنافسة ضمن البرلمان المركزي، والتشكيك في قدرة البرلمان على الاستمرار وتشكيل حكومة مركزية ذات مشروع وبرنامج واضح المعالم، من دون هزات سياسية واضطرابات مجتمعية. فالتوازنات بين الكتل البرلمانية العراقية ستتغير تماماً، بعد حلول النواب الاحتياط مكان نواب الكتلة الصدرية المستقيلة. فهؤلاء الأخيرون كانوا يشكلون ربع أعضاء مجلس النواب، ويُعتبرون حلفاء خالصين للحزب الديموقراطي الكردستاني، ضمن تحالف “إنقاذ وطن” الثلاثي، الذي صار بحكم المفكك، وسيحل بدلاً منهم أعضاء آخرون، يتوزعون على ثلاث كتل بشكل رئيسي، هي كتلة “دولة القانون” و”تحالف الفتح” العضوين الرئيسيين في تحالف “الإطار التنسيقي”، إلى جانب أعضاء آخرين مستقلين، وقرابة عشرة نواب من حركة “تقدم” التي يتزعمها رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، التشكيل الثالث ضمن التحالف الثلاثي المفكك، إلى جانب التيار الصدري والحزب الديموقراطي الكردستاني. انقلاب التوازنوفق هذه المعادلة، سيكون التوازن الداخلي الكردي ضمن البرلمان العراقي قد انقلب تماماً إلى العكس مما كان عليه، حسبما يشرح الباحث شفان رسول لـ”النهار العربي”، مستشرفاً التأثيرات المستقبلية لذلك قائلاً: “قبل الاستقالة، كان التحالف الثلاثي الذي يضم الكردستاني والتيار الصدري صاحب المبادرة والكتلة الأكبر ضمن البرلمان، لكن راهناً صار الديموقراطي ضمن تحالف سياسي برلماني يضمه إلى تحالف السيادة “السّني” فحسب، وهما لا يتجاوزان 90 مقعداً، أي أقل من ثلث أعضاء البرلمان. فيما سيكون الاتحاد الوطني الكردستاني، الحليف للإطار التنسيقي، جزءاً من كتلة تضم الأغلبية المطلقة من أعضاء البرلمان”. ويرى رسول أنه “خلال الأيام المقبلة، ستكون الزيارة التي سيقوم بها زعيم تيار “الفتح” هادي العامري لإقليم كردستان، والتي كانت مقررة قبل أسبوع وتم تأجيلها وأثارت الكثير من اللغط بشأن أسباب ذلك التأجيل، بمثابة المحدد للسياق والاستراتيجية التي سيتخذها الحزب الديموقراطي الكردستاني في المشهد العراقي. فالعامري سيعرض على الديموقراطي إعادة تشييد العلاقة وجسرها مع القوى السياسية العراقية “الشيعية” من غير التيار الصدري، مقابل تعهدات سياسية واقتصادية/مالية، وبحسب استجابة الديموقراطي للعرض المقدم، سيتوضح الجزء الأكبر من المشهد العراقي. فكل ما صدر عن الديموقراطي الكردستاني خلال اليومين الماضيين لم يكشف استراتيجية الحزب بما فيه الكفاية”. الصراع على الرئاستينالمؤثر الآخر في الدفة الكردية من المشهد العراقي يتعلق بالأسماء المرشحة لمنصب رئيس الوزراء، والبرنامج السياسي والاقتصادي الذي قد تحمله هذه الأسماء المرشحة. فبعد استقالة نواب الكتلة الصدرية بساعات قليلة، أعلن السفير محمد جعفر الصدر سحب ترشحه لمنصب رئاسة الوزراء، وهو الذي كان قد أعلن برنامجاً حكومياً عمومياً، كان يحوز رضا القوى الكردية، بالذات بعدما التقى رئيس إقليم كردستان ورئيس وزراء الإقليم الصدر في العاصمة البريطانية لندن، وتوصلا إلى رؤية مشتركة في مختلف القضايا العالقة بين الإقليم والسلطة المركزية في بغداد.
لقاء بين مسرور بارزاني وجعفر الصدر في لندن في نيسان (أبريل) 2022.المحامية والناشطة السياسية ريواز هلاتي شرحت لـ”النهار العربي” كيف أن ذلك الأمر يعيد التوافقات السياسية الداخلية بين القوى الكردية إلى نقطة البداية: “ما حدث من استقالة وتراجع السفير محمد الصدر عن ترشحه وبرنامجه الحكومي، يعيد الكرة إلى ملعب الحزبين الكرديين الرئيسيين، الاتحاد الوطني والديموقراطي الكردستاني. فالطرفان أولاً يجب أن يعودا إلى التفاوض بشأن منصب رئاسة الجمهورية في العراق، وعلاقة ذلك المنصب بتوزيع المناصب وتوازنها ضمن إقليم كردستان، خصوصاً أن مختلف القوى في الإقليم تبدو ماضية في إجراء الانتخابات البرلمانية خلال الخريف المقبل”. تضيف هلاتي: “كذلك سيكون أمام الحزبين سؤال كبير حول إمكان المشاركة في العملية السياسية هذه من دون لاعب رئيسي مثل التيار الصدري أو لا. إذ لا يُعرف إن كان الحزب الديموقراطي قادراً على المشاركة من موقع “المستضعَف” أو لا. وفي حال انسحابه من البرلمان، تضامناً مع حلفائه من التيار الصدري، فهل ستتمكن كتلة الاتحاد الوطني من البقاء في البرلمان كممثل وحيد للطرف الكردي، وهي التي لم تستحوذ إلا على قرابة ثلث الأصوات والمقاعد التي للطرف الكردي في البرلمان العراقي؟ هذا الأمر الذي قد يصعّب تماماً المفاوضات الكردية الثنائية، بالضبط مثلما هي صعبة مفاوضاتهم مع باقي الكتل البرلمانية العراقية”.