الكاظمي رجل حل الأزمات.. خلافات عاصفة رافقت تشكيل الحكومات العراقية بعد 2003 أضرت بمصالح البلد والشعب
معد فياضلم يشهد النظام السياسي في العراق بعد 2003 انتقال سلمي وسلس للسلطة الا عام 2005 عندما سلم اياد علاوي، رئيس الوزراء وقتذاك، مقاليد الحكومة الى خليفته ابراهيم الجعفري، بعد خسارة ائتلافه(العراقية) في الانتخابات لصالح الائتلاف العراقي(شيعي).ومنذ حكومة الجعفري التي اطيح بها من قبل الشيعة والسنة والكورد، حيث تسلم نوري المالكي رئاسة الحكومة بصورة غير دستورية او شرعية، لعهدين، وحتى اليوم، غالبا ما اشتعلت الخلافات بين الاطراف السياسية من اجل تنصيب رئيسا للوزراء وتشكيل الحكومة، وقد يمتد ذلك لاشهر عديدة، كما نشهد اليوم حيث مضى اكثر من ثمانية اشهر على اجراء ما سميت بالانتخابات المبكرة في 10 تشرين الاول 2021، نزولا عند احد مطالب المحتجين(التشرينيون) للتقديم قتلة المتظاهرين للقضاء، ومحاربة الفساد، وانهاء وجود الميلشيات، وايجاد فرص للعمل وتوفير الخدمات، الا ان ايا من هذه المطالب لم تتحقق.اليوم يبدو أفق تشكيل الحكومة اكثر قتامة وسوداوية خاصة بعد انسحاب التيار الصدري من المشهد السياسي واستقالة كتلتهم من البرلمان، وعودة مطالبة نوري المالكي، رئيس الاطار التنسيقي، بالمطالبة بولاية ثالثة في رئاسة الوزراء.ويؤمن كل من تسلم منصب رئيس وزراء العراق بانه يجب ان يعتمد على قوة حزبه، سواء في الحكومة او في مجلس النواب، او انه سيكون ضعيفا وعرضة للهجوم والعواصف التي قد تقتلعه من منصبه.اياد علاوي: تداول سلميبعد اختياره، من قبل الأخضر الإبراهيمي وممثلي سلطات الاحتلال، وموافقة مجلس الحكم، رئيساً للوزراء، أوضح اياد علاوي، رئيس اول حكومة بعد تغيير نظام صدام حسين، بأن العملية ” جرت لتسميتي رئيسا للوزراء وفي ذات الوقت لتسمية الوزراء أيضاً “. موضحاً “أنا لا اعرف أصل وتفاصيل الاتفاق الذي حصل لتسميتي رئيساً للحكومة. وفي اعتقادي ان الاتفاق كان قد جرى بأن يكون رئيس الحكومة شيعياً. لكنني لا أدري كيف جرى هذا الاتفاق ومن كان وراءه ولماذا حدث بهذه الطريقة؟ أنا شخصياً لم اشارك في النقاشات التي سبقت تسميتي لهذا المنصب، أو لماذا يجب ان يكون رئيس الحكومة شيعياً أو سنياً أو أي شيء، كل ما كان يهمني ان يكون رئيس الحكومة شخصاً يستطيع تحمل مسؤولية الحكم وتسلم السيادة”.محاصصة طائفيةويقر علاوي بقوله:”كان، بالتأكيد عامل المحاصصة الطائفية هو الذي تحكم في تشكيل الوزارة، لكن كانت بمستوى التمثيل الحقيقي للانعكاس السياسي خاصة في مجلس الحكم. وكان من الافضل، بالطبع، أن تعكس هذه الوزارة الوجود السياسي، ولو تشكلت كل الوزارة حسب الوجود السياسي لكان افضل، لكنها كانت وزارة انتقال سيادة وكانت امتداداً لمجلس الحكم وتحمل بصمات الفترة التي سبقتها.” مستطرداً بقوله: “أما السبب الثاني فهو انه كانت لنا علاقات نضال وعمل مشترك مع بعض القوى السياسية التي اشتركت في الحكومة المؤقتة. وثالثاً، ان اختيار الوزراء كان إلى حد ما موفقاً، وتضمنت الحكومة عناصر كفوءة ومتخصصة إلى جانب كونها عناصر سياسية، من غير ان ننسى انه كانت هناك اختيارات غير موفقة”.الجعفري: حكومة قصيرة الاجلكان تطبيق منهج المحاصصة الطائفية، بعد تغيير نظام صدام حسين، وفي أبشع صوره، قد أقترن بعهد إبراهيم الجعفري عندما أختير رئيساً للحكومة العراقية. وقد شكل ترشيحه لرئاسة الوزراء إثر انتخابات 2005 مفاجأة لغالبية العراقيين، إذ لم يكن الرجل معروفاً على المستوى الشعبي، ولا حتى بين جماهير حزبه، الدعوة.وحفاظاً على”البيت الشيعي” فقد تمت الموافقة على ترشيحه ليكون أول رئيس وزراء لفترة دستورية بعد 2003. وبسبب عدم تأييد الكثير من الكتل الشيعية، والسنية والكوردية له، فإن فترة حكمه القصيرة ازدحمت بالكثير من المشاكل، مما دعا بقية الكتل إلى مطالبته بالتنحي.اشتدت معارضة الكتل السياسية لوجود الجعفري بمنصبه رئيساً للوزراء، نتيجة الفوضى التي عمت العراق، خاصة بعد تفجير مرقدي الامامين العسكري في سامراء واشتعال الاقتتال الطائفي، وبات العراق على شفا هاوية حرب أهلية دموية، في ظل الانفلات الامني التام، مما ادى إلى ارتفاع اصوات الكتل السياسية، وفي مقدمتها الشيعية، لاقالة رئيس الوزراء، الجعفري، لكنه كان متمسكاً بمنصبه.لكن ضغوط الكتل السياسية، الشيعية والسنية والكوردية، اضافة إلى الضغوط الخارجية، الأميركية والإيرانية التي كانت تخشى على تشتت الصف الشيعي، ووصول الحالة إلى هاوية الاقتتال بين الفصائل الشيعية نفسها، رضخ الجعفري للتخلي عن منصب رئاسة الوزراء، حيث دعا في أواسط نيسان 2006 إلى اجتماع عاجل لقيادة حزب الدعوة استمر ساعات طويلة لبحث الأمر، وتقرر خلاله دعوة ممثلين عن التيار الصدري الذي صوت أعضاؤه لصالح الجعفري، إلى الإجتماع فتقرر إعادة الترشيح إلى قيادة الائتلاف وليس التنحي عنه، ثم فهمت الرسالة على انها تعني التنحية، ثم حصلت أحداث متسارعة.. جعلت من التنحي أمراً واقعاً رضخ له الجعفري أخيراً. لكن الجعفري اشترط لإعلان قبوله التنحي رسمياً اختيار نوري المالكي القيادي في حزب الدعوة لتولي رئاسة الحكومة الجديدة والتي شكلها فعلاً في العشرين من أيار عام 2006.المالكي رئيس وزراء غير منتخبفي 22 نيسان 2006، كلف رئيس الجمهورية جلال طالباني، الذي أعيد انتخابه رئيسا للعراق، نوري المالكي بتشكيل حكومة جديدة من اجل انهاء حالة الجمود السياسي الذي استمر شهورا. وبسبب الظروف الحرجة التي كان يمر بها العراق، تمكن المالكي باعتباره “رئيس الوزراء المكلف”، وليس منتخبا، من تشكيل حكومة توافقية، محاصصة، سميت بـ”الحكومة الانتقالية” ريثما تجري انتخابات تشريعية جديدة، ادت اليمين الدستوري في 20 أيار 2006 ، اي بعد مرور شهر على تكليف المالكي، وسوف يتمدد، المالكي لولاية ثانية في منصبه مع سيطرته على الوزارات الامنية، الدفاع والداخلية والامن الوطني.ويجزم العراقيون، ومراقبون عرب وغربيون، بان أسوء مراحل العراق تلك التي حكم فيها نوري المالكي، خلال عهدين من حكومته، 2006 وحتى 2014، حيث استشرى الفساد بشكل غير مسبوق، وحسب التقارير الدولية ومنظمات الشفافية فان رئيس الوزراء، المالكي، تسبب بفقدان اكثر من 500 مليار دولار خلال حقبة حكمه. ولا يتسع المجال هنا لذكر عناوين ملفات الفساد التي تورط بها المالكي وورط بها قيادات سياسية اخرى داخل حزبه وخارجه.كما تسبب، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة باحتلال تنظيم داعش الارهابي لثلث مساحة العراق، بضمنها محافظات، الانبار ونينوى وصلاح الدين، وبمقتل عشرات الالاف من العراقيين.وشكلت الانتخابات التي جرت في 7 آذار 2010، فاصلة مهمة في تاريخ الانتخابات العراقية بسبب ماجرى فيها من تغيير في تفسير الدستور العراقي لصالح طرف خاسر، نوري المالكي، على حساب طرف فائز، اياد علاوي، مدعوما من قبل ايران وترضية للاحزاب الشيعية.وكادت الاحداث التي رافقت اصرار المالكي على تشكيل الحكومة بطريقة غير شرعية ان تعصف بالعراق كله.حيدر العبادي: حكومة الوعودأصطدمت مسالة تشكيل حكومة 2014، كالعادة، بمطالبة نوري المالكي، المتشبث بالسلطة، بولاية ثالثة، واعتبر تكليفه برئاسة الحكومة حقه الشرعي كونه زعيم الائتلاف الفائز الاول في الانتخابات، وان(ائتلاف دولة القانون) هو من سيشكل الحكومة حسب الدستور. لكن جميع الكتل الاخرى، الشيعية والسنية والكوردية، اضافة الى المرجعية الشيعية في النجف، رفضت بشدة تنصيب المالكي لولاية ثالثة، فقد شهدت ولايته الاولى والثانية الكثير من الازمات وشابها الفساد، وحدث في ولايته الثانية اكبر خرق امني عندما احتل تنظيم داعش الارهابي ثلث مساحة العراق.وكان التحالف الوطني (الشيعي) قد توصل يوم الاثنين (11 آب 2014) إلى اتفاق على ترشيح حيدر العبادي لرئاسة الحكومة لأربع سنوات مقبلة بدلا عن نوري المالكي الذي أعلن رفضه تكليف العبادي بمنصب رئاسة الوزارة العراقية الجديدة، قائلا انه “لا يمتلك أي شرعية لذلك”. ولادة عسيرة لحكومة ناقصة في 8 أيلول 2014، نالت حكومة العبادي، التي جاءت بعد ولادة عسيرة، ثقة مجلس النواب العراقي، وبلغ عدد المؤيدين 177 نائبة ونائبا، من بين 289 نائبة ونائبا حضروا الجلسة.وأدى رئيس وأعضاء الحكومة العراقية الجديدة اليمين الدستورية.الحكومة الجديدة ولدت ناقصة وغير مكتملة، اذ لم تضم اسماء وزراء للدفاع والداخلية، وقال رئيس الوزراء، العبادي، إن عدة وزارات ستدار بالوكالة، على أن يقدم مرشحين لتوليها خلال أسبوع.حكومة عبد المهدي (أكسباير)لم تستمر حكومة عبدالمهدي لعامين بسبب احتجاجات ثورة تشرين التي انفجرت في بغداد وعمت جميع المحافظات الوسطى والجنوبية. ففي 24 تشرين الاول عام 2018 صوت البرلمان العراقي على 18 وزيراً في كابينته الوزارية، كما صوت على منهاجه الوزاري وقد أعطاه الثقة له ولوزرائه، وقد أدى اليمين الدستورية هو وحكومته.فيما استلم السلطة رسميا يوم 25 أكتوبر 2018 من رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي. وتولى في نفس اليوم وزارتي الدفاع والداخلية وكالةً لحين تعيين وزيرين لهما من قبل البرلمان العراقي.لكن التظاهرات التي اندلعت في 1 تشرين الأول عام 2019 في بغداد وبقية محافظات وسط جنوب العراق احتجاجاً على تردّي الأوضاع الاقتصادية للبلد، وانتشار الفساد الإداري والبطالة أحدثت تغييرات مهمة في الساحة السياسية العراقية.ووصلت مطالب المتظاهرين إلى إسقاط النظام الحاكم واستقالة حكومة عادل عبدالمهدي، وتشكيل حكومة مؤقتة وإجراء انتخابات مبكرة، وتقديم قتلة المتظاهرين للقضاء. وندّد المتظاهرون أيضاً بالتدخل الإيراني في العراق وحرق العديد منهم العلم الإيراني.وفي 30 نوفمبر 2019 قدم عبد المهدي استقالته من رئاسة مجلس الوزراء لرئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، وصادق عليها البرلمان في اجتماعه المُنعقد في 1 كانون الاول 2019.الكاظمي رجل حل الازماتكلف رئيس الجمهورية، برهم صالح، وحسب صلاحياته الدستورية، مصطفى الكاظمي لتشكيل الحكومة، ذلك بعد ان رفض ، تكليف ثلاثة مرشحين لهذا المنصب. وصوت البرلمان على حكومة الكاظمي التي وصفت بـ”المؤقتة”، حيث وعد باجراء انتخابات مبكرة، وتقديم قتلة المتظاهرين للقضاء، ومحاربة الفساد.وبالفعل نفذ وعده واجرى انتخابات مبكرة، في 10 تشرين الاول 2021، وصفت بانها الافضل في تاريخ العراق بعد 2003، حيث لم يرشح نفسه ضمن هذه الانتخابات، وقام بمجموعة من الاجراءات لمحاربة الفساد والحد من انتشار السلاح المنفلت.و يصر انصار الكاظمي على ان رئيس الوزراء لا يمتلك عصا سحرية لمعالجة كل السلبيات في ليلة وضحاها، ويجب ان يُمنح الفرصة الكافية لترتيب اوضاع البيت العراقي المرتبك وسط ازمات متراكمة منذ سنوات طويلة، لا سيما وانه حقق في وقت قصير ما لم يحققه غيره من رؤساء الحكومات السابقة.الكاظمي قال بعد مرور سنة على تسلمه مسؤولية رئاسة الحكومة:”ليكن لدينا إيمان بالمستقبل، فأنا ورثت فشل حكومات 17 عاماً.. أعطوني فرصة، ولنتعاون سوية لإصلاح ما يمكن إصلاحه، خلال الفترة القصيرة، وأبعدوا السلاح ولنفتح صفحة جديدة في تاريخ العراق”. وعرف عن الكاظمي بانه رجل حل الازمات وليس صناعتها كما درج اسلافه على اختلاق الازمات التي عصفت بالعراق والعراقيين، حيث أكد: “أنا اخترت سياسة الصمت، وهذا ما تعلمته من التاريخ، لكن البعض يريد الدخول في الصدام، الذي لن يخدم أبناء العراق، ولن أفرط بدماء العراقيين، والحوار هو الحل”.