1

تشجير العراق… مبادرات فردية أخلاقية ووطنية

بيئة بغدادكرم سعدي 21 يونيو 2022

تتكثف مبادرات زرع الأشجار في العراق (إسماعيل عدنان/ Getty)

يبدي العراقيون اهتماماً ملحوظاً منذ نحو شهرين في عمليات تشجير داخل أحيائهم السكنية، من خلال تنفيذ مبادرات فردية وجماعية يعتبرونها ضرورية لمواجهة التغيرات البيئية التي تلحق أضراراً كبيرة بهم. وهم يعتقدون بأنّ مبادراتهم قد تشجع الجهات الحكومية على إطلاق عمليات تشجير مليونية تساهم بالدرجة الأولى في درء مخاطر العواصف الترابية وارتفاع درجات الحرارة.
ويعدّ التصحر أحد أبرز أسباب ارتفاع درجات الحرارة وهبوب العواصف الترابية التي تواصل ضرب العراق منذ نحو عقدين من الزمن. وتشير بيانات حكومية إلى أن مساحة الأراضي المهددة بالتصحّر تبلغ 23 مليوناً و432 ألفاً و829 هكتاراً، ما يشكل نسبة 53.49 في المائة من إجمالي مساحة العراق التي تحتاج إلى زراعة 11 ملياراً و700 مليون شجرة لمعالجة المشكلة.
وتبلغ المساحة الكلية للأراضي المصنّفة حالياً في حالة تصحّر 6 ملايين و694 ألفاً و641 هكتاراً، أي نسبة 15 في المائة من المساحة الكلية للعراق. وتحتاج بحسب الدراسات وتقديرات مسؤولي وزارة البيئة إلى زرع 300 مليون شجرة على الأقل في المرحلة الأولى، علماً أن تحدي توفير المياه يشكل عائقاً كبيراً في تنفيذ مشاريع إعادة إحياء هذه الأراضي. وتؤكد السلطات أنّها تهتم بتوفير غطاء نباتي، وأطلقت الحكومة العراقية في 17 مارس/ آذار 2022 مبادرة لزرع مليون شجرة مثمرة من التمور والحمضيات والفواكه المتنوّعة في بغداد وباقي المدن.بيئة

عراقي يسعى لزراعة مليون شجرة بلوط لمواجهة التصحر

ويقول المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد النايف، في تصريح صحافي، إنّ “وزارة الزراعة تدعم إنشاء أحزمة خضراء لبغداد والمحافظات من خلال توفير شتول أشجار معمّرة مجاناً. وأطلقت الأمانة العامة لمجلس الوزراء بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني حملة لتشجير مساحات خضراء”. ويوضح أنّ نسبة العمل في التشجير تقتصر حالياً على الجامعات والشوارع الرئيسية.
لكنّ الناشط البيئي وليد الجميلي، وهو مهندس زراعي، يتحدث لـ”العربي الجديد” عن أن “ناشطين ومواطنين وخبراء بيئيين ناشدوا مرات عدة الجهات الرسمية لممارسة دورها في إنقاذ البيئة، لكن لا حياة لمن تنادي”، مؤكداً أنّ مناصري البيئة خاصة المهتمين بالزراعة من مهندسين وزراعيين يلعبون دوراً فاعلاً في إنقاذ المساحات الخضراء
يضيف: “أرسلنا تقارير عدة إلى الجهات البلدية والوزارات للمطالبة بالاهتمام بالتشجير وتخصيص مبالغ وحملات لها، لكنّ الوعود تأتينا دائماً من دون تنفيذ، وحين يحصل ذلك تكون العمليات ضعيفة وبائسة وغير مستدامة، في حين تحتاج الحملات الزراعية إلى اهتمام بالغرس ومتابعة النمو، وتسبقها خطة محددة بسنوات من أجل تشجير مساحة معينة، وتلحظ أيضاً تخصيص فرق عمل للحفاظ على المزروعات فيها، وتأمين متطلبات نموها في شكل مناسب”.

خبراء ومتطوعون
ويوضح الجميلي أنّه أخذ على عاتقه مع مجموعة من المهندسين وأصحاب المزارع والمشاتل، وتشجيع السكان داخل الأحياء السكنية على زرع الأشجار في حدائق المنازل والأرصفة والمساحات وسط الطرق، ووضع النباتات الموسمية أمام المحلات التجارية، وفي محيط المنازل والشرفات، ومواقع عدة. ويؤكد أن “هناك استجابة كبيرة وواعدة من مواطنين، رغم أنّ هذه الحملات تكلفهم شراء أشجار أو بذور”.
ويقدم متخصصون زراعيون خبراتهم مجاناً لمن ينشطون في حملات التشجير، ويدعم كثيرون من أصحاب المشاتل الزراعية هذه الحملات عبر بيع شتول بأسعار مخفضة.
يقول مهدي الحسن الذي يدير مشتلاً زراعياً في العاصمة بغداد، لـ”العربي الجديد”: “خرجت بأمر من مالك المشتل إلى مواقع شهدت زرع متطوعين شتول، وقدمت لهم نصائح في شأن كيفية الزرع والأماكن الأنسب للزراعة وكيفية الاهتمام بها. وقد خفضنا أسعار الشتول إلى النصف، وبعض الأصناف أقل من النصف”.

مساحة جديدة مزروعة بأشجار (إسماعيل عدنان/ Getty)
مساحة جديدة مزروعة بأشجار (إسماعيل عدنان/ Getty)

وتفيد تقارير محلية وآراء خبراء بيئيين بأن نقص المساحات المزروعة في العراق ينتج من الجفاف المرتبط بتقلص نسبة الأمطار الموسمية، وقلة نسبة الثلوج التي تسقط على المناطق الشمالية من البلاد وتساهم في زيادة مخزون الماء، إضافة إلى تقليص تركيا كميات مياه نهري دجلة والفرات، وقطع إيران المياه التي تدخل إلى العراق. وتتحدث التقارير أيضاً عن تأثر هذا الأمر بالاعتداء على الغطاء النباتي الذي حصل خلال الحملات العسكرية التي شهدت جرف القوات الأمنية آلاف الهكتارات من البساتين والأراضي الزراعية في مناطق عدة، بينها في محيط العاصمة بغداد، من أجل ملاحقة المسلحين، ما حوّلها إلى أراضٍ قاحلة.
ورفعت هذه التدخلات المؤذية للبيئة درجات الحرارة وزادت نسبة العواصف الترابية التي تسببت في وفيات وإصابات آلاف باختناق، بحسب ما تذكر الجهات الصحية الرسمية. كما عرّضت المواطنين لأضرار اقتصادية كبيرة، بحسب ما يقول سيف كامل الذي يملك ست باصات صغيرة للنقل العام تقدم خدمات على خطوط داخل العاصمة بغداد، لـ”العربي الجديد”، موضحاً أنّ “العواصف الترابية توقف العمل في كل مفاصل الحياة تقريباً، ومنها النقل العام. وخلال شهر واحد توقف عمل الباصات ثمانية أيام، علماً أن سائقين إثنين يعملان على كلّ باص أملكه، ما يعني أنّ 12 عائلة تضررت، إلى جانب الخسائر التي لحقت بي شخصياً”.

العراق الجميل يخسر مساحات خضراء (Getty)
العراق الجميل يخسر مساحات خضراء (Getty)

وتعتبر هذه الأضرار الاقتصادية من أبرز الأسباب التي دعت العراقيين إلى بذل جهود شخصية لمحاولة إيجاد حلّ. وتذكر زهراء فاضل، وهي معلمة في مدرسة ابتدائية، لـ”العربي الجديد”: “يملك زوجي مقهى تقلصت نسبة وارداته الشهرية أكثر من 50 في المائة جراء العواصف الترابية، ما أضطره إلى إغلاق المقهى، كما تعرّض أصحاب مشاريع ومصالح من عائلتي وأقاربي لأضرار، ما دعاني مع الكادر التعليمي في المدرسة إلى إطلاق حملة لتوعية التلاميذ بأهمية الزراعة، وتشجيع ذويهم لغرس النباتات ضمن مبادرات تطوعية”. تضيف: “أقمنا برامج تعليمية للزراعة شارك فيها جميع التلاميذ، وزرعت شتول داخل المدارس، ووزعنا على التلاميذ مطبوعات نقلوها إلى ذويهم لحثهم على زرع الحدائق المنزلية والمساحات الفارغة القريبة من منازلهم بقدر الإمكان. وأعتقد أنّ الحملة حققت النجاح المطلوب”.

قبل أكثر من عشرة أعوام
وحتى سنوات قريبة كانت المساحات المزروعة في محيط المدن وداخلها كبيرة جداً، لكن الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرّ بها السكان أجبرتهم على تقليص مساحات منازلهم وبناء الحدائق وجعلها بيوتاً بمساحات صغيرة، إذ توفر ربحاً جيداً ببيعها او تأجيرها. وبين الاتهامات التي يوجهها المواطنون لحكومتهم إهمال واقعهم الاقتصادي، وعدم توفير مدن جديدة تتناسب مع احتياجات تزايد عدد السكان.بيئة

التصحر يقضم 100 ألف دونم من أراضي العراق سنوياً

وتقول نشوى القرغولي لـ”العربي الجديد”: “كانت مساحة منزلي واسعة، وتضم حديقة أمامية بمساحة 175 متراً، وأخرى خلفية صغيرة الحجم، ونزرع فيهما باستمرار أنواعاً من الأشجار والنباتات والأزهار، وهو ما كان يفعله أيضاً جميع جيراننا الذين كانوا يملكون مساحات واسعة من الحدائق المنزلية، ما يساهم في تخفيف شدة الحرّ في الصيف، ويرطّب الأجواء ويحمي البيئة ويصدّ الرياح والأتربة”. تضيف: “كان ذلك يحصل قبل أكثر من عشرة أعوام. وقد حوّلنا جميعنا حدائقنا إلى منازل بسبب حاجتنا إلى المال نتيجة تراجع مواردنا، وغياب خطط حكومية تساهم في توفير مساكن جديدة داخل أحياء تتوفر فيها الخدمات. وهو ما جلب نتائج سلبية تمثلت في العواصف الترابية وارتفاع درجات الحرارة، بعدما كانت المساحات المزروعة ترطب الأجواء”.
تضيف القرغولي (62 عاماً) أنّ “هذه الحوادث السلبية دفعتني إلى تشجيع أولادي على زرع بعض الأشجار على الرصيف، وهو ما فعله جيراني أيضاً. كما قررنا استغلال أسطح منازلنا في نشر أشجار بغرض تزيينها. ورأيت شباناً يزرعون الأشجار في مساحات فارغة على جوانب الطرق الرئيسية. هذه مساهمات إنسانية وأفعال أخلاقية ووطنية عظيمة، وأتمنى أن تدفع هذه المبادرات الجهات الحكومية لتبني حملات تشجير كبيرة”.

التعليقات معطلة.