انسحاب الصدريين من البرلمان العراقي: تبعات على الحلفاء
تقارير عربية بغداد زيد سالم بغداد محمد علي
25 يونيو 2022
يطرح انسحاب “التيار الصدري” من البرلمان والعملية السياسية في العراق تساؤلات حول مصير قضايا وملفات كانت ضمن تفاهمات تحالف “السيادة”، الممثل السياسي للعرب السنّة والشريك الرئيسي لـ”التيار الصدري” في مشروع حكومة “الأغلبية الوطنية”، التي كانت شرط الزعيم الديني العراقي مقتدى الصدر، بعد فوزه في الانتخابات النيابية.
ملفات المختطفين والمغيبين، والعفو العام، وإعادة إعمار المدن المدمرة، وسحب المليشيات من الأحياء والمناطق السكنية، وإعادة النازحين إلى مدنهم من دون شروط، إلى جانب قضايا أخرى، كانت ضمن تفاهمات تحالف “السيادة”، الذي يضم حركة “تقدم” برئاسة محمد الحلبوسي، و”عزم” برئاسة خميس الخنجر، مع الصدر. لكن انسحاب “التيار الصدري” جعل الكفة تذهب لصالح تحالف “الإطار التنسيقي”، المظلة الجامعة للقوى الحليفة لإيران، والذي أعلن رسمياً بدء حراكه لتشكيل الحكومة الجديدة.
ملفات المختطفين والمغيبين والعفو العام وإعادة إعمار المدن المدمرة، تصدرت تفاهمات الصدريين وتحالف السيادة
ويمتلك “الإطار التنسيقي” ومن معه من حلفاء، من “الاتحاد الوطني الكردستاني” وتحالف “عزم” وتحالف “تصميم” وكتلة “بابليون” ونواب مستقلين، ما يقارب 140 نائباً (من أصل 329)، ما يعني عدم قدرة الإطار على تشكيل الحكومة الجديدة من دون تحالفه مع تحالف “السيادة” والحزب الديمقراطي الكردستاني، لغرض عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بنصاب ثلثي أعضاء البرلمان، أي 220 نائباً، وفق قرار المحكمة الاتحادية الأخير.
برنامج “تحالف السيادة” في العراق
وتركز برنامج التكتلين السياسيين الرئيسين عن العرب السنّة في العراق، “تقدم” و”عزم”، في مناطق بغداد والأنبار وديالى وصلاح الدين ونينوى وكركوك وشمال بابل والبصرة ومدن أخرى، خلال الانتخابات الأخيرة، بشكل رئيسي على تلك الملفات ووعود العمل على حلّها. وجاء ذلك قبل أن يتحالف الطرفان في تكتل واحد أطلق عليه اسم “تحالف السيادة”، برئاسة خميس الخنجر، ويشغل رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي دوراً قيادياً فيه إلى جانب الخنجر.
انسحاب الصدريين يُصعّب المهمة
وقال نائب مستقيل من البرلمان عن “التيار الصدري” إن انسحاب الصدريين من البرلمان جعل من إنهاء معاناة العراقيين في مناطق شمالي وغربي العراق ذات الغالبية العربية السنّية، “ورفع الحيف عنهم، مهمة صعبة للغاية على القوى السياسية العربية السنّية”.
وأكد النائب المستقيل الذي طلب عدم ذكر اسمه، لـ”العربي الجديد”، أن “التفاهمات بين الطرفين كانت تشمل حكومة تنهي ملف المدن منزوعة السكان التي تسيطر عليها المليشيات وإعادة أهلها إليها، وتعويض المتضررين من المعارك وطيّ صفحة النزوح الداخلي، وإعادة اعمار المدن، ووقف انتشار المليشيات والفصائل المسلحة خارج خطة قيادة العمليات المشتركة داخل المدن والأحياء السكنية”.
كما شملت التفاهمات، بحسب المصدر، “تعديل قانون العفو العام ليشمل منح السجناء، الذين يثبت انتزاع اعترافات منهم تحت التعذيب أو بسبب المخبر السري، الحق في طلب إعادة محاكمتهم”.أخبار
بدلاء التيار الصدري في البرلمان العراقي يؤدون اليمين الدستورية
وأضاف النائب المستقيل: “مثل هذه الحقوق لا يؤمن بها الإطار التنسيقي، وقد يعد بتنفيذها لكنه لن يفعل، على غرار ما فعل خلال عام 2018 إبان تحالف (البناء) الذي وعد بتحقيق تلك المطالب للقوى السنّية، لكن لم يتحقق شيء منها، لا من حكومة عادل عبد المهدي ولا من حكومة مصطفى الكاظمي الحالية”. واعتبر أن “رئيس وزراء مثل جعفر الصدر (الذي كان مرشح الصدر لتشكيل الحكومة) كان قادراً على نقل العملية السياسية إلى مرحلة جديدة”.
وتابع النائب المستقيل عن محافظة النجف أن “انسحابنا سيؤثر على فتح هذه الملفات بالنسبة لأهالي المدن المحررة”، مضيفاً أن “السيد الصدر (مقتدى) كان قد أكد لكل من خميس الخنجر ومحمد الحلبوسي، في اجتماع سابق، أنه يدعم الحراك السياسي لتصحيح الأوضاع في مناطق شمالي وغربي العراق”، معتبراً أن “التأثير السلبي قد يصل إلى منصب رئيس البرلمان نفسه، إذ نسمع تهديدات مبطنة بأنهم قد يسحبون الثقة من الحلبوسي ويدعمون استبداله”.
من جهته، قال عضو تحالف “السيادة” رعد الدهلكي، لـ”العربي الجديد”، إن “الأزمة السياسية أو تأخر تشكيل الحكومة، أو الانسحابات من البرلمان، لا تعني تنازلنا عن الأهداف الاستراتيجية للتحالف (السيادة)، وهذا ما عاهدنا به جمهورنا خلال فترة الانتخابات، ولن ندخر أي جهود لتحقيق هذه الأهداف”.
وأضاف الدهلكي أن “الاضطرابات الأمنية وتغول الجماعات المسلحة، خلال فترة الحرب على تنظيم داعش، أدت إلى تغييب آلاف العراقيين من المناطق العربية السنّية، وهو ملف لا يقل أهمية عن ملف النازحين، ونريد أن نعرف ماذا حل بهم، وأين هم الآن؟”، مؤكداً أن “المطالب ستبقى ثابتة للتحالف في أي حراك تفاوضي لنا مع الأحزاب والقوى السياسية الأخرى”.
أما عضو حزب “تقدم” علي العيساوي فقال، لـ”العربي الجديد”، إن “انسحاب الصدريين أثّر على العملية السياسية ككل، وليس فقط على تحالف السيادة”. وشدّد على أن تفاهمات التحالف مع الصدريين “مستمرة وغير مرحلية، ورؤيتنا في المفاوضات مستقبلاً مع أي طرف سياسي تنطلق من مطالب الجمهور في مناطقنا، بدءاً من وقف الانتهاكات وملفات المغيبين والمناطق التي تستولي عليها الجماعات المسلحة، إضافة إلى النازحين، وانتهاء بإعادة إعمار المناطق، خصوصاً المنازل والبنى التحتية”.
تبعات على أهالي شمالي وغربي العراق
وينظّم أهالي مدن مختلفة في العراق بين وقت وآخر وقفات للمطالبة بالكشف عن مصير أبنائهم المغيبين، ووقفات أخرى تطالب الحكومة بالإيفاء بوعود إعمار منازلهم المدمرة، حيث يقدر عدد الدُور التي هدمت بشكل كامل في مناطق شمالي وغربي العراق أكثر من 250 ألف منزل ووحدة سكنية (شقة). وتحتل الموصل والرمادي صدارة المدن من ناحية التدمير الواسع فيها.
وعدت حكومتا عادل عبد المهدي والكاظمي بتحقيق مطالب القوى العربية السنيّة، لكنها لم تفعل
وقال الخبير في الشأن السياسي العراقي أحمد النعيمي، لـ”العربي الجديد”، إن “سكان المناطق المنكوبة أكثر المدن تأثراً بالأزمة السياسية الحالية، إذ دفعوا ذلك بتأخر موازنة العام الحالي، وفراغ صندوق إعادة الاعمار من أموال المشاريع المخصصة لهم، ثم تأثروا بالتصعيد من قبل الفصائل المسلحة التي دخلت على خط الأزمة أخيراً، ونفذت سلسلة من عمليات الانتشار المسلح كرسائل لخصوم الإطار التنسيقي، والآن مهددة بضياع آمال تحقيق مطالبها”.
وبيّن النعيمي أن “حالة القلق تسود تلك المناطق، فتشكيل قوى الإطار التنسيقي حكومة جديدة يعني أن سياسة نوري المالكي قد تعود مجدداً في مناطقهم بشكل أو آخر، مع ترسيخ للمحاصصة وهيمنة أكبر للمليشيات في مناطقهم”، معتبراً أن “التحالف مع الصدريين كان خياراً صائباً للقوى السياسية السنّية”.
من جهته، اعتبر الناشط السياسي في محافظة صلاح الدين، شمالي العراق، كتاب الميزان، أن انسحاب نواب التيار الصدري “يمكن اعتباره تخلياً عن حلفائه الذين راهنوا عليه، لأن تحالف (السيادة) كان يستند بقوة مواقفه إلى تحالفه مع الصدر”.
وأضاف الميزان أن “تحالف الإطار التنسيقي بات الكتلة الأكبر بعد انسحاب الصدر، وهو ما سيُجبر القوى السنّية على التعاطي مع واقع جديد وقد يكون من دون شرط”. وأشار الناشط السياسي، في اتصالٍ هاتفي مع “العربي الجديد”، إلى “صعوبة التعاطي حول حقوق أبناء تلك المناطق مع قوى الإطار التنسيقي المتورط جزء منها في معاناتهم أساساً”.