1

لا مجاذيف بلا قوارب … العرب وأميركا و”ناتو الشرق الأوسط”!

29-06-2022 | 06:15 المصدر: النهار العربي

محمد حسين أبو الحسن

محمد حسين أبو الحسن

الرئيس الأميركي يزور الشرق الأوسط

الرئيس الأميركي يزور الشرق الأوسط

A+A-بينما يتأهب الرئيس الأميركي جو بايدن لزيارة الشرق الأوسط وعقد قمة مع تسعة من زعمائها في السعودية، كشفت صحيفة “الوول ستريت جورنال” عن أن الولايات المتحدة عقدت اجتماعاً سرياً لكبار المسؤولين العسكريين من إسرائيل ودول عربية في آذار (مارس) الماضي بمدينة شرم الشيخ، في حين أعلن ملك الأردن عبدالله الثاني دعمه تشكيل “تحالف عسكري” في الشرق الأوسط، كحلف “الناتو”، وقال العاهل الأردني إن “دور هذا التحالف يجب أن يكون محدداً جداً، ومهمته واضحة جداً جداً، وإلا فإنّه يربك الجميع”… يبدو الشرق الأوسط على عتبة تطورات زلزالية وتحولات مفصلية، في بيئة إقليمية وعالمية شديدة الاضطراب، فماذا وراء الأكمة؟ الطاقة وإسرائيليمثل الحفاظ على أمن الطاقة وتدفق النفط والغاز وضمان أمن إسرائيل عنصرين حاكمين لعلاقة الولايات المتحدة بالشرق الأوسط، علاقة تفاوتت درجة شدتها بين واشنطن وعواصم المنطقة -منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن- بعضها اتسم بالعداء المتبادل مثل “مصر الناصرية” وإيران، وبعضها وصل إلى التحالف الإستراتيجي مثل دول الخليج، وفي ظل الإدارة الأميركية الراهنة وصلت العلاقات العربية – الأميركية إلى مستوى غير مسبوق من الجفاء والهشاشة، إلى أن اندلعت الحرب الروسية في أوكرانيا، فتغير المشهد رأساً على عقب!. “رضخ بايدن” أخيراً؛ بالمجئ إلى السعودية ولقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، منتصف تموز (يوليو) المقبل، واعتزامه عقد قمة مع زعماء دول مجلس التعاون الخليجي الست ومصر والعراق والأردن. وحتى لا ينجرف العرب إلى وضع خطير؛ ينبغي الوصول إلى قراءة دقيقة لدوافع التحول الأميركي؛ فلا مجاذيف بلا قوارب؛ الخطوة الأولى في هذا الشأن إدراك مرامي واشنطن تجاه العالم العربي بشكل أكثر احترافية. إن مكانة أميركا كقوة عظمى ينبغي ألا تحدّد وحدها نهج التعامل معها، فالعالم العربي له مصالح يجب رعايتها، ويملك أوراق ضغط تكفل المناورة والإقناع، متى توافرت الإرادة. هذا معناه أن زيارة بايدن المرتقبة إلى السعودية هي حاجة حيوية أميركية في المقام الأول، ودليل إلى دور السعودية خصوصاً ودول خليجية ومن ورائها مصر والعراق والأردن كشريك لا يمكن تخطيه. تعمل الولايات المتحدة على تشكيل تحالف إقليمي “ناتو الشرق الأوسط”، بحيث تتوافق اتجاهات دوله، مع الخطوط الأميركية العريضة في المنطقة والعالم، وتتمثل في دفع دول الخليج إلى ضخ إمدادات كافية من النفط والغاز إلى الأسواق العالمية، لتعويض غياب النفط الروسي، نتيجة العقوبات الغربية على موسكو، في محاولة لعزلها وكسرها وتقليص دورها عالمياً. كما يستعد بايدن لاحتمالات فشل مفاوضات فيينا حول النووي الإيراني، بعد وصولها إلى طريق مسدود، ومن ثمّ يسعى إلى انخراط هذه الدول العربية التسع وإسرائيل وربما تركيا في تحالف لمواجهة إيران، أو منازلتها فعلياً، كما تطمح إسرائيل. ترحب تلك الدول باعتزام بايدن إحياء العلاقات الأميركية – الخليجية، بعدما يئست من سياسته تجاه إيران. ويراهن الرئيس الأميركي على رحلته المقبلة إلى الشرق الأوسط، لتوسيع التطبيع بين إسرائيل ودول عربية وخليجية. اعتبر مساعد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، دنيس روس، أن المخاوف الأمنية من جانب الخليج وإسرائيل تجاه طهران تبلور تصوراً متقارباً بين الطرفين إزاء التهديد الإيراني، ويعزز التعاون الأمني بينهما. دفاع مشتركوقالت صحيفة “الوول ستريت” في تقرير لها إن واشنطن رعت اجتماعاً تنسيقياً، في شرم الشيخ، للمرة الأولى بين ضباط كبار من إسرائيل والسعودية والإمارات وقطر والبحرين ومصر والأردن، لاستكشاف كيف يمكنهم التنسيق ضد قدرات إيران الصاروخية والطائرات من دون طيار، وأوضحت أن مثل هذا التعاون العسكري لم يكن متخيلاً لعقود، لكنه بات ممكناً، بسبب تشجيع واشنطن والتطبيع مع إسرائيل والمخاوف من إيران، وأضافت أن طهران ليست الخطر الوحيد، فالجماعات السنّية المتشددة تطور طائرات من دون طيار لتنفيذ هجمات. وأشارت الصحيفة إلى عامل آخر يدفع إلى توسيع التعاون العسكري، هو “رغبة الدول العربية في الوصول إلى تكنولوجيا الدفاع الإسرائيلية والأسلحة في وقت تحول فيه الولايات المتحدة أولوياتها العسكرية نحو مواجهة الصين وروسيا”، لافتة إلى أنه “مع ذلك، فإن المناقشات بين دول الشرق الأوسط حول التعاون في مجال الدفاع الجوي، لا يزال أمامها طريق طويل لتقطعه”. تأمل الولايات المتحدة في بناء درع جوي متكامل في المنطقة، يربط بين الرادارات والأقمار الاصطناعية وأجهزة الاستشعار الأخرى بين دولها، وقالت متحدثة باسم مجلس الأمن القومي، إن البيت الأبيض يؤيد “تعميق العلاقات العربية – الإسرائيلية”، ولم تذكر تفاصيل أخرى، بينما لم يصدر عن العواصم العربية أي بيانات عن المباحثات العسكرية العربية – الإسرائيلية – الأميركية، والنتائج التي أفرزتها، لكن كرة الثلج بدأت في التدحرج. على المقلب الآخر، تستقوي إيران بتوسيع تحالف الخاضعين للعقوبات الغربية، مثل الصين وروسيا وفنزويلا. صحيح أن الدول الخليجية تعمل على احتواء إيران، وفقاً لسياسة العصا والجزرة، ولا تمانع استمرار “حروب الظل” بين إسرائيل وإيران، وتؤيد التصعيد الأميركي تجاه طهران، بإحالة الملف لمجلس الأمن، وإن كان احتمالاً ضعيفاً في ظل تداعيات الأزمة الأوكرانية. النقطة الأهمالنقطة الأهم هنا، أنه إذا كان بايدن يضع مصلحة إسرائيل في صلب مشاريعه، فيجب على العرب التحرر من الخوف … الخوف رسول الخطر والانكسار. كان بايدن أحد كبار المسؤولين في إدارة أوباما، وهي الإدارة التي أشاعت الفوضى غير الخلاقة والعنف والإرهاب في الشرق الأوسط، منذ 2011 تحت مسمى “الربيع العربي”، من ساعتها لم تعرف المنطقة طعم الاستقرار. يحاول الرئيس الأميركي تحقيق إنجاز بالخارج يحسب له في الداخل، بدءاً بأوكرانيا وتأليب العالم ضد روسيا، وصولاً إلى هبوط طائرته في السعودية ومد اليد إلى العرب، بعد تمنع طويل، كما شاهدنا تحول مشاغباته إلى الصين، ومحاولة استدراجها، لا سيما أن هنري كيسنجر حذر من التقارب بين روسيا والصين، على خلفية الحرب في أوكرانيا، مطالباً كييف بتقديم تنازلات لموسكو؛ حتى لا تصبح خنجراً متقدماً لبكين في قلب أوروبا والغرب عموماً. حدد كيسنجر الشرق الأوسط وآسيا ساحة لـ”أحداث كبرى” على حد وصفه، من دون أن يحدد كنه هذه الأحداث، لكن الواضح أن نذر عواصف تهب على المنطقتين، إذ تقود الولايات المتحدة سلسلة مبادرات لتعزيز الردع الإقليمي لحلفائها في الشرق الأوسط، حتى تكون لها السيطرة في المنطقة؛ وحتى لو ارتحلت منها إلى آسيا لمواجهة أخطر خصومها “التنين الصيني”. ظهر ذلك في إعلان وزير الخارجية الأميركي السابق في تموز (يوليو) 2020 عن خطة لإنشاء نظام دفاعي بآسيا على غرار “الناتو”، أيضاً، لمنع تمدد الصين في إشارة إلى التحالف الرباعي المناهض للصين بآسيا (كواد) ويضم الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا، كذلك “أوكوس”، وهو شراكة أمنية – دفاعية بين أميركا وبريطانيا وأستراليا، و”العيون الخمس” التجسسية التي تضم خمس دول: الولايات المتحدة، بريطانيا، كندا، أستراليا، نيوزيلندا. يستند المشروع الأميركي في شرق آسيا إلى تحالفات متعددة؛ لملء الفراغ الذي يسببه غياب حلف واضح المعالم كحلف “الناتو”، فتجربة “الناتو” في أوروبا، لا يمكن إسقاطها على شرق آسيا، والعلاقات الاقتصادية المتداخلة مع الصين، وضعف الإمكانات العسكرية لحلفاء الولايات المتحدة، تجعل عملية بناء حلف بالغ الصعوبة. وفي المقابل تسعى الصين لتوسيع نفوذها والالتفاف على هذا الحصار بإقامة شبكة إقليمية ودولية من الشراكات الاقتصادية والاستثمارات، فاتجهت إلى توقيع اتفاق للشراكة الاستراتيجية الشاملة مع إيران في آذار (مارس) 2021، ما قد يمهد لظهور محور الصين وإيران وروسيا المناهض للغرب. تعمل أميركا على تطويق روسيا والصين عبر سلسلة من الأحلاف، في أوروبا وآسيا، هذا قد يجعل موسكو وبكين تنظران بريبة وعدم ارتياح إلى “ناتو الشرق الأوسط”، ما يترك المنطقة ساحة للاستقطاب والتجاذبات بين القوى الكبرى، وهنا المحنة … لو امتلك العرب براعة الحركة بين الخطوط الحمراء الاستراتيجية، لحجز مقعد متقدم في تراتبية النظام الدولي.وذاك حديث آخر.

التعليقات معطلة.