1

إيكونوميست: شينزو آبي بطل اليابان

جورج عيس

ىأكدت مجلة “إيكونوميست” أن شينزو آبي ضمن مكانته في كتب تاريخ اليابان. كرئيس للوزراء منذ 2012 وحتى 2020، خدم آبي لفترة أطول من أي ولاية قضاها زعيم ياباني في هذا المنصب خلال حقبة ما بعد الحرب.

بقي آبي وجهاً قوياً في السياسة اليابانية بعد مغادرته رئاسة الحكومة. من منصبه كنائب، قاد أكبر جناح في الحزب الديموقراطي الليبيراليوبعدما أرداه قاتل خلال خوضه حملة انتخابية في الثامن من يوليو (تموز)، أصبح آبي (67) أول رئيس حكومة ياباني يقتل في هذه الحقبة. إطلاق النار هو خاتمة مأسوية لواحد من أكثر السياسيين تأثيراً في اليابان المعاصرة.

من صناعة الأفلام إلى القدر السياسي
في طفولته، حلم آبي بأن يصبح صانع أفلام. لكن مساره إلى عالم السياسة كان محدداً سلفاً. كالعديد من أقرانه، يتحدر آبي من عائلة رجال دولة: لقد كان نجل وزير الخارجية السابق شينتارو آبي وحفيد نوبوسوكه كيشي، وهو مشتبه بارتكاب جرائم حرب خدم لاحقاً كرئيس للوزراء بين 1957 و 1960. رأى آبي أن مهمته السياسية استكمال عملهما غير المنجز: استعادة مكانة اليابان في سياسات القوة العالمية وتفكيك بعض السياسات السلمية التي تبنتها بلاده تحت ضغط المحتلين الأمريكيين. بالنسبة إلى المنتقدين، مثل آبي سلالة خطيرة من التنقيحية القومية. بالنسبة إلى المناصرين، كان رؤيوياً واقعياً تحتاج إليه اليابان في عالم معاصر أكثر اضطراباً.

عودة في أعقاب كارثة
انتهت الفترة الأولى التي قضاها آبي في رئاسة الوزراء (2006-2007) وسط فضائح مالية وصحة متدهورة. عاد إلى المنصب سنة 2012، عندما كانت الدولة تعاني من أزمة مالية عالمية وكارثة ثلاثية (زلزال وتسونامي وانهيار نووي) في فوكوشيما. أعلن آبي حينها أن “اليابان ليست، ولن تكون أبداً، دولة من الدرجة الثانية”. في المرة الثانية، أتى آبي متسلحاً بأجندة اقتصادية، آبينوميكس، لترافق رؤيته الجيوسياسية. ساعدت أسهمه الثلاثة – سياسة نقدية فضفاضة وسياسة مالية توسعية وإصلاح هيكلي – في سحب اليابان من حالة الركود الانكماشي، بالرغم من أن الاقتصاد لم يصل قط إلى أهداف النمو التي وضعتها الحكومة.

بصمة في الجيوبوليتيك
أضافت المجلة أن آبي لوى الإطار القانوني كي يسمح لقوات الدفاع الذاتي، أي الاسم الذي يعرف به الجيش الياباني، بلعب دور أكثر نشاطاً على الصعيد العالمي، لكنه فشل في تحقيق هدفه بمراجعة دستور اليابان لما بعد الحرب والذي يمنع الدولة من امتلاك “قدرة الحرب”. ترك آبي بصمة في الجيوبوليتيك كما يشهد على ذلك تدفق الثناء على مسيرته من زعماء العالم.

يتحدث الديبلوماسيون حول العالم عن آسيا بعبارة منطقة “الإندو-باسيفيك الحرة والمفتوحة” وهي عبارة صاغها آبي. كان “الكواد” الذي ضم أمريكا واليابان والهند وأوستراليا من أفكاره الأخرى. لقد نجت “الشراكة العابرة للهادئ” وهي اتفاقية تجارية آسيوية كبيرة بفضل قيادة آبي. ووصف معهد لوي الأوسترالي اليابان بأنها “زعيمة النظام الليبيرالي” في آسيا تحت ناظريه.

ماذا عن الداخل؟
ظل آبي شخصية مثيرة للاستقطاب في الداخل، حتى مع فوزه باستحقاق انتخابي تلو الآخر. أطلقت تغييراته في القوانين الأمنية اليابانية تظاهرات كبيرة. صعب إنكاره التاريخي إصلاح علاقة اليابان مع كوريا الجنوبية وهي مستعمرة سابقة. وتودده المستمر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في جهد حل نزاع قديم حول أراض متنازع عليها لم يصل إلى أي مكان. شوهت فضائح الفساد سمعة إدارته. وتراجع ترتيب اليابان في مؤشرات حرية الصحافة خلال فترة آبي. وبالرغم من أن تأييد حكومته كان يتأرجح سلباً حين استقال في سبتمبر (أيلول) 2020، أظهر استطلاع لاحق أن 74% من اليابانيين وافقوا على حكمه.

نفوذ ضخم
بقي آبي وجهاً قوياً في السياسة اليابانية بعد مغادرته رئاسة الحكومة. من منصبه كنائب، قاد أكبر جناح في الحزب الديموقراطي الليبيرالي؛ استخدم منبره المتجرئ لمواصلة الدفع باتجاه وضع عسكري أكثر قوة. وطبق نفوذه على مسار الحملة الانتخابية داعماً المرشحين إلى انتخابات الغرفة العليا من البرلمان في العاشر من يوليو. لقد نظر المراقبون إلى تلك الانتخابات جزئياً من زاوية اختبار قدرة رئيس الوزراء الحالي كيشيدا فوميو على الابتعاد عن تأثير آبي داخل الحزب. بدلاً من ذلك، سيتم تقييم كيشيدا بناء على إدارته لتداعيات مقتل آبي. بعد الاغتيال، تعهد كيشيدا المصدوم بالمضي قدماً و”حماية ديموقراطيتنا” و”عدم الاستسلام للعنف”.

مفارقة
أعادت وفاة آبي تعزيز واحدة من رسائله السياسية: العالم مكان خطير وعلى اليابان تخطي مرحلة السلمية لما بعد الحرب. لقد كان العالم أبعد من حدود اليابان حسب آبي. في مقابلة سابقة مع إيكونوميست، قال آبي: “على الشعب الياباني مواجهة واقع، أنه إذا كانت دولة مصممة بما يكفي، يمكن لغزو، لفعل عدواني، أن يحصل فعلاً”. لكن بالنسبة إلى آبي، برهنت اليابان أنها خطيرة أيضاً، ختمت المجلة.

التعليقات معطلة.