العراق: ربات بيوت يتجهن إلى البيع الإلكتروني
المرأة بغداد
زيد سالم
تستغل مئات العراقيات أوقات الفراغ للترويج لمنتجاتهن المنزلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتجري عمليات البيع من خلال التعاقد مع سيارات أجرة، ما يحقق لهن أرباحاً في ظل بطالة متفشية.
لا يحتاج فتح صفحة بيع إلكتروني على موقع “فيسبوك” سوى توفر خدمة الإنترنت، بحسب تبارك أمجد (29 سنة)، والتي تقول لـ”العربي الجديد”: “تخرجتُ قبل خمسة أعوام من كلية التربية بالجامعة المستنصرية في العاصمة بغداد، لكن لم أحظ بالتعيين في وظيفة حكومية، كما أن معظم محاولاتي للعمل في القطاع الخاص فشلت حتى الآن بسبب الشروط الصعبة أحياناً، وأخرى بسبب التمييز، أو التحرش والمضايقات، وأملك حالياً عدة صفحات لبيع مستلزمات التجميل على مواقع التواصل، وقد تحولت هذه الصفحات إلى مصدر رزق لي”.
وأضافت الشابة العراقية أن “الكثير من زميلاتي توجهن إلى هذا المجال، وجميعهن نجحن في البيع الإلكتروني، والذي لا يحتاج إلى رأس مال كبير، بل يتم عبر التعاقد مع بعض التجار، وآلية تسديد أسعار البضائع تكون بعد بيعها، وهذا يسهل عملية الربح للجميع، إضافة إلى أن هذه التجارة ساهمت في توفير مصدر رزق إضافي لسائقي سيارات الأجرة”.
من جهتها، تشير علا الحمداني (42 سنة)، وهي زوجة وأم لثلاثة أطفال، إلى أنها استغلت وقت الفراغ اليومي في الترويج للكتب التي تعرضها في صفحتها في موقع “فيسبوك”، ويجري توصيلها للراغبين من خلال سائقي الدراجات النارية داخل المدينة، وفي حال طلب الكتب من مدن أخرى، فإنها تتعامل مع عدد من سائقي سيارات الأجرة.
وتوضح الحمداني لـ”العربي الجديد”، أن “ظاهرة التسوق الإلكتروني في انتشار مستمر، وأدت إلى تغيير شكل النشاط التجاري في كثير من الدول، كما أنها أدت إلى توفير مصدر دخل جيد لكثير من الأسر العراقية. هناك عوائل كثيرة لا تخرج إلى الأسواق بسبب الزحام، أو عدم وجود وقت للتبضع، وتتجه إلى شراء كل شيء تقريباً من المتاجر الإلكترونية، أو صفحات مواقع التواصل، وهذا ساهم في تقليل البطالة، كما نجح بعض باعة البضائع إلكترونياً في التحول إلى تجار، وبعضهم بات يملك شبكة من صفحات البيع، وهناك من قام بتأسيس شركات متخصصة في البيع الإلكتروني والتوصيل”.
وعادة ما تستخدم أسماء عراقية، أو بغدادية للصفحات، ومنها “رازونة” و”شناشيل” و”قندول” و”قنبر ماركت”، في حين تركز الصفحات التي تبيع الكتب والقرطاسية والهدايا واللوحات على أسماء تاريخية، مثل “بوابة عشتار” و”أوروك” و”إينانا” و”الإله تموز”، وغيرها من الأسماء التي تشير إلى ثقافة مالكي هذه الصفحات، وغالبيتهم من خريجي الجامعات.
توفر هناء عودة (33 سنة)، عبر صفحتها الشخصية، أنواعاً متفرقة من الورود والتجهيزات الخاصة بالحفلات، إضافة إلى ما تحتاجه العروس من إكسسوارات، وتحصل في مقابل البيع على أرباح تقول إنها “جيدة”، تضيف متحدثة لـ”العربي الجديد”، أن فكرة بيع باقات الورد جاءتها بعدما شاهدت صفحة تبيع الورد، فقامت باستنساخ التجربة، وحققت نجاحاً منذ اليوم الأول، ثم باشرت تطويرها عبر تأجير الإكسسوارات ولوازم الأعراس والمناسبات، ومنها الدفوف والطبول.
ولفتت عودة إلى أنها تملك حالياً فريقاً من النساء، معظمهن من خريجات الجامعات العراقية اللاتي لم يحصلن على فرص للتعيين في الدوائر الحكومية، وهن يواصلن البيع بإشرافها من خلال صفحة في “فيسبوك” وحساب في “إنستغرام”، ومن دون الحاجة إلى تأجير محل، معتبرة أن “هناك المئات من الصفحات العراقية التي تتم إدارتها من قبل نساء من منازلهن، وهي وظيفة جيدة بالنسبة للنساء المتزوجات أو اللاتي لديهن أطفال”.المرأة
العراقيات حاضرات بقوة في التظاهرات.. وبائعة المناديل تخطف الأضواء
وتبيَّن الخبيرة الاقتصادية العراقية سلام سميسم أن “الاستخدام التجاري لمواقع التواصل الاجتماعي أنتج نمواً اقتصادياً كبيراً لكثير من العوائل، بعدما أسفر عن تغير شكل التسوق في العالم كله، وقد لجأت الكثير من الشركات الكبرى إلى تلك الصفحات للترويج لمنتجاتها والبيع الإلكتروني”.
وأضافت سميسم، في اتصالٍ مع “العربي الجديد”، أن “النساء يشعرن بالتمييز في الوظائف، سواء في المؤسسات الحكومية أو القطاع الخاص، بسبب السلطة الذكورية، فضلاً عن تعرض كثيرات للمضايقات، وبالتالي فإن اللجوء إلى البيع الإلكتروني منفذ تجاري آمن، كما أنه مدر للأرباح، ونادرا ما يشهد خسائر”.
ويشهد العراق ارتفاعاً غير مسبوق لنسب البطالة، التي بلغت في آخر تقرير لجهاز الإحصاء المركزي الحكومي 16.5 في المائة، وهو أعلى مستوى تصل إليه منذ عام 1991، وذلك بالتزامن مع ارتفاع نسبة شريحة الأعمار الفاعلة في النشاط الاقتصادي (15ـ 65 سنة)، إلى 56.5 في المائة من إجمالي عدد السكان، ما يعني إمكانية ارتفاع نسب البطالة مجدداً خلال السنوات المقبلة.
ويدخل قرابة 300 ألف شخص إلى سوق العمل في العراق سنوياً، ويشكل عدد الخريجين منهم نحو 100 ألف خريج، ويبقى نحو 30 في المائة منهم بلا عمل، بحسب تقارير جهاز الإحصاء المركزي، بينما تحصي تقارير غير رسمية أرقاماً أعلى بكثير من الإحصائيات الحكومية.