اخبار سياسية

إقليم كردستان على خط “الشّقاق المسيحي” في العراق

الكاردينال لويس روفائيل ساكو.

من المفترض أن يصل البطريرك السابق للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية العراقية الكاردينال لويس روفائيل ساكو إلى مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق اليوم، في رد فعل على سحب الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد المرسوم الجمهوري 147 لعام 2013، الذي عُين ساكو بموجبه رأساً للكنيسة الكلدانية العراقية. وبذا يكون إقليم كردستان أصبح طرفاً في “المزاحمة” السياسية بين رئاسة الجمهورية والكنيسة الكلدانية، وخلافهما بشأن الصلاحيات وحدود دور السلطات السياسية في الشؤون الكنيسية.  عملياً، كان إقليم كردستان وقواه السياسية، تحديداً لجهة المنافسة والحساسيات المتبادلة، جزءاً أساسياً من هذه القضية، التي بلغت ذروتها مع سحب المرسوم الجمهوري.  المواجهة مع ريان الكلدانيالمسألة بدأت مع تصاعد الانتقادات التي صار الكاردينال ساكو وعدد من قادة الكنيسة الكلدانية يوجهونها إلى زعيم حركة “بابليون” المسيحية ريان الكلداني، واتهامه بالاستيلاء على المواقع السياسية والإدارية والاقتصادية للمسيحيين في العراق، والدخول في مجموعة من العلاقات والسلوكيات التي اعتبرتها الكنيسة “غير ملائمة  وغير مطابقة” لتوجهات المسيحيين في العراق.   حركة “بابليون” ومسؤولها الأول مقربون من الاتحاد الوطني الكردستاني، الحزب الكردي المنافس للحزب الديموقراطي الكردستاني، وثمة علاقة سياسية وشخصية واضحة بين مسؤولها الأول وزعيم الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني.  

 وكانت أزمة سياسية قد بدأت بين الحزب الديموقراطي الكردستاني وحركة “بابليون” عقب ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية في خريف عام 2021، واتهام الديموقراطي الكردستاني حركة “بابليون” بالاستيلاء على مقاعد الكوتا المسيحية في البرلمان العراقي (5 مقاعد من أصل 325 مقعداً)، عبر دعم وتصويت متقصد لمصلحتها في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، المؤيدة والراعية لحركة “بابليون”.  المقاعد المسيحية الخمسة، المخصصة للعاصمة بغداد ومحافظتي نينوى وأربيل، كانت تقليدياً من حصة أحزاب مسيحية عراقية مقربة من الحزب الديموقراطي الكردستاني، كما هي حال الكوتا المسيحية في برلمان إقليم كردستان، وذلك لكثافة الحضور المسيحي في مناطق نفوذ الديموقراطي الكردستاني. لذا، وبعد تلك النتائج، كان الشقاق السياسي “المسيحي” موزعاً على دفتي الأحزاب الكردية في العراق: حركة “بابليون” وتنظيماتها المسلحة مقربة ومرتبطة بالاتحاد الوطني الكردستاني، باقي الأحزاب المسيحية ورأس الكنيسة الكلدانية وباقي الكنائس، وإن بشكل غير معلن، مقربة من الحزب الديموقراطي الكردستاني.  هل منع الكلداني رئيس الجمهورية من لقاء البابا؟الكنيسة الكلدانية صعّدت ضد حركة “بابليون” والقوى السياسية الكردية والعراقية المتحالفة معها، منذ أوائل شهر أيار (مايو) المنصرم، بالذات بعد تداول أنباء عن تدخل الكاردينال ساكو تدخلاً غير مباشر لمنع رئيس الجمهورية (القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني)، من لقاء رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم البابا فرانسيس، أثناء زيارته لروما في ذلك الوقت، ما شكل قطيعة بين الطرفين، ودفع رئيس الجمهورية إلى إلغاء المرسوم الجمهوري 147 وصُنف بمثابة سحب للشرعية من الكاردينال ساكو. بعودته إلى مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، يكون الكاردينال ساكو قد أطلق نوعاً من المواجهة السياسية والتنازع على الشرعية، بين السلطة المركزية والإقليم، خصوصاً أن أربيل صارت تتحول إلى مركز لتجمع الكنائس المسيحية المشرقية، بعد قرار كنيسة المشرق الآشورية تغيير مقر الكرسي الكنسية ومقر البطريركية من مدينة شيكاغو الأميركية إلى مدينة أربيل، التي دشنت السلطات فيها مقر البطريركية في خريف العام المنصرم.   

“استغلال الشقاق”الكاتبة والباحثة في الشؤون الدينية رؤيا ثروت شرحت في حديث إلى “النهار العربي” كيف أن الخلافات والمزاحمات ضمن الجماعة المسيحية العراقية، ومثل أي جماعة أهلية أخرى، ستدفع مختلف القوى السياسية لأن تستفيد و”تستغل” ذلك الشقاق الداخلي، وقالت: “من دون شك ثمة تفاوت واضح في تعاطي القوى السياسية الكردية مع نظيرتها المسيحية، والديموقراطي الكردستاني كان ذا علاقة تاريخية تداخلية مع القوى السياسية والمجتمعية والدينية المسيحية، يفهم حساسياتها وآليات التعاطي معها. ولأجل ذلك ليس مستغرباً أن مئات الآلاف من مسيحيي بغداد والموصل هاجروا إلى أربيل دون غيرها خلال السنوات الماضية. لكن ذلك لا يعني أن الخلافات الداخلية ضمن الكنيسة لن تستجر صراعات ضمن جميع الجماعات الأهلية الأخرى. فالمسيحيون في المحصلة أقلية عددية وسياسية، والكل يملك تطلعاً للهيمنة والاستحواذ على هذه الجماعة. الانقسام الكردي الحالي حيال المسيحيين يقابله انقسام آخر (شيعي) بين قوى الإطار والتيار الصدري، وطبعاً ثمة خلافات واضحة على المسيحيين بين القوى السُنية”.  وكتب وزير الخارجية العراقي السابق والقيادي البارز في الحزب الديموقراطي هوشيار زيباري مقالة مطولة عن هذا الملف، وسبقها بموقف مقتضب على صفحاته في وسائل التواصل الاجتماعي ورد فيه: “بعد بيان مرجعية السيد السيستاني حول القرار المشوّه لرئاسة الجمهورية وموقف ممثل الفاتيكان في بغداد ومواقف القوى السياسية في الإقليم والعراق بضرورة سحب المرسوم الجمهوري بحق الكاردينال لويس ساكو، أصبح من الضرورة لرئيس الجمهورية المضغوط عليه من ميليشيات كلدانية سحب قراره الخاطئ والمسيّس”.