اخبار سياسية

ترامب يخرج من نيوهامبشير منتصراً… وجريحاً؟

مناصرو ترامب في نيوهامبشير يلتقطون صوراً له (أ ب)

“أتى الإعلام إلى نيوهامبشير لدفن نيكي هايلي لكن سيضطرّون لوضع المعاول جانباً إلى الآن”. هكذا كتبت صحيفة “وول ستريت جورنال” في افتتاحيّتها بعد إعلان فوز الرئيس السابق دونالد ترامب بالانتخابات التمهيديّة في الولاية.

كما كان متوقّعاً، ضمن ترامب تفوّقه على منافسته وسفيرته السابقة إلى الأمم المتحدة في انتخابات نيوهامبشير، مقترباً أكثر من نيل بطاقة الترشيح الجمهوريّة إلى الانتخابات العامّة في الخريف المقبل. لكنّ فوز ترامب في نيوهامبشير كان أقلّ من المتوقّع.

في الساعات الأخيرة التي سبقت الانتخابات، صدرت مجموعة من الاستطلاعات تشير إلى تقدّم هائل لترامب على هايلي. “مجموعة ترافالغار” وضعت تقدّمه عند فارق 22 نقطة مئويّة، “بوسطن غلوب/جامعة سوفولك” عند 22 نقطة أيضاً، و”إنسايدر/أدفنتاج” عند 27 نقطة.

بعد فرز 91 في المئة من الأصوات، بالكاد تجاوز فوز ترامب هامش 11 نقطة. في الوقت نفسه، بلغ ترامب في جميع هذه الاستطلاعات عتبات قياسيّة: 58 و60 و62 نقطة. بينما لم يصل ترامب إلى عتبة 55 نقطة بعد فرز غالبيّة الأصوات.

حقّق المطلوب؟

أقرب استطلاع إلى أرض الواقع، كان لشبكة “سي أن أن/جامعة نيوهامشير” الذي وضع ترامب عند 50 في المئة من الأصوات، لكنّه صدر قبل انسحاب المرشّح رون ديسانتيس وتجيير أصواته (5 في المئة) للرئيس السابق.

قبل صدور النتائج، كان محلّل شؤون الانتخابات والتواصل السياسيّ الدكتور فران لوتز، ينظر إلى الهامش الذي سيفوز به ترامب. برأيه، كانت عتبة 10 في المئة كافية للقول إنّ هايلي خسرت قضيّتها. بذلك، يكون ترامب قد حقّق المطلوب.   

يمكن فهم هذا التحليل من زاوية أنّ نيوهامبشير هي أفضل ما يمكن لولاية أن تقدّمه لهايلي على مستوى تنوّع الفئات الناخبة، كالحضور الوازن لحملة الشهادات الجامعيّة إلى جانب أنّ المستقلّين، أو “الناخبين غير المعلنين” كما هم معروفون في الولاية، يشكّلون نحو 40 في المئة من إجمالي الناخبين. ويستطيع الديموقراطيّون تغيير انتمائهم الحزبيّ قبل الانتخابات، لكنّ المجال لهذا التعديل يُغلق قبل شهر من الاستحقاق. بحسب استطلاعات الخروج لـ”سي أن أن”، فازت هايلي بـ58 نقطة في المجموعة الأولى و61 في المجموعة الثانية.

من هذا المنطلق، إذا كانت هايلي تفشل في كسب الولاية “المصنوعة خصّيصاً لها” بحسب تشبيهات عدد من المراقبين، فكم بالأحرى في الولايات ذات الغالبيّة الجمهوريّة المحافظة، مثل ولايتها ساوث كارولاينا التي تشبه تركيبة ناخبيها تلك الموجودة ولاية أيوا (51 في المئة لترامب مع 21 لديسانتيس). إذاً، حظوظ ترامب للفوز لا تزال ساحقة. لكنّ هايلي تريد حرمانه من “التتويج” كما تقول. وهذا يعني أنّ السباق سيستنزف جهوداً إضافيّة من حملته.

ميزة لهايلي؟

ما فشلت فيه جميع استطلاعات الرأي تقريباً هو توقّع بلوغ هايلي 40 في المئة من الأصوات أو أكثر. مجدّداً، كان استطلاع “سي أن أن/جامعة نيوهامبشير” الأقرب مع منحها 39 في المئة من نسبة التأييد. كتب دبليو جيمس أنتل ثري في مجلّة “واشنطن إكزامينر” قبل صدور النتائج أنّ اجتياز هايلي هذه العتبة يمكن صياغته كـ”انتصار معنويّ”. بعد فرز أكثر من 90 في المئة من الأصوات، كانت هايلي لا تزال فوق عتبة 43 نقطة مئويّة (نالت 9 مندوبين وترامب 12). 

وبما أنّ هايلي اكتفت في الأيّام الأخيرة بالقول إنّها تريد أداء “قويّاً” أو “أفضل من أيوا” بدون التحدّث عن المرتبة الأولى، تمكّنت من كسر السقوف المنخفضة نسبيّاً. يمكنها اليوم القول إنّ الزخم لا يزال إلى جانبها. وهذا يعني أنّها قد تكون قادرة على المراهنة على المزيد من أموال المانحين لمواصلة خوض السباق أقلّه حتى الثلثاء الكبير أوائل آذار (مارس) المقبل. مع ذلك، تبقى تقديرات المانحين خاضعة للتكهّن والمراقبة.

ليس الجميع مقتنعاً بأنّ اجتياز عتبة الـ40 في المئة يعني ميزة حقيقيّة لهايلي. الدكتور ويت أيريس، وهو رئيس شركة “نورث ستار أوبينيون ريسيرتش” لأبحاث الاستطلاعات والرأي العام مقرّها فرجينيا، أوضح لـ”النهار العربي” أنّ هايلي كانت تواجه مرتقى صعباً، وقد بات أصعب بعد انتخابات الثلثاء. وأضاف: “من الصعب قراءة نيوهامبشير بأيّ طريقة أخرى”.

لكنّ ترامب لم يكن مرتاحاً

يمكن ملاحظة أنّ ترامب نفسه كان يتوقّع فوزاً أكبر. بعد انتصاره في أيوا، هنّأ الرئيس السابق منافسيه على خوضهم حملة قويّة، بمن فيهم هايلي. لكن بعد نيوهامبشير، لم يكرّر ترامب تهنئته لهايلي بالرغم من أنّ الأخيرة باركت له الفوز “المستحقّ”. بل إنّه ذهب لينتقد ملابسها أيضاً واقتناعها بأنّها حقّقت نتيجة جيّدة واصفاً الأمر بـ”الترّهات”. لا يشعر ترامب تالياً بارتياح واضح. ليس لأنّ “الهامش الكبير” الذي أعلن أنّه يريده قبل الانتخابات لم يتحقّق بمقدار ما أمل أو ما أظهرته الاستطلاعات وحسب، بل لأنّ استمرار هايلي في السباق سيمنع الجمهوريّين من الاحتشاد حوله، كما سيمنعه من التركيز على الدعاوى القضائيّة التي يواجهها. وكلّما طالت المواجهة الإعلاميّة مع هايلي، تضرّرت صورته أكثر قبل الانتخابات ليخسر نسبة أكبر من الجمهوريّين المتشدّدين في معارضته.

لا يزال ترامب متفوّقاً بشدّة على هايلي في كسب أصوات الجمهوريّين. تظهر استطلاعات الخروج في نيوهامبشير أنّ نحو 25 في المئة من الجمهوريّين فقط صوّتوا لها مقابل 74 لترامب. يعبّر رقم هايلي تقريباً عن حجم الجمهوريّين المناهضين لترامب. لن تخدمه أيّ زيادة في هذه النسبة على طريق الانتخابات العامّة. وبالرغم من إحكام قبضته على التيّار السائد لدى المحافظين، وهو ما يمنحه اليد العليا لكسب السباق الجمهوريّ في النهاية، يبقى أنّه سيظلّ بحاجة إلى المستقلّين، إلى جانب كلّ صوت جمهوريّ ممكن، في تشرين الثاني (نوفمبر) إذا أراد العودة إلى البيت الأبيض. وهذه نقطة ضعفه الحرجة، بحسب تقرير حديث لمجلّة “بوليتيكو”، ورأي هيئة التحرير في “وول ستريت جورنال”.

إلى جانب ذلك، وبالنظر إلى طول الفترة الفاصلة عن الانتخابات في ولايتها، ستكون هايلي قادرة على التواصل بشكل شبه يوميّ مع ناخبيها. وهذا ما يرفع حظوظها أكثر لأداء أفضل. حاليّاً، يضع متوسّط استطلاعات “ريل كلير بوليتيكس” تقدّم ترامب عليها بنحو 30 نقطة. بحسب المحلّل الانتخابيّ في شبكة “أم أس أن بي سي” ستيف كورناكي، إذا نالت هايلي في كارولاينا الجنوبيّة نسبة الإقبال نفسها للفئات الناخبة في نيوهامبشير (مستقلّون 61-37 وديموقراطيّون 84-6)، فسيفوز ترامب عليها بنسبة 56 إلى 41 نقطة، أي بتفوّق 15 نقطة فقط، وهو نصف الفارق الحاليّ.

قالت هايلي بعد صدور النتائج، إنّ “السباق بدأ للتوّ”. بمعنى ما هذا صحيح. إن لم يكن على مستوى السباق إلى بطاقة الترشيح الجمهوريّة، فبالحدّ الأدنى، على مستوى إظهار أنّها قوة وازنة بين الجمهوريّين والمستقلّين الذين يميلون إليهم. النظر إلى حقبة ما بعد ترامب يبدأ من اليوم. وربّما هذا أوّل ما تتطلّع إليه هايلي في إطالة سباقها الانتخابيّ.