قسم الصحه

سيف مُصلَت على رقاب الأطبّاء… تونس تستعجل النظر في قانون الأخطاء الطبيّة

الأخطاء الطبية قضية شائكة.

تستعجل تونس النظر في قانون التعويض عن الأخطاء الطبيّة أو ما يعرف رسمياً بقانون المسؤولية الطبية، في وقت يقول الأطبّاء إنه صار سيفاً مصلتاً على رقابهم يُنفّر الكثير منهم من البقاء في البلد الذي يعاني نزيف هجرة الكادر الطبي واهتراء المنظومة الصحية.  ونهاية الأسبوع الماضي نظرت لجنة الصحة في البرلمان في مشروع قانون المسؤولية الطبية، وينتظر أن تستكمل في ظرف قصير مناقشته مع جميع الأطراف المتدخلة قبل إحالته إلى البرلمان، وفق ما أكده رئيس لجنة الصحة نبيه ثابت لـ”النهار العربي”. لا أرقام رسميةوليس في تونس أرقام رسمية عن عدد حالات الأخطاء الطبية. ويقول رئيس الجمعية التونسية لإعانة المتضررين من الأخطاء الطبيّة عصام العامري لـ”النهار العربي” إن هناك سنوياً المئات من الشكاوى بشبهة وجود خطأ طبي، خصوصاً في اختصاص التجميل “بسبب وجود متطفلين على هذا الاختصاص”. في المقابل، يقول الكاتب العام لعمادة الأطباء نزار العذاري إنه لا بد من التمييز بين الخطأ الطبي والحادث، لافتاً في تصريح لـ”النهار العربي” إلى أن نسبة الحالات التي ثبُت فيها ارتكاب طبيب خطأ طبياً ضعيفة جداً “وهو ما يجعل أطبّاء تونس بين الأقل ارتكاباً للأخطاء مقارنة بالنسب العالمية”. 

غياب إطار قانونيينتقد المعنيون بهذا الملف غياب إطار قانوني يحدّد المسؤولية الطبية ويكفل التعويضات للمريض.وتتكفّل المحاكم في تونس بالنظر في كل الشكاوى المتعلقة بشبهة ارتكاب خطأ طبّي، وتعمل وفق القانون العام على التمييز بين الخطأ الطبّي والحادث الطبي، فيما تتولى مصالح التفقد في وزارة الصحّة النظر في الشكاوى التي يتقدم بها المرضى للوقوف على أي تقصير أو إهمال محتمل قد يكون الطبيب ارتكبه. ويقول العامري إن هذا المسار لا يكفل حق المريض لأنه “مسار معقّد وطويل ويتطلب أحياناً سنوات لكي تصدر المحاكم قرارها النهائي بناءً على الاختبارات، للحسم في ارتكاب الطبيب خطأً طبياً أو إهمالاً من عدمه”. ويرى العذاري أن من حقّ المريض أن يحصل على تعويضه في أسرع وقت ممكن، لكن الإطار القانوني الحالي يشكّل عقبة أمام تحقيق هذا الهدف “لأنه لا يراعي خصوصية العمل الطبي والظروف التي يعمل فيها الأطبّاء في تونس، في وقت تشتكي المستشفيات من نقص كبير في الإمكانات وتقادم للمعدات والأجهزة الطبية”. سيف على رقبة الطبيبويُطالب الأطبّاء بوضع نص قانوني يحدّد المسؤولية الطبية ويحمي حقوق المريض بدرجة أولى، لكنه يوفر أيضاً الحماية للطبيب “الذي تتم دائماً شيطنته” وفق ما يشدّد عليه العذاري. وكشف ثابت أن المشاركين في النقاشات الأولية بشأن مشروع القانون الجديد طالبوا بضرورة الحد من العقوبات السالبة للحرية ضد الكادر الصحي، باعتبار خصوصية مهنتهم مع تحديد سقف مبالغ التعويض على غرار ما هو موجود في بعض الدول المتقدمة. وزاد الحديث في تونس في السنوات الأخيرة عن الأخطاء الطبية، ويتذمر كثير من التونسيين من ذلك، وكثيراً ما تحوّلت حوادث متعلقة بشبهات وجود أخطاء طبية إلى قضايا رأي عام على غرار واقعة وفاة مريضة قبل أيام من زفافها بسبب عملية تجميل ووفاة 14 رضيعاً في مستشفى حكومي. وبسبب غياب إطار قانوني يحدد المسؤولية الطبية، يجد أطباء تونسيون أنفسهم في مواجهة السجن بسبب شكاوى متعلقة بشبهة ارتكابهم خطأً طبياً، ويقول العذاري: “الطبيب قد يجد نفسه في السجن لمجرّد أن هناك شكوى ضده من أجل شبهة ارتكاب خطأ طبي تثبت الاختبارات لاحقاً عدم حصوله، وأن السبب الحقيقي هو حادث كان يمكن أن يحدث في أي مستشفى وفي أي دولة”، ويضيف: “في السنوات الأخيرة تم التحفظ على كثير من الأطبّاء بسبب ضغط الرأي العام، ليتبيّن لاحقاً أنهم لا يتحملون أي مسؤولية”. ويرى أن هذه الشكاوى “صارت سيفاً مصلتاً على رقاب أطبائنا الذين بات كثير منهم يفضل الهجرة خوفاً من أن يجد نفسه في يوم ما مسجوناً بسبب ممارسته عمله في ظروف صعبة”. وتظاهر الأطباء في مناسبات كثيرة مطالبين بتوفير الحماية لهم بسبب ملاحقتهم قضائياً من أجل شبهات الإهمال وارتكاب الأخطاء، مشددين على وجود تهويل في هذا السياق.  هجرة الأطباءوتعاني تونس نزيف هجرة الأطباء، ويقول ثابت إن هذا القانون سيوفر الحماية للطبيب التونسي ويجعله يعمل في ظروف أفضل. وبحسب الأرقام التي كشف عنها العذاري، غادر تونس سنة 2023 نحو 1400 طبيب، فيما كان الرقم سنة 2022 نحو 1200 طبيب وسنة 2018 أكثر من 500 طبيب، بينما يتخرج سنوياً من كليات طب تونس نحو 900 طبيب، ويقول الطبيب التونسي إن “الكثير من الأطبّاء صاروا يفضلون الهجرة ومغادرة تونس ليس بحثاً عن ربح مادي أكبر بل من أجل العمل في ظروف جيدة وبعيداً من الخوف الدائم من شبح السجن”.حماية حقوق المرضىويقول العامري إن القانون المطبق حالياً لا يراعي حقوق المريض، لافتاً إلى غياب رؤية واضحة بشأن صناديق التعويض عن الأخطاء الطبية وكيفية تسييرها ومن سيموّلها وما هي معايير تحديد الخطأ الطبي وكيفية تقييم التعويض. ومنذ سنة 2015 طُرح مشروع قانون لتحديد المسؤولية الطبية والتعويض عن الأخطاء الطبية، لكن النظر فيه والمصادقة عليه تعطلا بسبب “لوبيات التأمين”، وفق العامري الذي يقول إن ثمة جهات لم يكن من مصلحتها الحسم في هذا الملف. وعاد البرلمان الحالي لاستعجال النظر في هذه القضية، وفق النائب نبيه ثابت الذي أشار إلى أن ثمة اليوم حاجة ملحة لتمرير هذا القانون “حتى تتم حماية حق المريض والطبيب في الآن نفسه”، موضحاً أنه تم الاستماع إلى مختلف وجهات النظر وتم الاتفاق مع وزارة الصحة التونسية على أن تقوم بعملية تأمين مستشفياتها، حتّى يحصل المريض على تعويضه في حال ثبوت تعرضه لخطأ طبي.