اخبار سياسية

ليبيا… طرابلس بلا ميليشيات بعد رمضان؟

وزير الداخلية الليبي المكلف عماد الطرابلسي خلال مؤتمره الصحافي.


فجر وزير الداخلية الليبي المكلف عماد الطرابلسي مفاجأة من العيار الثقيل عندما وعد بإخلاء العاصمة طرابلس من الميليشيات بعد شهر رمضان، الذي يحل بعد أقل من أسبوعين، في خطوة لطالما طالبت بها الأوساط المحلية والدولية وواجه تنفيذها تحديات جمة.
وخلال مؤتمر صحافي خُصص للحديث عن المجزرة التي وقعت في حي ابو سليم بطرابلس وسقط خلاها 10 قتلى، أعلن الطرابلسي “التوصل إلى بعض الاتفاقات، بعد مشاورات مع الأجهزة الأمنية في طرابلس استغرقت شهراً، على أنه خلال الفترة المقبلة سيجرى إخلاء العاصمة من جميع الأجهزة الأمنية، ويبدأ التنفيذ بعد شهر رمضان المبارك”. ميليشيات إلى الثكنات؟وخص بالذكر تشكيلات “جهاز الأمن العام”، و”جهاز الردع”، و”الشرطة القضائية”، و”جهاز دعم الاستقرار”، و”اللواء 444 قتال”، و”اللواء 111″، و”قوة دعم المديريات”. وهذه كلها مجموعات مسلحة أسست بمقتضى قرارت من رئيس الحكومة الحالي عبد الحميد الدبيبة وسلفه فائز السراج، ومُنحت صلاحيات أمنية أعلى من وزارة الداخلية في تأمين المنشآت الحيوية والبعثات الدبلوماسية، الأمر الذي يُثير تشكيكاً بشأن جدية تعهدات الطرابلسي، الذي شدد في مؤتمره الصحافي على ضرورة “ألا يؤثر أي خلاف سياسي على أمن الليبيين. وكل أنواع التحشيد العسكري والتحريض مرفوضة في كل المنطقة الغربية”، في اتهام مباشر إلى الميليشيات بالتسبب في حالة الانفلات الأمني التي تشهدها العاصمة الليبية.
وإذ لم يكشف الطرابلسي عن آلية إخراج هذه المجموعات، أقر ضمنياً بأن الإجراء لا يعني تفكيكها وسحب أسلحتها، إذ أوضح أن “جميع هذه القوات سترجع لثكناتها ومقارها”، علماً أن معظم هذه المقار داخل العاصمة ومحيطها القريب. 

  وأكد الطرابلسي أنه “لن يكون في الشوارع إلا البحث الجنائي والنجدة والمرور ومراكز الشرطة، وسيجري تأمين مؤسسات الدولة والشارع بواسطة عناصر ومراكز وأقسام الشرطة التابعة لمديرية أمن طرابلس”، لكنه عاد ليفتح المجال للاستعانة بهذه التشكيلات “في بعض التمركزات التي لدينا فيها ضعف”.
ونفى وزير الداخلية المكلف انحيازه أو دعمه شخصيات بعينها في الخلاف السياسي الراهن، الذي “استغله الكثير من الناس والمجرمين للهروب من القضاء، والإفلات من جرائمهم”. “تكرار لتعهدات سابقة”مدير المركز الليبي للدراسات الأمنية شريف عبد الله لاحظ أن تصريحات الطرابلسي الأخيرة “ليست جديدة وهي تكرار لتعهدات وزراء داخلية سابقين وعلى رأسهم فتحي باشاغا”، قبل أن يُكلفه مجلس النواب في آذار (مارس) عام 2022 برئاسة حكومة موازية لم تنجح في السيطرة على طرابلس.
وأوضح عبد الله أن “أي خطة أمنية يجب أن تكون في إطار استراتيجية متكاملة، وزير الداخلية قال إن إخلاء العاصمة سيكون خلال رمضان أو بحد أقصى بنهايته، وهو ما يعكس عدم وجود خطة زمنية محددة، كما أن التشكيلات التي خصها الطرابلسي بالذكر لا تتبع لوزارته ولا حتى وزارة الدفاع، وبالتالي اخراجها من مناطق سيطرتها يحتاج إلى قرار رسمي من الجهة التي تتبعها”. وأضاف لـ”النهار العربي”: “غالبية هذه التشكيلات لديها مقار داخل طرابلس والمدن المحيطة، لم يوضح الطرابلسي ما إن كان خروجها سيكون من داخل العاصمة إلى خارجها فقط أم من كل مدن الغرب الليبي، كذلك أي ثكنات ستعود إليها تلك التشكيلات تمتلك مقرات وثكنات في قلب العاصمة وأحيائها وكذلك خارجها”، مرجحاً أن “الخطوة تقتصر على إعادة تمركز عبر إخلاء الشوارع من عناصر تلك التشكيلات وأن تبقى داخل مقرتها، في ظل تصاعد الغضب الشعبي حيال عناصر تلك المجموعات وانتهاكاتها، على أن يحل بدلاً منهم عناصر شرطية رسمية”. 

  أما القيادي السابق في المجلس الأعلى للدولة السنوسي إسماعيل فلفت هو الآخر إلى غموض تصريحات وزير الداخلية الليبي. وقال: “لم يوضح ما إذا كان يقصد ضمنياً بتعهداته حصول اتفاق سياسي بترتيبات أمنية جديدة داخل العاصمة، أم مجرد عودة هذه المجموعات المسلحة بأسلحتها الثقيلة إلى ثكناتها، التي يوجد بعضها داخل طرابلس، على أن تتمركز عناصر شرطية بأسحلة خفيفة في الشوارع”، مستبعداً تنفيذ عملية إخلاء طرابلس من الميليشيات “إلا بحوار طويل مع قادة هذه المجموعات”.
وأوضح اسماعيل لـ”النهار العربي” أن “خريطة التشكيلات المسلحة في المنطقة الغربية منقسمة، فبعضها يدعم حكومة الوحدة الوطنية ورئيسها الدبيبة وربما هي سبب بقائها حتى الآن، وهذه المجموعات تتبع بشكل مباشر الأخير والمجلس الرئاسي وليس وزارة الداخلية، وهناك البعض الآخر يعارض استمرار الدبيبة، وهو ما تسبب في اشتعال صدامات مسلحة بين هذه المجموعات مختلفة الولاء، ويؤكد هشاشة الوضع الأمني في العاصمة ومحيطها”. وأضاف: “هذه المجموعات ضلع رئيسي في العملية السياسية المتعثرة… وهي ضمن المعضلات التي تواجه توحيد البلاد ومؤسساتها الأمنية”.
تشاؤم عبد الله وإسماعيل حيال إمكانية إخلاء العاصمة الليبية من الميليشيات يتفق مع تقرير أصدره في الأيام الاخيرة مركز الأبحاث الاستراتيجي والأمني الأميركي “ستراتفور”، وعدد فيه الأسباب التي تقلل من احتمالات مغادرة المجموعات المسلحة العاصمة الليبية، موضحاً أنه “من غير المرجح أن تغادر الميليشيات طرابلس فعلياً، كونها مندمجة بقوة داخل جهاز الدولة، والعديد من أعضاء الحكومة المعترف بها دولياً لديهم علاقات بتلك المجموعات المسلحة”. وأضاف: “تمركز العديد من المجموعات إلى حد كبير في طرابلس، لذا فإن الدعوة لعودتها إلى مقراتها من شأنها أن ترسخ وجود تلك المجموعات في أجزاء من المدينة”، كما توقع المركز الأميركي “عدم قدرة الشرطة على استبدال الميليشيات بشكل كامل في العاصمة لأسباب أمنية بسبب محدودية الموظفين والموارد الحكومية”. واتفق المركز مع الخبير الأمني عبد الله في ترجيح فرضية “الاتفاق على إبعاد الميليشيات عن مناطق وسط طرابلس. ومن الاحتمالات الواردة أن تظهر هذه الخطوة سيطرة محدودة من جانب الحكومة بعد تصاعد أعمال العنف والاشتباكات العنيفة المتقطعة بين الميليشيات”.