مقالات

{العراق بلا هوية وطنية بعد ال2003}

حسن فليح /محلل سياسي

ان التنوع الديني والقومي والثقافي للشعوب مصدر قوة وليس مصدر ضعف للمجتمعات فأذا كان التنوع عامل قوة ويشكل قوة محركة لِلتنمية فلماذا لم نلمس مثل هذه النتائج في العراق بعد 2003 رغم تميّز مجتمعه بالتنوع ؟ إن الطائفية بوصفها السمة البارزة للهوية الراهنة لا تسمح لِلتنوع أن يؤدي دوره الإيجابي ، أما الحلول فهي موجودة في جُعبة الأحزاب العراقيّة، فأنها اليوم بما تملكه من حصة كبيرة في السلطة تستطيع إحياء مشروع بناء الهوية الوطنية ، ولكن بدلا من ذلك كرست القوى السياسية المتنفذة جهدها في تهديم الوحدة المجتمعية واضعاف الهوية الوطنية والتمسك وتجذير مفهوم المكونات والهويات الفرعية وتكريس المحاصصة الطائفية التي كانت المسمار الاخير في نعش الهوية الوطنية ، ويجب الاعتراف بدقة وموضوعية، بان انهيار الدولة واستهدفها خلال عملية الغزو والاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 ليس الغرض منه استهداف النظام السياسي للبعث كما يشاع عن عملية الغزو غير الشرعية بل هو استهداف واضح لبنية الدولة العراقية واستهداف وحدة الشعب وهويتة الوطنية ، وخلق المناخ المناسب لصعود الهويات الفرعية والفيئوية وتكريس الطائفية جميعها كانت ، ليس نتاجاً لانهيار “حكم البعث” في العراق، انما هو نتيجة واقعية ملموسة لاستهداف الدولة وتفكك المجتمع من خلال موجات الاجتثاث والتخوين والتهجير والصراعات الدموية واختلال بنية ومنظومة القيم والاخلاق العامة ، التي كانت جزئا من مخطط الاحتلال وقوى سياسية داخلية مرتبطة بأجندات دولية واقليمية كان لها الاثر البالغ في القضاء على الهوية الوطنية الجامعة لعموم العراقيين ،

ان طبيعة المجتمع العراقي تمتاز بالتعقيد، واستطاعت منظومة الفساد الواسعة، أن تحول التعامل مع “الوطن” على انه دُكان للارتزاق عن طريق النهب والفساد بالمال العام ، وليس العمل الجدي لبناء الدولة التي تعرضت للهدم والاستهداف الممنهج ، على يد فصائل السلاح والمجاميع المسلحة لتكون حجر الزاوية في بناء الدعاية لشرعنة “السلاح” وسطوته وتبرير وجوده بوصفه ضامناً للوجود الفئوي القابض على السلطة!!
حيث ان ‏‪ضياع الهوية الوطنية اربك المجتمع في العراق، وساعد كثيرا بأزدهار الهويات الفرعية كالشيعة والكرد لكنها بالنتيجة هويات تبقى مريضة بدون الوحدة الوطنية ‏وظلت الهوية السُنية هوية منكمشة بعد 2003 ولا تحسن التعبير عن نفسها كونها ارتبطت تاريخيا بمفهوم السلطة القابضة دوماً لها وغابت مرجعيتهم بغياب الدولة عنهم ، ولم تعش خارجها وحين مارست دور المعارضة جنحت نحو التطرف والعنف الموجه احيانا ودخلت بمتاهه المنهج وذهبت للهويات الفرعية بعد ان دفعها تخندق الاخرون تحت هوياتهم الفرعية ايضا فتباعدت المسافات بين ابناء الوطن الواحد على حساب مسمى الهوية الوطنية الجامعة ،
عكس الهوية الشيعية التي عاشت دهرا طويلا من الزمن معارضة للدولة وما يمثلها من نظام حكم فكان بأمكانها ان تعيش خارج اية محددات وطنية وبظل انعدام الدولة، لكونها تأسست كمجتمع عميق تاريخياً خارج السلطة ولكنها فشلت بعد استلامها للحكم ولن تنتهي وتتخلى من ثقافة المعارضة ولم تذهب للفضاء الوطني الارحب والاوسع والاضمن لقيادة البلاد !!! وضيعت بذلك على نفسها الفرصة التاريخية بتعزيز الهوية الوطنية وترسيخها كمنهج ضامن لوحدة العراق والعراقيين ، ‏‪اما الكرد فأن هويتهم القومية ونزوعهم الانفصالي التاريخي عزز لديهم مفهوم مواطنة تاريخية ذاتية عابرة حتى للعراق ويراودهم حلم تحقيق الدولة الكردية التي تتعارض مع الكثير من المعرقلات والارادات الدولية والداخلية الخارجة عن قدراتهم الذاتية ، اما المكونات الاخرى كالتركمان والايزيديين والمسيحيين والصابئة فتعاني من ضعف الهوية التاريخية المرتبط بحالة عدم الاستقرار للدولة العراقية الهشة ، ‏‪هذه المكونات هي الضحية الاكثر تأثراً بالتفكك الذي اصاب المجتمع العراقي من خلال استهداف دولته العراقية الامر الذي احيا الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية ، ان تعزيز الهوية الوطنية يأتي عندما نتقن ما نقوم به من أعمال في سبيل رفعة الوطن وتقدمه، ومن خلال تحويل حب الوطن الى حقيقة فاعلة وواقع ملموس عبر مواقف شتى تعيد للعراق هيبته المفقودة وتصون وحدة ترابة ومقدراته ووحدة شعبة ، أن تعزيز الهوية يكون عندما يشعر كل مواطن منا بأهمية دوره في مسيرة البناء ، وتتعزز الهوية الوطنية عندما يخرج كل منا من عباءته الفكرية والمذهبية، ويحتمي بمضلة الوطن ، بعيداً عن المذهبية الطائفية أو العرقية والمصالح الخاصة القاتلة للهوية الوطنية .