مقالات

{الهدف هو تدمير المنطقة العربية واستباحتها وليس له علاقة بتحرير فلسطين}

حسن فليح /محلل سياسي

لماذا لا ترد إيران على الاعتداءات الإسرائيلية بشكل مباشر؟ ولماذا لا تهاجم إسرائيل إيران في عقر دارها؟

منذ سنوات، تشهد المنطقة صراعًا بالوكالة بين إيران وإسرائيل، حيث توجه الأخيرة ضربات متكررة ضد الميليشيات الموالية لإيران في سوريا والعراق، بينما تتجنب إيران الرد المباشر على هذه الهجمات. وعلى الجانب الآخر، تتجنب إسرائيل ضرب العمق الإيراني رغم قدرتها العسكرية المتقدمة. هذه الاستراتيجية المعقدة تثير تساؤلات عديدة حول الأسباب التي تدفع كلا الطرفين إلى تبني هذا النهج، بدلًا من خوض مواجهة مباشرة.

إيران: لماذا تفضل الحرب بالوكالة؟

  1. تفادي التصعيد المباشر: إيران تدرك جيدًا أن الرد المباشر على إسرائيل قد يقود إلى تصعيد واسع لا يمكن السيطرة عليه. المواجهة العسكرية المباشرة قد تستدعي تدخلًا دوليًا واسع النطاق، خاصة من الولايات المتحدة، وهو ما قد يعرّض إيران لضربات قاصمة تستهدف بنيتها العسكرية والاقتصادية. إيران تسعى لتجنب خلق ذريعة تمكن خصومها، سواء الإقليميين أو الدوليين، من التحرك ضدها في المحافل الدولية أو عبر تدخلات عسكرية مباشرة.
  2. الحرب بالوكالة كاستراتيجية دفاعية:
    إيران تعتمد على الميليشيات المسلحة في لبنان (حزب الله)، العراق، وسوريا لتحقيق أهدافها الاستراتيجية دون التورط المباشر. هذه الميليشيات تقدم لها القدرة على الحفاظ على نفوذها في المنطقة، وشن هجمات على إسرائيل دون تحمل مسؤولية مباشرة. هذا التكتيك يمنح إيران القدرة على المناورة والتملص من العقوبات الدولية أو الرد العسكري المباشر.
  3. القدرات العسكرية:

رغم التطورات الملحوظة في البرنامج الصاروخي الإيراني وقدراته العسكرية، تدرك طهران أن هناك فجوة تقنية بينها وبين إسرائيل في مجالات مثل الطيران الحربي، المخابرات، والدفاع الجوي. دخول إيران في مواجهة مباشرة مع إسرائيل سيكشف نقاط ضعفها العسكرية بشكل لا يصب في صالحها، ويجعلها عرضة لضربات قوية تؤدي إلى تدمير قدراتها الاستراتيجية.

  1. العقوبات والضغوط الدولية إيران تواجه ضغوطًا اقتصادية هائلة نتيجة العقوبات الدولية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي. الرد المباشر على إسرائيل قد يزيد من هذه الضغوط ويعطي مبررًا لفرض عقوبات إضافية أو حتى تدخل عسكري من قبل القوى الغربية. وبالتالي، تسعى إيران إلى تجنب أي تصعيد يؤدي إلى تفاقم وضعها الاقتصادي والسياسي الداخلي.

إسرائيل: لماذا لا تهاجم إيران في عمقها؟

  1. تجنب التصعيد الشامل: مثل إيران، تدرك إسرائيل أن ضرب العمق الإيراني سيؤدي إلى تصعيد إقليمي قد لا تستطيع السيطرة عليه. الهجوم على المنشآت الإيرانية أو المراكز الاستراتيجية داخل إيران سيؤدي إلى ردود فعل قوية من الميليشيات الموالية لإيران في سوريا ولبنان، وربما من الحلفاء الإيرانيين مثل روسيا. هذا التصعيد الشامل قد يتطلب تدخلًا أكبر من الولايات المتحدة، ما يزيد من مخاطر الحرب.
  2. دعم الميليشيات كأداة للنفوذ الإيراني: إسرائيل تدرك أن الميليشيات التي تدعمها إيران في سوريا ولبنان ليست فقط أدوات لتنفيذ الهجمات ضدها، بل هي أيضًا أحد أهم وسائل النفوذ الإيراني في المنطقة. هذه الميليشيات تُعتبر أذرعًا إيرانية تُحارب نيابة عنها، وتوسيع نفوذها يجعل ضرب إيران بشكل مباشر أقل فعالية على المدى الطويل. فالمشكلة بالنسبة لإسرائيل ليست في قوة إيران وحدها، بل في توسع النفوذ الإيراني عبر هذه الجماعات المسلحة. لذا، تسعى إسرائيل لتدمير البنية التحتية لهذه الجماعات على الأرض بدلاً من المخاطرة بهجوم مباشر على إيران.
  3. حماية الجبهة الداخلية: الهجوم على إيران سيعرض إسرائيل لهجمات صاروخية مكثفة من قبل الميليشيات الموالية لإيران، خاصة حزب الله في لبنان، الذي يمتلك ترسانة صاروخية كبيرة قادرة على ضرب العمق الإسرائيلي. ورغم قوة الدفاعات الجوية الإسرائيلية (مثل القبة الحديدية)، فإن إسرائيل لا ترغب في إشعال مواجهة شاملة قد تتسبب في خسائر كبيرة داخل أراضيها.
  4. التحالفات الإقليمية: إسرائيل تسعى للحفاظ على علاقاتها مع الدول العربية التي تحسنت في السنوات الأخيرة، خاصة مع توقيع “اتفاقيات أبراهام”. شن هجوم مباشر على إيران قد يؤدي إلى تعقيد هذه العلاقات، خاصة مع الدول التي تسعى لتجنب التصعيد الإقليمي. إسرائيل تدرك أن هناك رغبة من قبل هذه الدول في الحد من النفوذ الإيراني، لكنها أيضًا تدرك أن التصعيد المباشر مع إيران قد يؤثر على استقرار المنطقة ككل.

توازن القوى والردع المتبادل

إيران وإسرائيل يدركان أن التصعيد المباشر بينهما قد يؤدي إلى حرب شاملة لا يمكن التنبؤ بنتائجها. إيران تعتمد على الميليشيات لتجنب تحمل التكاليف المباشرة للصراع، بينما تفضل إسرائيل ضرب الفصائل المسلحة وتدمير قواعدها لمنع تزايد التهديدات دون الدخول في مواجهة مع إيران نفسها. هذا التوازن الهش يعتمد على الردع المتبادل، حيث تسعى كل من إيران وإسرائيل لتجنب صراع مباشر يدمر استقرار المنطقة بأكملها.

إن ما يحدث في المنطقة بين إيران وإسرائيل هو لعبة استراتيجيات معقدة تعتمد على الحرب بالوكالة والضربات المحسوبة بدقة. إيران لا ترد بشكل مباشر على الهجمات الإسرائيلية لأنها تسعى لتجنب التصعيد الشامل، فيما لا تهاجم إسرائيل إيران في عقر دارها لأنها تدرك أن دعم الميليشيات المسلحة يمكن أن يستمر حتى لو تم ضرب الداخل الإيراني. في النهاية، هذا الصراع المستمر يعتمد على الموازنة بين المصالح والتكاليف، في وقت تسعى فيه كل من إيران وإسرائيل للحفاظ على تفوقهما الإقليمي دون خوض مواجهة مباشرة تهدد بفتح أبواب حرب لا نهاية لها.
أن الصراعات بالوكالة في المنطقة تهدف جزئيًا إلى تحويل الدول العربية إلى ساحات للصراع بدلاً من نقل الحرب إلى الأراضي الرئيسية ، مثل إيران وإسرائيل.
نتيجة للاسباب التالية .

  1. استغلال الفوضى في الدول العربية:
    الدول العربية التي شهدت صراعات داخلية أو أزمات سياسية مثل العراق، سوريا، واليمن أصبحت ساحات للصراع بين القوى الإقليمية والدولية. هذه الدول أصبحت أهدافًا سهلة لتوسيع النفوذ الإيراني من جهة، ولامتداد التدخلات الإسرائيلية والأميركية من جهة أخرى. نتيجةً لذلك، تحولت هذه الدول إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية بدلاً من أن تُشنّ الحرب مباشرة على أراضي القوى الكبرى.
  2. تقويض الأمن القومي العربي:

من خلال تحويل هذه الدول إلى ساحات للصراع، يتم استنزاف قدراتها على استعادة استقرارها واستقلالها. فالدمار الذي يلحق بالبنى التحتية والاقتصاد والمجتمع في هذه الدول يجعل من الصعب عليها النهوض مرة أخرى كقوى مؤثرة في المنطقة. هذا التفتيت يضعف النظام الإقليمي العربي ككل ويقلل من قدرة هذه الدول على التأثير في مجريات الأمور الإقليمية.

  1. تفادي التصعيد المباشر:

إسرائيل وإيران تدركان أن الحرب المباشرة بينهما قد تكون مكلفة جدًا، ليس فقط من الناحية العسكرية ولكن أيضًا من الناحية السياسية. لذا، يتم استخدام الدول العربية كمسرح للصراع لتجنب التكاليف المباشرة على أراضيهما، مع الاستمرار في تحقيق أهدافهما الاستراتيجية عبر الحروب بالوكالة.

  1. تقاسم النفوذ والسيطرة:

الصراعات الدائرة في العالم العربي، بدلاً من أن تكون مجرد صراعات محلية، أصبحت جزءًا من لعبة دولية كبرى تهدف إلى إعادة رسم خريطة النفوذ في الشرق الأوسط. إيران تسعى لبسط نفوذها من خلال دعم الميليشيات والجماعات المسلحة، بينما تسعى إسرائيل، مدعومة بتحالفات إقليمية ودولية، إلى تقليص هذا النفوذ ومنع تحول هذه الدول إلى منصات تهديد مستمر لأمنها.

  1. الفراغ العربي:

العديد من الدول العربية التي تعرضت للاضطرابات، سواء بسبب الثورات أو الحروب الأهلية، شهدت فراغات في السلطة جعلت من السهل على القوى الخارجية التدخل. في ظل غياب رؤية عربية موحدة أو مشروع عربي مشترك، أصبح من السهل للقوى الكبرى استخدام هذه الدول كساحات للصراع وتحقيق أجنداتها الخاصة .

تحويل الدول العربية إلى ساحات للصراع يخدم مصالح القوى الكبرى، إذ يُجنّب هذه القوى الدخول في مواجهة مباشرة ومكلفة، وفي الوقت نفسه، يضمن استمرار نفوذها وتحقيق أهدافها الاستراتيجية. وللأسف، هذا النهج يؤدي إلى تدمير البنى التحتية وتفكيك المجتمعات العربية، مما يزيد من تعقيد مسألة إعادة بناء هذه الدول واستعادة دورها الفاعل في المنطقة .

admin