اخبار سياسية عالمية

عرض سري حمله وفد كوردي إلى موسكو

 

بمجرد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عزمه الانسحاب الكامل والسريع من سوريا، كثف القادة الكورد السوريون اتصالاتهم في أكثر من اتجاه، كان بينها قيام قائد وحدات حماية الشعب الكوردية سيبان حمو على رأس وفد رفيع المستوى بزيارات سرية إلى قاعدة حميميم ودمشق وموسكو للحصول على ضمانات روسية لترتيبات عسكرية وإدارية بينها تسليم الحدود السورية إلى دمشق لـ”قطع الطريق على تركيا”.

على الضفة الأخرى، تستعجل الإدارة الأميركية اتصالاتها العسكرية والسياسية لضبط إيقاع ترتيبات الخروج من سوريا، إذ انه بالتزامن مع جولة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في الشرق الاوسط، تجري اتصالات لترتيب زيارة غير معلنة لمستشار الأمن القومي جون بولتون ورئيس الأركان جون دونفور ومسؤول الملف السوري جيمس جيفري إلى شرق سوريا بعد محادثات الوفد في أنقرة يوم الاثنين وقبل توجهه إلى تل أبيب.

وفي حال حصول هذه الزيارة، ستكون الأرفع من نوعها لمسؤول أميركي إلى سوريا منذ بدء التحالف الدولي عملياته في 2014.

وبعد أيام من تغريدة ترمب على موقع تويتر وإعلانه أنه أبلغ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في 14 الشهر الماضي نيته القيام بانسحاب سريع وكامل من سوريا، طار وفد من الوحدات الكوردية بقيادة حمو إلى حميميم ثم جرى لقاء سري في دمشق ضم مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك ووزير الدفاع العماد علي أيوب ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بحضور وفد عسكري روسي رفيع المستوى.

رسالة الوحدات إلى دمشق، بحسب المعلومات المتوفرة للشرق الأوسط، كانت ضرورة “عدم تكرار خطيئة عفرين: تشدد الطرفين في دمشق وقامشلو (القامشلي) أدى إلى خسارة عفرين لصالح حلفاء أنقرة” عندما بدأ الجيش التركي بضوء أخضر روسي في بداية العام عملية غصن الزيتون وأدت إلى السيطرة الكاملة عليها بعد رفض دمشق عرضا كورديا بمحاصصة في المدينة الواقعة في ريف حلب. وقال القيادي “الآن عفرين ليست معنا وليست معكم”.

كما أبلغ وفد الوحدات المسؤولين في دمشق، أن عدم تكرار الخطأ يتطلب المرونة وتحديد الأولويات، حيث قال أحدهم “نحن مختلفون حول مستقبل سوريا لكن ليس على سوريا وحدودها ووحدتها”. وأبلغهم بعرض مفاده استعداد الوحدات لتسليم جميع النقاط الحدودية لبسط سيادة الدولة السورية ثم يجري ترك موضوع الدستور والحل السياسي للمستقبل، شرط أن يكون الضامن روسيا لهذه الترتيبات.

منبج كانت المختبر للتعاون المتجدد بين دمشق والوحدات، إذ جرى التفاهم على إصدار مواقف علنية منسقة تسمح بأن تدخل قوات الحكومة إلى منبج. وفي 28 ديسمبر (كانون الأول)، أي بعد يومين من الاجتماع السري، صدر بيان من قيادة الوحدات رحب بدخل الجيش السوري إلى منبج وآخر من وزارة الدفاع السورية تضمن المسؤولية عن استعادة السيادة الكاملة للدولة. تزامن البيانان مع إعلان الحكومة الروسية أن الجيش السوري سيتسلم المناطق التي يخرج منها الأميركيون، بموجب تفاهمات دمشق – الوحدات.

للعلم، فإن منبج هي نقطة تعاون أميركي – تركي بموجب خريطة طريق أبرمت منتصف العام الماضي، تضمنت انسحاب الوحدات منها وتسيير دوريات مشتركة بين حلفاء أنقرة وحلفاء واشنطن في ريف منبج، إضافة إلى تشكيل مجلس مدني جديد وإعادة صوغ المجلس العسكري الحالي.

بعد تغريدة ترمب، برز سباق بين أنقرة وحلفائها ودمشق والوحدات إلى منبج. بموجب تفاهمات دمشق – الوحدات، تقدمت قوات الحكومة السورية نحو منبج، بالتزامن مع رفع العلم الرسمي السوري في المدينة، في وقت كانت فصائل تدعمها تركيا تتقدم من شمال منبج. المفاجأة كانت هي الموقف الأميركي. وقتذاك، بدأ الرئيس ترمب يخفف من وطأة تغريدته المفاجئة وسط حديث عن برنامج زمني للانسحاب وبطء في تنفيذه وعدم استعجال عودة دمشق.

وإذ استمر الطيران الأميركي في التحليق فوق منبج، فإن الجانب الروسي تدخل بعد اتصالات رفيعة عبر خط “منع الصدام” مع الجانب الأميركي ومع تركيا، جرى إنجاز تفاهم جديد: عودة قوات الحكومة 30 كيلومترا بعيدا من منبج وفي عريما حيث يقع مركز روسي بعدما أخذت دمشق بعض المواقع. وبقاء فصائل حليفة لأنقرة من درع الفرات بعيدا عن منبج.

عليه، تغيرت خريطة الانتشار الجديدة في منبج وما حولها: قوات الحكومة تنتشر جنوب المدينة وشمالها، فيما تقع القوات الأميركية في المدينة وغربها، بحيث باتت لأول مرة القوات الأميركية وقوات دمشق وجها لوجه. وروى قيادي كوردي أن ضابطا من قوات الحكومة تحدث مع ضابط أميركي قائلا له “نحن لسنا ضدكم، بل ضد تركيا”. واستمر تسيير الدوريات الأميركية قرب الجيش السوري من دون أي صدام.

لكن جهود سد الذرائع بقيت مستمرة. إذ أعلنت دمشق وموسكو قبل يومين أن الوحدات سحبت 400 من عناصر من منبج ردا على قول تركيا بأن تريد تطهير المدينة من الوحدات. هناك من شكك بدقة هذه الانسحابات كونها كانت إعلامية فقط لأن الوحدات لم تكن موجود أصلا. ورهان دمشق والوحدات ألا يتكرر خطأ عفرين وقتذاك منع الروس تطبيق تفاهمات الطرفين وسمح الروس لتركيا باستخدام الطيران لأن ما بين موسكو وأنقرة أكبر من عفرين ومما بين دمشق والقامشلي.

بالتزامن مع لعبة الشطرنج العسكري في رقعة منبج، كانت موسكو تستضيف وفدين في ذات اليوم في 29 الشهر الماضي: الأول، علني ضم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ووزير الدفاع خلوصي أكار ومدير المخابرات هاكان فيدان. الثاني، سري ضم قائد وحدات حماية الشعب الكوردية سيبان حمو. حمو التقى وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف ورئيس غرفة العمليات في هيئة الأركان سيرغي رودسكوي، حيث جرت اللقاءات قبل المحادثات الروسية – التركية وبعدها.

بحسب المعلومات، فإن موسكو تسعى إلى لعب دور الحكم للوصول إلى ترتيبات مقبولة تركيا وكورديا وبتفاهم مع دمشق وصفقة مع واشنطن. جدد الوفد الكوردي تأكيده الاستعداد لتسليم جميع الحدود السورية إلى دمشق لقطع الطريق على توغل تركي. هنا طرحت فكرة قيام شريط أمني داخل الحدود السورية مع تركيا. إذ أن الوفد التركي تحدث عن شريط بعمق 20 – 30 كيلومترا، مقابل قبول روسي لعمق بين 5 و10 كيلومترات.

لكن الوفد الكوردي أعلن رفض مقترح كهذا، إذ قال أحدهم “بإمكان تركيا أن تقيم شريطا أمنيا في أراضيها كما أن هناك قرى ومدنا كثيرة على الحدود ذات أغلبية كوردية”، في وقت بدا موقف أنقرة حاسما في رفض أي وجود للوحدات على الحدود أو عودة دمشق للسيطرة عليها كي لا تتكرر تجربة الثمانينات والتسعينات، بحسب مصدر دبلوماسي. وقال “أنقرة لا تريد عودة التعاون بين دمشق وحزب العمال كما كان قبل توقيع اتفاق أضنا في منتصف 1998”.

وتربط موسكو مصير شرق الفرات بمصير إدلب لدفع أنقرة لاستعجال تنفيذ تعهداتها في اتفاق سوتشي خصوصاً ما يتعلق بإقامة المنطقة الآمنة بعمق 15 – 20 كيلومترا وتحييد الإرهابيين وإعادة طريقي حلب – اللاذقية وحلب – حماة إلى دمشق. وهناك من يربط بين المفاوضات للوصول إلى ترتيبات والاقتتال بين فصائل معارضة وهيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) ذلك أن الأخيرة باتت تقترب لتكون وجها لوجه مع قوات الحكومة شمال البلاد بعدما كانت منعت الفصائل من القتال مع حلفاء انقرة شرق نهر الفرات.