قلبت شركة M42 الإماراتية مفهوم الرعاية الصحية رأساً على عقب، محدثة ثورة من خلال مفهوم جديد، يقوم على ترسيخ الوقاية قبل العلاج، باستخدام أحدث التقنيات، خصوصاً الذكاء الاصطناعي، للتشخيص وعلم الجينوم والبيانات الضخمة. يكتسب هذا المفهوم أهمية مضاعفة في عالم يشهد ضغوطاً شديدة ناجمة عن الإنفاق المتزايد على قطاع الرعاية الصحية، مع تقديرات بوصول حجم هذا الإنفاق إلى 10 تريليونات دولار بحلول عام 2026.
و M42 هي الأولى من نوعها في مجال الرعاية الصحية، التي تعتمد على التكنولوجيا. تأسست في نيسان (أبريل) 2023، بهدف رسم مستقبل مستدام للصحة، وهي تركز على تمكين الأفراد، الأصحاء والمرضى، من خلال إعادة الصحة إلى أيديهم. تقول الدكتورة سمية زاهر، المديرة التنفيذية لمستشفى دانة الإمارات للنساء والأطفال، وهي جزء من مجموعة M42، لـ”النهار”: “ما يميزنا هو طريقتنا الفريدة التي نعمل بها من خلال الذكاء الاصطناعي، والبيانات محور كل ما نقوم به”.
مرافق دولية
تدير M42 مرافق صحية بالتعاون مع مؤسسات دولية، مثل مستشفى “كليفلاند كلينك أبوظبي”. وتشرح زاهر، وهي طبيبة تتمتع بخبرة واسعة تزيد على 20 عاماً في أمراض النساء والتوليد، أن في المشهد الصحي العالمي، هناك مقدمو رعاية صحية كبار، وشركات رعاية صحية ثورية من دون أصول مادية فعلية، “لكن M42 جمعت بين الأصول المادية مثل مقدمي خدمات صحية رائدة عالمياً، والخدمات المدعومة بالتكنولوجيا والموجهة بالبيانات”.
الدكتورة سمية زاهر، المديرة التنفيذية لمستشفى دانة الإمارات للنساء والأطفال
بناء عليه، تغيّر التكنولوجيا مشهد الرعاية الصحية في الإمارات والعالم أجمع. فمن دونها لم يعد ممكناً مواجهة بعض التحديات الصحية. تقول زاهر: “التكنولوجيا تتيح لأولئك الذي يعيشون في مناطق نائية سهولة الوصول إلى الرعاية الصحية، كما تعزز الطب التشخيصي وتتيح الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الأشعة السينية، لتشخيص التشوهات بشكل أسرع كثيراً”، مضيفةً أنه بفضل الذكاء الاصطناعي، يمكن استخلاص كميات ضخمة من البيانات من سجلات المرضى، وأنماط حياتهم، ومعلوماتهم الوراثية، واستخدامها لتحديد الأفراد ذوي المخاطر المرتفعة قبل ظهور أعراض مرضهم ومؤشراته الأولى بوقت طويل.
سرطان القولون
62% من مرضى سرطان القولون والمستقيم في الإمارات رجال، ما يجعله أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين الذكور، وثالث أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين النساء.
وباستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في فحوص تنظير القولون، مع خوارزميات تحليل صور وفيديوهات الفحص لتحديد أي حالات غير طبيعية، وآفات، ومؤشرات على السرطان، يمكن الأطباء وضع خطط علاجية شخصية وإزالة الأورام الحميدة قبل السرطانية الأمر الذي قد يؤدي دوراً حقيقياً في تحسين متوسط العمر للمصابين بهذه الأمراض.
وما حجم استخدام قدرات الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي حالياً؟ تجيب زاهر: “ربما نستخدم نسبة ضئيلة للغاية من إمكانات الذكاء الاصطناعي. لكن في M42، ما يميزنا هو أننا نستعين بالأطباء كأصحاب مصلحة لضمان أن يكون كل تقدم في مجال الذكاء الاصطناعي ذا صلة بالفعل ويعالج مشكلة حقيقية للغاية للمريض”.
الواضح أن تحفيز الابتكار ليس مجرد شعار في هذه الشركة، إنما يدخل في حمضها النووي. وآخر ابتكاراتها MED42، نموذج لغوي سريري مفتوح المصدر، يبدو أنه يتمتع بآفاق ثورية. وتوضح زاهر أن الإصدار الثاني من MED42 هو “نموذج محسّن بالكامل يقربنا حقاً من رؤيتنا لمنصة الذكاء الاصطناعي المتعددة الوسائط التي تدمج النماذج عبر أنظمة بيانات الصحة، بما في ذلك النص، وعلم الجينوم، والسجلات الصحية، والتصوير. لذا، فإن هذا النموذج الكبير القائم على اللغة يسمح بجمع المعلومات من المريض وتحليلها، وسيكون قادراً على التوصل إلى تشخيص ومساعدة الأطباء على التشخيص بسرعة أكبر وبدقة أكبر”.
تفكير جديد
ووسط تحدٍّ جديد يفرضه أمن البيانات وخصوصية المريض أثناء دمج التكنولوجيا المتقدمة في أنظمة الرعاية الصحية، ثمة وحدة خاصة في الشركة لضمان الالتزام الأخلاقي بقوانين الخصوصية وقوانين مشاركة البيانات.
تقود الامارات، من خلال M42، نمطاً جديداً من التفكير في الرعاية الصحية يركز على الوصول إلى الأشخاص قبل أن يصيروا مرضى. فبالنسبة إلى الدكتورة زاهر، المعضلة الحقيقية هي “كيف نحافظ على صحة الناس. فنحن لا نقدم خدمات المستشفيات فحسب، إنما نتعامل مع المرضى الذين ينتظرون دخول المستشفى. نخرج إلى المجتمعات، وننظر إلى الرعاية الصحية الوقائية. لذا نعزز الصحة بدلاً من الرعاية الصحية. كل ما نقوم به يركز على النهج الشامل”.
هل باتت الإمارات اليوم أكثر استعداداً لجائحة جديدة بعدما سجلت قدرات كبيرة إبان أزمة كورونا؟ تجيب: “تعلمنا الكثير من الجائحة، وأعتقد أنها كانت مفاجأة لمقدمي الرعاية الصحية. الآن، نفهم بشكل أسرع كثيراً كيف يمكننا إخراج العلاجات على نطاق سريع وحقيقي. لذا أعتقد أننا مستعدون جداً في الإمارات لهذا الأمر، بل نحن متميزون في هذه الأمور، وأشعر حقاً أنني محظوظة كوني من المسؤولين عن الرعاية الصحية في الإمارات لأنها بيئة لا تقيدنا فيها البيروقراطية. المجال واسع للبحث، وكل شيء يتحرك بوتيرة سريعة، وهناك قيادة برؤية ثاقبة تعطي الصحة والوقاية الأولوية، ويمكن رؤية ذلك في أحدث سياسة وطنية تركيز على تحسين صحة المرأة”.