الطريقة الصحيحة للضغط على إيران

1

 

دينيس روس

ليس هناك شك يذكر حول موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران. فخلال حملته الرئاسية، وصف الاتفاق – المتعارف عليه في الأوساط الدبلوماسية بـ «خطة العمل المشتركة الشاملة» – بأنه أحد أسوأ الاتفاقات التي تم التفاوض عليها على الإطلاق. وفي الآونة الأخيرة، بعدما صادقت إدارته على التزام إيران بشروط «الخطة»، وهو ما يشترطه الكونغرس كل 90 يوماً، قال الرئيس الأمريكي “لو عاد الأمر لي، لكنت قد اعتبرت أن إيران لا تتقيد بالشروط منذ 180 يوماً”.

ومن الواضح أن الأمر قد يعود لترامب باعتباره الرئيس، حيث يشير إلى أن الولايات المتحدة لن تصادق في تشرين الأول/أكتوبر، عندما يتعيّن على الإدارة الأمريكية أن تحكم مجدداً على التزام إيران. وتتمثل المشكلة التي تواجه إدارة ترامب في أن “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” (“الوكالة”)، التي تراقب برنامج إيران النووي، اعتبرت مجدداً أن الجمهورية الإسلامية تفي بالتزاماتها بموجب «خطة العمل المشتركة الشاملة». وبالتالي، إذا لم تصادق إدارة ترامب [على التزام إيران] – الأمر الذي يمهد الطريق فعلياً أمام الانسحاب من الاتفاق – ستساهم هذه الخطوة في عزل الولايات المتحدة عن كل من “الوكالة” والدول الأخرى التي شاركت في المفاوضات النووية مع إيران.

إن التعبير عن الامتعاض من الجمهورية الإسلامية أمر مفهوم، لا سيما نظراً إلى أعمال طهران في سوريا ومختلف أنحاء الشرق الأوسط. لكن الهدف الأمريكي في هذه المرحلة يجب أن يتمثل بعزل إيران وليس الولايات المتحدة. فما تريده واشنطن هو أن يركّز العالم اهتمامه على تصرفات إيران السيئة وليس على ما سيعتبره بعض حلفاء الولايات المتحدة سلوكاً سيئاً من جانبها.

ويمكن مناقشة ما إذا كانت «خطة العمل المشتركة الشاملة»، هي في الواقع اتفاقاً جيداً. ففي النهاية، كانت الدول الست الأكثر قوة في العالم – الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا – تتفاوض مع الإيرانيين، لكنها غالباً ما بدت أنها ترغب في الاتفاق أكثر من الإيرانيين أنفسهم. ومع ذلك، تفاوض الإيرانيون بشأن برنامجهم النووي، واضعين قيوداً صارمة عليه، بعدما كانوا قد صرحوا أنهم لن يفعلوا ذلك ما لم تُرفع العقوبات أولاً. وعوضاً عن ذلك، فعلت الولايات المتحدة العكس وشدّدت العقوبات. ولا بدّ من الاستفادة من هذه العبرة الآن في وقت تستخدم فيه إيران قوات «فيلق القدس» – ذراع العمليات التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني – والميليشيات الشيعية من أماكن بعيدة مثل أفغانستان، في سوريا ودول أخرى في الشرق الأوسط. وإذا اعتبرت الولايات المتحدة أن مثل هذه الإجراءات من شأنها أن تعمّق الطائفية لا محالة وتزعزع الاستقرار – ويجدر بها ذلك – يجب أن توجّه سياستها الحالية تجاه إيران نحو توضيح أنه بإمكان واشنطن أن تعود وترفع الثمن الذي لا بدّ لإيران أن تتكبّده.

وأثناء إدارة أوباما، غالباً ما كنتُ أعتبر أنه إذا أرادت الولايات المتحدة تعزيز موقف الرئيس حسن روحاني والدائرة الانتخابية الأكثر براغماتيةً في صراعات النخبة الإيرانية، على واشنطن أن تثبت أن ما كان يفعله رئيس «فيلق القدس» قاسم سليماني في المنطقة يكبّد إيران أثماناً على المستويين الاقتصادي والسياسي. ولسوء الحظ، فإن سليماني، الذي كان في الماضي شخصية غامضة، يجوب اليوم المنطقة ويبدو أنه يحقق نجاحات كبيرة في الوقت الذي تدعم فيه بلاده الأسد، وتعزّز وجودها في سوريا والعراق باستخدامها الميليشيات الشيعية، وتزوّد الحوثيين في اليمن بالصواريخ وبمستشارين من «حزب الله».

يجدر بإدارة ترامب التركيز على استراتيجية للتصدي لهذا السلوك الإيراني، عبر إظهار أنه سيكبّد الجمهورية الإسلامية أثماناً، وإثبات أن طهران ستتسبب بعزل نفسها وتحول دون أي تطبيع للعلاقات مع المجتمع الدولي.

وهذا الأمر يقود الولايات المتحدة إلى المفارقة التالية: إن التركيز على «خطة العمل المشتركة الشاملة» – بصرف النظر عن قيودها الحقيقية – لن يتصدى لأي من التهديدات الإيرانية الحالية، من بينها الخطر الفعلي المتمثل باستعداد إيران لاستخدام الميليشيات الشيعية لملء الفراغ الناتج عن هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» في الرقة.

وفي الوقت الراهن، على الولايات المتحدة إقناع حلفائها الأوروبيين بالانضمام إليها في رفع الثمن الذي لا بدّ لإيران من أن تدفعه، حيث أن إدارة ترامب ستبعدهم بالتأكيد إذا بدا أنها تنسحب من «خطة العمل المشتركة الشاملة». وعندئذ، ومن المؤكد أنها لن تساهم في تسليط الضوء على ما تفعله إيران مع «حزب الله» والميليشيات الشيعية الأخرى في تعزيز مصداقية الإدارة الأمريكية إذا بدا أنها ترفض أو تعارض النتائج التي توصلت إليها “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بشأن امتثال إيران لبرنامجها النووي. فعوضاً عن قيام الولايات المتحدة بتسهيل انضمام حلفائها إليها، ستجعل الأمر أكثر صعوبة.

وكانت إدارة ترامب تراجع استراتيجيتها تجاه إيران، وهذا ما عليها فعله. لكن يجب ألا تعتبر مقاربة الولايات المتحدة إزاء «خطة العمل المشتركة الشاملة» بديلاً عن استراتيجية أوسع نطاقاً.

وكشخص تنتابه مخاوف من أن تؤدي «خطة العمل المشتركة الشاملة» إلى إضفاء الشرعية على بنية تحتية نووية إيرانية كبيرة والحفاظ على خيار الأسلحة النووية متاحاً أمام الجمهورية الإسلامية، أعتقد أنه يجب على الولايات المتحدة الاستفادة من الوقت الذي وفّره الاتفاق لتعزيز قوتها الرادعة ليدرك الإيرانيون ما سيخسرونه إذا قرروا المضي قدماً في تطوير الأسلحة. ويتطلب ذلك أيضاً بناء الشرعية للقضية الأمريكية في وجه ما يفعله الإيرانيون – وبالتالي جعل طهران تأخذ التهديدات الأمريكية على محمل الجد.

التعليقات معطلة.