نعمت أبو الصوف
لقد كانت أسواق النفط الخام أكثر تشددا في هذا الصيف من أي وقت مضى على مدى العامين الماضيين، وكان رأس مال المضاربين يصب في أسواق النفط الآجلة / الورقية. السؤال هو لماذا إذا لم تتمكن أسعار خام برنت القياسي من الارتفاع إلى مستوى 55 دولارا للبرميل وهو الهدف الذي يسعى إليه جميع المنتجين؟ ولكن مع تقدم النصف الثاني من العام بدأت الضغوط التنازلية تلوح في الأفق، حيث إن ميزان العرض والطلب يظهر مرة أخرى وجود فائض في الأسواق، ومخزونات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في ارتفاع. لذلك مهمة “أوبك” لتحقيق التوازن في السوق سوف تزداد صعوبة.
ولكن الفائض يمكن أن يكون أكثر تشددا من الفائض الحالي المقدر بنحو 800 ألف برميل في اليوم إذا ما واجه المنتجون سريعو النمو بعض الصعوبات أو أحدث نمو الطلب مفاجأة في الاتجاه التصاعدي، كما حدث في الربع الثاني من العام. في الوقت الحالي، لا تزال الدول الأعضاء في منظمة أوبك المعفاة من اتفاق خفض الإنتاج مثل ليبيا ونيجيريا تضخان مزيدا من النفط إلى الأسواق، حيث أنتجت ليبيا 465 ألف برميل في اليوم أكثر في شهر تموز (يوليو) مقارنة بشهر تشرين الأول (أكتوبر)، وهو الشهر الأساسي الذي يستخدمه أعضاء “أوبك” لقياس مدى الالتزام باتفاق خفض الإنتاج، كذلك ارتفع إنتاج نيجيريا بمقدار 305 آلاف برميل في اليوم للفترة نفسها.
من جهة أخرى، من المتوقع أن يرتفع الإنتاج من خارج دول “أوبك” بمعدل 1.45 مليون في اليوم في النصف الثاني مقارنة بالأشهر الستة الأولى من العام، ما يعوض عن معظم الارتفاع المتوقع في الطلب على النفط بين الفترتين والمقدر بنحو 1.8 مليون برميل في اليوم.
لقد بدأ النصف الثاني من عام 2017 أكثر صعوبة بالنسبة إلى “أوبك”. ولأول مرة منذ بدء تنفيذ اتفاق خفض الإنتاج في كانون الثاني (يناير)، خفض المنتجون العشرة غير الأعضاء في “أوبك” مزيدا من الإنتاج في تموز (يوليو) مقارنة بأعضاء “أوبك” المشمولين بالاتفاق، ما أضعف قدرة “أوبك” على السيطرة على أسواق النفط الخام. يعود السبب في ذلك إلى ارتفاع الإنتاج من الأعضاء المعفين من الاتفاق أمثال ليبيا ونيجيريا وضعف امتثال بعض الدول مثل العراق والإمارات العربية المتحدة. وإضافة إلى ذلك، ارتفعت مخزونات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بنحو ثمانية ملايين برميل في تموز (يوليو)، وفقا للبيانات الأولية، ما عكس انخفاض النصف الأول من العام.
ومما زاد من تعقيد الأمور، أن هوامش أرباح المصافي العالمية القوية وعمليات الشراء القوية من مصافي التكرير الآسيوية لتغذية طاقت التكرير الجديدة قد ساعد في تعزيز الطلب على النفط بصورة أقوى مما كان متوقعا في الأشهر الأخيرة. ولكن البعض قلق من أن معدلات تشغيل المصافي الحالية ستحبط الأسواق بفائض من مخزونات المنتجات المكررة إضافة إلى ميزان عرض وطلب ضبابي. وينبغي أن تكون إمدادات النفط الخام أقل بكثير مما كان متوقعا خلال بقية العام لتحويل فائض السوق إلى عجز.
وإذا أرادت منظمة أوبك أن تعيد مخزونات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى متوسط الخمس سنوات بحلول آذار (مارس) 2018 ــ عندما ينتهي اتفاق خفض الإنتاج الحالي ــ يجب سحب نحو 214 مليون برميل من الخزانات. مع بقاء نحو 240 يوما إلى هذا الموعد، هناك حاجة إلى عجز في المعروض بنحو 875 ألف برميل في اليوم. وقبل أن يبدأ التزام “أوبك” بالانخفاض بسرعة في تموز (يوليو)، انخفضت مخزونات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بنحو 40 مليون برميل منذ كانون الثاني (يناير).
لقد حاولت المملكة العربية السعودية طمأنة الأسواق أن “أوبك” ملتزمة باتفاقها لخفض الإنتاج، وأن المملكة أعلنت عن تخفيضات في الصادرات لشهري آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر)، ما ساعد أسعار خام برنت على التمسك بـ50 دولارا للبرميل. لكن السعودية تواجه رياحا عكسية كبيرة، كما أن ميزان العرض والطلب لعام 2018 لا يشير إلى عودة سريعة لإعادة التوازن. ما هو أكثر من ذلك، إن التخفيضات السعودية في الصادرات تفعل القليل لمساعدة ميزان العرض والطلب الشامل إذا حافظت المملكة على الإنتاج دون تغيير، حتى لو جعلت أسواق النفط الخام تشعر أكثر تشددا. وقالت المملكة إنها في شهر آب (أغسطس) ستخفض كميات العقود بمقدار 600 ألف برميل في اليوم، وستفعل ذلك بمقدار غير محدد في أيلول (سبتمبر). وقد ساعدت هذه التخفيضات على دفع أسعار عقود خام برنت الآجلة إلى حالة التراجع Backwardation، أي أن أسعار الشهر الفوري أعلى من أسعار الأشهر اللاحقة، وهو مؤشر على وجود سوق مشددة.
ولكن نمو الإنتاج يمكن أن يرجع أسعار خام برنت مرة أخرى إلى حالة “الكونتانجو” Contango، أي أن الأسعار المستقبلية “الآجلة” أعلى من الأسعار الفورية. وما يزيد من تعقيد مهمة “أوبك” هو نمو سوائل الغاز الطبيعي NGLs. حيث إن 20 إلى 25 في المائة من النمو المتوقع في الطلب العالمي على المنتجات المقدر بنحو 1.4 مليون برميل في اليوم يمكن أن يلبى عن طريق سوائل الغاز الطبيعي وليس النفط الخام، وذلك من خلال استبدال المواد الأولية للبتروكيمياويات والمنافسة على المنتجات المكررة من منتجات من مصافي المكثفات.