مارغريت أتوود «تنتقم» بجائزة فرنكفورت

1

 
لم تفز الشاعرة والروائية الكندية مارغريت أتوود بجائزة نوبل للآداب لهذا العام، مع أن اسمها كان حاضراً بقوة في قائمة الترشيحات كما في كل دورة. لكنّ المفاجأة أطلقها الكاتب البريطاني- الياباني إيشيغورو، الفائز بنوبل 2017، حينما قال في مقابلته الأولى بعيد فوزه بالجائزة الأشهر عالمياً: «أعتذر من أتوود بصدق. لطالما ظننت أنها هي من سيفوز. لم أكن أظن العكس ولو لوهلة. كنت ولا زلت آمل بأنها ستفوز قريباً».
لم تمرّ أيام، حتى حصدت «ملكة الديستوبيا»، التي كتبت عن عالم واقعي فاسد يناقض اليوتوبيا، جائزة «السلام» التي تُرافق معرض فرانكفورت الدولي، وهي الجائزة التي يتردد أنها تمهد الطريق أمام الفوز بنوبل، لتكون بذلك السيدة العاشرة التي تحصل على هذه الجائزة منذ تأسيسها عام 1950. تلا ذلك فوزها بجائزة فرانز كافكا عن مجمل أعمالها التي بلغت نحو سبع عشرة رواية وسبعة كتب للأطفال وأكثر من عشرين ديواناً شعرياً.
منذ أكثر من خمسين عاماً، لم تتوقف الروائية السبعينية عن الكتابة قط. امتازت رواياتها بتكهن ابتكارات وأحداث كارثية ستحدث في المستقبل. تحدثت عن حيوانات مهجنة ونباتات غريبة، عن أوبئة مخيفة، وتقنيات حيوية كاد وجودها يكون مستحيلاً، ولكن مع مرور الأعوام ثبت أن أتوود كانت محقة. وهي تقول في هذا السياق: «أنا لا أقرأ الغيب… حتى أنني أشعر بالأسف لأنني أصبت». أما عن تصنيف رواياتها في خانة الخيال العلمي، فتردّ:» روايات الخيال العلمي تتحدث عن الوحوش والسفن الفضائية. ما أكتبه يقع في إطار الكتابات التأملية عما قد يحدث فعلاً، لا أكتب عن كوكب غريب… إنه عالمنا مع بعض التحوير».
في روايتها الأكثر شهرة وتداولاً، «قصة الخادمة» (1985)، تتحدث أتوود عن مجتمع مقيت يقوم على استعباد النساء وتحويلهن إلى آلات للإنجاب. ولكن، نتيجة تدمير البيئة، يسود العقم في مدينة «غيلياد» الفاسدة. بعد وصول رجال دين متشددين إلى سدة الحكم، تقسم النساء إلى فئتين عموماً. فئة ترتدي عباءات حمراء قرمزية اللون تخضع للاستعباد الجنسي لإنجاب الأطفال من القادة الأقوياء، وفئة ترتدي الأزرق، هنّ زوجات هؤلاء القادة، العاقرات، ممن يأخذن الأطفال عنوة من أمهاتهن.
في إحدى مقابلاتها تقول أتوود «بعضهم اعتبر روايتي ضرباً من الخيال وقت صدورها، لكنني كنت متأكدة أنني لا أتحدث عن شيء لم يفعله البشر بالفعل في مكان ما وفي وقت ما. ترون مؤشرات إلى ما تحتويه الآن. إن بعضهم لجأ إلى كندا منذ انتخاب ترامب، تماماً مثل بطلة الرواية التي تحاول الفرار إلى كندا».
في الواقع، أجّلت أتوود كتابة الرواية ثلاثة أعوام ظناً منها أن فكرتها مجنونة بعض الشيء، لكنها سرعان ما لاحظت أن الكثير من الأحداث وقعت بالفعل وبالتالي هي ليست بعيدة تماماً عما يجري في المجتمع. كانت تدرك أن هذه الرواية ستحدث خضة أدبية، وبالفعل لا تزال الرواية تحتل مكانة متقدمة في قائمة أكثر الروايات مبيعاً حتى يومنا هذا، وقد زاد من تكريس مكانتها أخيراً، مسلسل مقتبس عنها أنتج أخيراً وحقق نجاحاً باهراً حتى أنه فاز بخمس جوائز ايمي.
وعلى رغم ان رواياتها غالباً ما توسم بأنها نسوية، ترفض أتوود هذا التصنيف موضحة:» في كل مرة نكتب شيئاً من وجهة نظر المرأة، يضمه الناس الى فئة «النسوية» وهذا ليس صحيحاً».
بالعودة إلى رؤيتها العلمية الفذة وما يرد من معلومات علمية دقيقة في رواياتها، تشعر أتوود بالفخر حين تتحدث عن انعكاس عمل والديها العلمي على أدائها الروائي. والدها كارل أتوود هو عالم نبات شهير، ووالدتها عالمة في مجال التغذية. وبسبب تنقل والدها المستمر في غابات كوبيك الشمالية وأدغالها من اجل متابعة أبحاثه، اعتادت العائلة مرافقته، فكانت الغابات الموطن الأول الذي اعتادت عليه مارغريت. وفي غياب التلفزيون والسينما، واقتصادر دور المذياع على معرفة تطورات الحرب العالمية الثانية، لم يكن هناك سوى الكتب لتسليتها هي وأخيها، فأصبحت قارئة نهمة للأدب وحكايات الجنيات وقصص الحيوانات الكندية والكتب الكوميدية، لا سيما أنها كانت تدرس من المنزل ولم تلتحق بالمدرسة قبل بلوغها الـ11 سنة.
استطاعت أتوود أن توظف خبرتها في «عالم الغابات والحيوان» لاحقاً في رواية «عين قطة». ومن وحي كتاباتها، لقّبت بـ «ذات الرأسين» تيمناً بقصيدة كتبتها تحمل العنوان نفسه، هي التي تملك إلى جانب حسها الأدبي، عقلاً يجنح نحو العلم والتكنولوجيا. فهي تبني عالم روايتها من خلال بحث حقيقي عن ظروف وعادات واهتمامات العصر الذي تجري فيه الرواية وتقرأ الكثير من الأبحاث الحيوية والتكنولوجية الجديدة خوفاً من أن تقع في أي خطأ قد يكشفه قراؤها من خبراء العلوم، على حد قولها.
ترشحت أتوود لجائزة البوكر خمس مرات، إلى أن فازت عام 2000 عن روايتها «القاتل الأعمى» التي تتحدث عن شقيقتين، إحداهما انتحرت بعد الحرب العالمية الثانية نتيبجة مقتل حبيبها خلال القتال، وأخرى أصبحت مسنة وجلست تستعيد ذكريات طفولتها وعلاقتها غير الشرعية بحبيب شقيقتها، إضافة إلى زواجها التعيس من رجل يكبرها سناً. حين فازت بالجائزة اعتبر كثيرون من النقاد أنه ليس الكتاب الأهم لأتوود، لكنّ ذلك لم ينتقص من فرحتها بالجائزة هي التي اعتادت دوماً أن تتجاهل النقاد.
ومن رواياتها التي لاقت شهرة، «البينلوبية»، التي قامت من خلالها بإعادة تركيب أسطورة «الأوديسة» لهومر، ضمن مشروع ثقافي قامت به إحدى دور النشر حين طلبت من أتوود اختيار أسطورة معروفة ونقضها، وبالفعل هذا ما فعلته حين حولت بينيلوبي الى رمز للوفاء إذ انتظرت رجوع زوجها عشرين عاماً، فيما تحول أوديسيسوس الذي اختفى بعد حرب طروادة، الى رجل كاذب مخادع بحيث أن كل ما رواه من بطولات محض ادعاء.
ومن المعروف عن أتوود، الناشطة البيئية، حماستها للأفكار الغريبة، منها على سبيل المثل مشاركتها في مشروع «مكتبة المستقبل» في أوسلو، بحيث يقوم كل روائي مشارك بتأليف كتاب يتم حفظه في هذه المكتبة في احدى غابات اوسلو ليجري نشره بعد قرابة قرن.
وإضافة إلى نجاحها في عالم الرواية، تُعدّ أتوود واحدة من أهم شعراء عصرها. في الستينات، نجحت في أن تكون واحدة من أبرز كتّاب الشعر الأنطولوجي، ونشرت اولى دواوينها الشعرية «لعبة الدائرة» عام 1966، حيث نالت جائزة الحاكم، لتتوالى بعد ذلك كتباتها الشعرية التي لاقت استحسان النقاد منها» الحيوانات في تلك البلاد»، «أنت سعيد»، «صباح في منزل محروق».
أمّا السؤال الأهمّ، بعد جائزتي «بوكر» البريطانية و «السلام» الألمانية، هل تحظى آتوود بنوبل في الدورات المقبلة؟

التعليقات معطلة.