خالد علي عبدالخالق
يعتبر مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ ان تأسس عام 1981 من نماذج التكتلات الاقليمية العربية الناجحة والتى استطاعت الصمود في وجه التحديات التى عصفت بالمنطقة العربية على مدار العقود الماضية وحتى الان ، ظل هذا المجلس قائم وفعال في اطاره الاقليمي الخليجي في وقت تداعت فيه كل التجارب الوحدوية العربية التى سبقته والتى تلته ، فمنذ تأسيس ما يعرف سياسياً بالنظام الاقليمي العربي منتصف القرن الماضي وانشاء جامعة الدول العربية في عام 1945 سمح ميثاق الجامعة العربية بأن تتكون مجالس وتكتلات على اساس اقليمي او جغرافي ، وفي هذا السياق تكونت نماذج عدة ، كاتحاد المغرب العربي ومجلس التعاون العربي واتحاد الجمهوريات العربية و الجمهورية العربية المتحدة وغيره كثير ، كل تلك التجارب الوحدوية تداعت وتفككت لاسباب عدة ، وما انطبق على الكل ” الجامعة العربية ” من اخفاق وعدم فاعلية او حل المشكلات بين الدول الاعضاء ، ينطبق على الجزء سواء مجلس التعاون الخليجي او غيره من مجالس وتجارب وحدوية سابقة .
كان مجلس التعاون الخليجي إستثناء ، ظل صامد يواجه التحديات قادر على التحدي وعدم الاستجابة لكل محاولات عرقلته او التقليل منه او تهميش دوره ، صحيح ان المجلس لم يستطع ان يصل بآلياته وسياساته وقراراته الى مستوى الكمال ؛ فقد اخفق المجلس في الوصول الى اتفاق بشان العملة الخليجية الموحدة ، ولم يتطور عمل واداء المجلس ليصل الى الاتحاد ، و كان للامارات موقف من مشروع الاتحاد النقدي لدول مجلس التعاون الخليجي وأعلنت انسحابها من المشروع احتجاجا على عدم اختيارها مقر المصرف المركزي الخليجي ، كذلك سلطنة عمان لم تنضم لمشروع الاتحاد النقدي .
وبالرغم من تلك المعوقات والاخفاقات ؛ الا انه استطاع ان يحافظ على الحد الادني من التضامن والامن الوطنى لدول الخليج العربي . واجه المجلس تحديات كبيرة كتباين السياسات بين الوحدات السياسية المكونة له ولعل ابرز القضايا السياسية الخلافية بين اعضائه كان الموقف من ايران ، فبالرغم من العداء والخلاف بين السعودية والبحرين والامارات من جهة وايران من جهة اخرى ، الا ان سلطنة عمان وقطر لهما رؤية مختلفة عن بقية دول الخليج بل ان العلاقات بين الدولتين وايران اقرب واقوى من علاقاتهما بدول الخليج الباقية بل تعتبرها قطر وعلي حد قول وزير الدولة القطري للشئون الخارجية سلطان المريخي أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة يوم الثاني عشر من سبتمبر الماضي.”انها دولة شريفة ” . وفي حقيقة الامر ان موقف كلتا الدولتين لم يكن بالجديد ، فسلطنة عمان كانت استضافت اجتماعات بين ايران والقوى الدولية 5+1 بشان الملف النووي الايراني لم يعلن عنها الا قبيل التوصل وتوقيع الاتفاق النووي الايراني عام 2015 وكان سببا في احداث صدمة لدى السعودية والامارات ، كما ان وزير الخارجية العماني يوسف بن علوى اعلن خلال احدى مقابلاته التلفزيونية على تلفزيون ” بي بي سي ” ان علاقة بلاده وايران كانت وستظل قوية رغم تحفظات واعتراض بعض الدول . وبالرغم من ذلك فقد استطاعت الدول الخليجية الثلاث السعودية الامارات البحرين ان تتفاهم وتتعاون فيما بينهم حتى يحافظوا على هذا التكتل الخليجي ، الا ان تطورات الاحداث في المنطقة العربية ودخول الدول الخليجية في صراع فيما بينهم انعكس علي مجلس التعاون وترجم في القمة الخليجية في دورتها 38 التى تعد قمة خليجية فريدة من نوعها منذ تأسيس المجلس ، فكانت القمة الاقل تمثيلا في تاريخ قمم مجلس التعاون الخليجي فلم يشارك بها ايا من الملوك او الامراء او الشيوخ وكان مستوى التمثيل على درجة وزير خارجية او زير دولة او نائب رئيس وزراء ، كما تم اختزال واختصار القمة في ساعات بعد ان كان يتم الاعداد والتحضير والنقاش يستمر لايام بين الملوك والامراء في الدول الخليجية .
لم يكن مستوى الحضور المؤشر الوحيد على تراجع التعاون الخليجي في اطار مجلس التعاون بل خلال عقد الاجتماع على مستوى القمة اعلن عن تشكيل لجنة للتعاون العسكري والاقتصادي والسياسي والإمني بينها وبين السعودية، يَرأسها وليا عهد الإمارات والسعودية، في رسالة واضحة تقول أن هذه اللجنة هي البديل الجديد لمجلس التعاون القديم. وسوف تنضم لها البحرين لاحقا . وبذلك نجد ان مجلس التعاون المكون من 6 دول انقسم على نفسه بين 3 دول ترى في ايران العدو الاكبر ومصدر التهديد وعدم الاستقرار في المنطقة وعلى قطر ان تراجع سياساتها بحق الاشقاء الخليجيين ، وبين دولتين هما سلطنة عمان وقطر يرون ان ايران يمكن التعامل معها والتعاون معها ايضا . اما الكويت ارادت لعب دور الوسيط و لم تتخذ موقف مؤيد ومساند للدول الثلاث السابقة ولعل هذا ما دفع السعودية الى رفض هذا الدور ولو ضمنيا و قد عبرت عنه بأسلوبين الاول هو رفض حضور الملك سلمان او ولي العهد لقمة الكويت وان يكون التمثيل على مستوى وزير الخارجية ، والثاني برز من خلال الحملات الصحفية والمقالات التى نشرت في الصحف السعودية وانتقدت موقف الكويت من الازمة مع قطر بل ان الصحافة السعودية وعدد من الكتاب السعوديين المقربين من النظام السعودي امثال عبدالله الراشد وغيره ، ذكروا الكويت بموقف المملكة المشرف معها ابان الغزو العراقي للكويت عام 1990 وانه على الكويت ان ترد الجميل وان تقف مع السعودية في تلك الازمة . وبالرغم من ان امير الكويت رئيس الدورة الحالية لقمة مجلس التعاون الخليجي ، فان البيان الختامي واعلان الكويت لم يتضمنا اي اشارة للازمة الخليجية مع قطر و هذا يعد بمثابة اعلان لانتهاء الوساطة الكويتية في تلك الازمة . وعلى ما يبدوا ان القمة القادمة لن تكون افضل حالا من السابقة خاصة وان سلطنة عمان ستترأس القمة القادمة في دورتها 39 وبذلك فان القرارات التى ستتخذ في القمة المقبلة لن يختلف عن القرارات التى اتخذت في قمة الكويت الحالية .
الاعلان عن اللجنة المشتركة بين الامارات والسعودية لم يواكبة انسحاب من مجلس التعاون الخليجي ولن يعلن احد الانسحاب من المجلس ؛ لان لا احد يريد ان يتحمل المسئولية التاريخية والسياسية والاخلاقية للتبعات السياسية لمثل هذا الاقرار ، لكن ضمنيا باتت المنظومة الخليجية مهددة في وحدتها واصبح مجلس التعاون الخليجي بعد قمة الكويت في طريقة الى مرحلة التجميد حتى اشعار اخر او يلحق بغيره من المجالس وتجارب الوحدة العربية الفاشلة .