مذبحة سيناء.. إرهاب الجنون واليأس

2

رولان جاكار
– كيف يمكنك تحليل الطابع بالغ الدموية الذى اتسم به الهجوم الذى استهدف مسجد «الروضة» التابع للصوفيين فى سيناء؟ لماذا هذا التصعيد فى الرعب والعنف، برأيك؟
– العنف الشديد وغير المسبوق الذى ميز هذا الهجوم لا يندرج فقط فى سياق تصعيد إرهابى من النوع التقليدى المرتبط بالمزايدة فى العنف الدموى بين الجماعات الجهادية، كما رأينا سابقا فى مناسبات عديدة، فى الفترات المفصلية التى شكلت منعطفات فى مسار وتطور الحركات الإسلامية (انقسام الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية بفعل الخلافات الداخلية، عام ١٩٩٧؛ سقوط الملاذ الأفغانى الذى كان يأوى تنظيم القاعدة، بعد ١١ سبتمبر ٢٠٠١…).
الهمجية البشعة لمجزرة سيناء تندرج أساسا ضمن أعراض اليأس والضيق الشديد الذى تعانى منه داعش وأذرعها الإقليمية، بمن فى ذلك فرعها الإرهابى فى سيناء، إثر تفاقم هزائم والخيبات التى منى بها التنظم فى المعاقل الرئيسية لدولة الخلافة المزعومة، فى سوريا والعراق.
– ما طبيعة الوباء القادم الذى تبنئ به هذه الأعراض التى تحدثت عنها؟
– مذبحة سيناء، فى رأيي، تدشن موجة إرهابية من نوع جديد. إننا نشهد ولادة شكل مستجد من أشكال العنف الجهادي: إرهاب الضياع واليأس! بفعل حصره فى الزاوية، بدأت فلول داعش تغرق فى مستنقع إرهاب جنونى يستحق تسمية الإرهاب الأعمى أكثر من أى وقت مضى!
داعش، الذى شهد انهيار حلم الخلافة المزعومة، لم يعد لديه حاليا أى أهداف أو استراتيجيات محددة، ناهيك عن أنه لم يأبه بالاعتبارات أو التكتيكات أو الحسابات الانتهازية المرتبطة بالحفاظ على صورة إيجابية له لدى جمهوره من الإسلاميين، أو حتى ضمن الدائرة الضيقة للتيارات السلفية الجهادية.
هذا الانهيار الشامل، الذى يشمل كيان داعش وبنيته التنظيمية ورؤيته الأيديولوجية الأصل، سيزج حتما بالأذرع الخارجية التابعة للتنظيم، سواء فى مصر أو فى مناطق ودول أخرى، نحو موجة من العنف الجنونى والتقتيل الدموى اللذين لن يخضعا بعد الآن لأى قواعد منطقية أو ضوابط أيديولوجية.
– بالفعل، هجوم سيناء ينم عن ضرب من العنف الجنونى غير المسبوق. فمن كان يتصور أن جماعة تدعى أنها تتبنى فكرا إسلاميا راديكاليا يمكن أن تتهجم على المؤمنين فى مسجد أثناء صلاة الجمعة؟
– بالفعل، لم يكن بإمكان أحد أن يتنبأ مسبقا بانحراف مثل هذا يتسم بهجمية قصوى، ويصل به الأمر إلى حد تدنيس حرمة وقدسية أماكن العبادة الإسلامية نفسها! لكن هذا الأمر، فى الحقيقة، جاء تتويجا لمنزلق بطيء وطويل الأمد. بدأ ذلك بشن هجمات على الكنائس المسيحية والمعابد اليهودية، فى مصر وتونس وبلدان أخرى كالفلبين. ثم طالت الهجمات المساجد الشيعية، فى العراق وباكستان وحتى فى إيران.
اللافت أنه فى عهد تنظيم القاعدة، كانت مهاجمة أماكن العبادة، سواء كانت مسيحية أو يهودية أوتابعة لمذاهب إسلامية مغايرة، تثير جدلا كبيرا بين المرجعيات الدينية للتنظيم وبين قادته الميدانيين. أما داعش، فقد تمرد بسرعة من السلطة المعنية للمرجعيات الدينية للتيارات السلفية – الجهادية، لأن الغالبية العظمى من تلك المرجعيات رفضت تأييد أو مباركة دولة الخلافة الدعائية المزعومة.
بالتالي، فإننا نواجه حاليا من عواقب هذا التمرد على السلطة المعنية لمنظِّرى التيارات السلفية -الجهادية من قبل «الذئاب الشابة» من جهاديى الجيل الداعشي. وهذا يشبه إلى حد لافت ما حدث، خلال النصف الثانى من التسعينيات، فى صفوف الجماعات الإسلامية المسلحة الجزائرية. ما تمخض عن موجة «المجازر الجماعية» المعروفة، عامى ١٩٩٧ و١٩٩٨.
كل هذه العوامل تنبئ بأننا على مشارف بروز ظاهرة إرهابية مثيرة للقلق ستكون سمتها الأساسية «القتل الجماعي». ويُخشى أن تتصاعد هذه الظاهرة وأن تتفاقم همجيتها، كلما تزايد تضييق الخناق على التنظيم الأم الداعشي، وتفاقمت هزائمه وخيباته فى معاقله الرئيسية فى سوريا والعراق.

التعليقات معطلة.