مع تفاقم أزمات اللاجئين.. كيف أصبحت تتم «صفقات» الزواج؟

1

 

ميرفت عوف

فرضت الظروف التي يمر بها اللاجئون العديد من التغيرات على ظروفهم الحياتية، أهمها أنه أصبح يعتبر الزواج من قاصر أو غني راحل أو رجل معدد الزوجات هو الملاذ الأخير في مواجهة الظروف العسيرة. فقد فرضت هذه الظروف ما سمي بـ«إستراتيجيات ناجحة» لمواجهة الحالة العصيبة التي يمر بها اللاجئون، ففرض على القاصرات الزواج، وعلى غيرهنّ الزواج عرفيًا، من رجل ثري تتيقن في الغالب العروس وذووها أنه سيتركها بما «حملت» بعد أيام، لكن المبالغ التي يُسمعها لهم «سماسرة الزواج» مغرية.

«شراء» رجال أتراك لفتيات سوريات لاجئات

خلال الأيام القليلة الماضية، نشرت صحيفة «ذي صانداي تايمز« البريطانية تقريرًا حول ما أسمته ظاهرة «شراء رجال أتراك لفتيات سوريات لاجئات»، يتمحور التقرير حول زواج الرجال الأتراك من السوريات زواجًا ثانيًا. فبالرغم من منع القانون التركي لتعدد الزوجات، إلا أن الأتراك يقدمون على الزواج من السوريات دون التسجيل في الدوائر الرسمية المختصة؛ بغية إعفائهم من الحقوق القانونية، وتؤكد الصحيفة أن «الحال ينتهي بمعظم هؤلاء الفتيات، إما بهجران أزواجهن لهن، أو بهروب الفتاة بسبب سوء معاملة الزوج، وبعد ذلك تعود بعضهن للعيش مع أسرهن، لكن البعض الآخر ينبذن من قبل عائلاتهن، ولا يجدن أمامهن من خيار، سوى العمل في الملاهي».

عروس سورية (المصدر : وكالة الاناضول)

فيما يتعلق بالأرقام، خرجت إحصائية رسمية عام 2016 تؤكد أن السوريّات يتصدَّرن قائمة الأجنبيات الأكثر زواجًا من الأتراك، حيث حصلت السوريات على ما نسبته 19% من أصل 22 ألف عروس أجنبية، متفوقات بذلك على الألمانيات اللواتي بلغت نسبتهن 14.3%، كما تظهر الدراسة أن إقبال الأتراك على الزواج من السوريات ارتفعت في هذا عام 2016 بنسبة 82٪ مقارنة بالعام 2015.

وقد دفعت الأوضاع الصعبة بالكثير من العائلات السورية في تركيا (قرابة 3 ملايين لاجئ) بقبول عروض الزواج تلك، فالكثير منهم لا يملكون الحقّ في العمل، ويعانون في الحصول على سكن وظروف معيشيّة مناسبة. تقول الخبيرة الاجتماعية في جامعة العلوم الاجتماعية في العاصمة التركية أنقرة «توبا دومان»: إن «السوريات اللواتي وصلن لتركيا يقبلن الزواج من الأتراك المتزوجين لشعورهنَّ بالعجز والحاجة، جرّاء الأوضاع السائدة في بلادهنّ في الوقت الراهن،حيث يحتَجنَ كأية امرأة للشعور بالأمان، ويرغبنَ في تأسيس حياة عائلية آمنة، بعد أن تمكنَّ من الهروب من الحرب والبقاء على قيد الحياة»، وتضيف لموقع الجزيرة ترك عن بحثها المعنون بـ«الزواج الثاني من السوريات.. اعتداء سافر على حقوق المرأة»، كما تشير أنّ: «المعطيات تشير إلى أن زواج الأتراك بالسوريات لم يصبح ظاهرة مجتمعية بعد، لكنّ آليات الزواج السرية وغير المنصفة حقيقة أثبتتها الدراسات التي أجريت».

في الدول العربية.. زواج عرفي وللقاصرات والأطفال (بدون)

«لديّ أربع شقيقات ووالدي عامل، ولا يستطيع توفير سبل المعيشة لنا؛ ولذا حينما جاءت أسرة زوجي لخطبتي، اضطررت للموافقة؛ لأنني شعرت أن ذلك سيحسِّن من ظروف أسرتي»، بهذه الكلمات لخصت السورية «داليا» الدوافع التي أدت لقبول الزواج وهي في سن 16 من العمر.

فهي لاجئة في أحد مخيمات اللاجئين في لبنان، وبالرغم من شعورها بالندم بعد مرور عامين من الزواج، إلا أنها مضطرة لمسايرة هذا الواقع الذي لا تحبه، فقد اعتقدت أنّ الزواج أفضل من البقاء بمخيمات اللاجئين. تقول لصحيفة الغارديان البريطانية: «كنت بالصف الحادي عشر وأرتقب الالتحاق بالجامعة خلال عامين. ولو عاد بي الزمن، لما تزوجت في سن السادسة عشرة. ولن أسمح بحدوث ذلك لابنتي»، وتسجل لبنان ارتفاعًا مثيرًا في عدد حالات زواج الأطفال بين اللاجئين السوريين، وتظهر دراسة صدرت في 2017 أن 24 % من الفتيات اللاجئات ما بين 15 و17 سنة متزوجات، وحسب دراسة صندوق الأمم المتحدة للسكان، والجامعة الأمريكية في بيروت وجمعية سوا للتنمية والمساعدات، فإن «معدلات زواج الأطفال صارت أعلى بواقع أربعة أضعاف بين السوريين مقارنة بما كانت عليه قبل الأزمة، فالنزوح وعدم الاستقرار والفقر هي العوامل الدافعة وراء زواج الأطفال».

صغيرات من اليمن (المصدر :فرانس برس)

أما في الأردن، فتشكل نسبة الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 13 و17 سنة 44% من عدد الإناث السوريات اللاتي تزوجن في عام 2015 في الأردن، وقد اعتبرت دراسة حكومية لمجلس السكان في الأردن أن الوضع المعيشي للاجئين يعتبر عاملًا يسهم في انتشار ظاهرة زواج القاصرات، حيث «تعمد الكثير من الأسر السورية إلى تزويج بناتها لتخفيف العبء المالي عن كاهلها، فضلًا عن كون الزواج يشكل بحسب التقاليد حمايةً لـ(شرف البنات) المعرضات للخطر خارج الوطن»، وحسب مدير دائرة شئون اللاجئين السوريين العميد «وضاح الحمود» فـ«مشكلة عدم توثيق عقد الزواج بالدوائر المختصة يخلق مشكلة كبيرة في تسجيل نتاج هذا الزواج من الأبناء خلافًا للقانون أو عدم تسجيلهم ليحملوا صفة (البدون)، أي بدون جنسية خلافًا للمواثيق الإنسانية الدولية».

ولن يقتصر الأمر على أوضاع الفتيات في مناطق اللجوء، بل تشهد مناطق النزوح الداخلية أيضًا زواجًا مبكِّرًا، ففي اليمن التي عرفت بالزواج المبكر، ضاعفت الحرب من نسبة الزواج المبكر. وقد اضطر يمني يكنى بـ«أبي يسرا» لتزويج ابنته يسرا وهي في الرابعة عشر من العمر، والد الفتاة يعيش في منطقة مسور بمحافظة عمران (شمال)، بعد أن نزح من محافظة صعدة بسبب الحرب، يقول والد يسرا لـ«العربي الجديد» إنّه: «اضطر لإخراج ابنته من مدرسة المنطقة لتزويجها بعد عجزه عن الوفاء باحتياجات أسرته في البقاء على قيد الحياة بعد نزوحها مرات عديدة خلال عدة حروب».

«سماسرة الزواج العرفي» لتسهيل الزواج لرجال خليجيين

«عادة ما يكون يوم الزفاف هو أسعد يوم في حياة الفتاة، أما بالنسبة لي فكان أتعس يوم. كان الجميع يطالبونني بأن ابتسم أو أضحك، ولكن كان ينتابني شعور بالخوف من لحظة خطبتي»، هكذا وصفت فتاة سورية – لبي بي سي – يوم خطبتها الذي تم وهي في الرابعة عشرة من العمر، عندما اضطرت لقبول عرض زواج من رجل كويتي يبلغ من العمر 50 عامًا.

أوضاع مزرية يعيش بها اللاجئون

كانت الفتاة تروى قصتها تلك بألمٍ شديد، إذ هي الآن أم لطفل لم يتجاوز الشهر الرابع، وهي المسئولية الوحيدة عنه بعد أن رحل والده الكويتي وهي حامل، وتعود تفاصيل الحكاية إلى يوم رأت فيه والدة الفتاة وهي زوجة لشهيد سوري، أن حصولها على 10 آلاف دينار أردني مقابل الموافقة على زواج ابنتها، سيؤمِّن لأطفالها السبع حياةً أفضل في مناطق اللجوء في الأردن، تقول والدة الفتاة: «لم أكن لأفكر في ذلك ونحن في سوريا، لكننا جئنا إلى هنا بدون أي شيء، ولا حتى فراش ننام عليه. اعتقدت أن المال سيؤمن مستقبل أولادي، وقد استغل الرجل الظروف التي نمر بها».

وتعرف في عمق الصحراء الأردنية الآن ما يسمى بين اللاجئين السوريين بـ«سماسرة الزواج العرفي»، الذين يقدمون عروض تزويج القاصرات عرفًا في الغالب من رجال كبار في السن يحملون جنسيات عربية، مقابل حصولهم على المال.

وعلى سبيل المثال تمكن هؤلاء السماسرة من إجبار ذوي الطفلة في الثالثة عشر من العمر اللاجئين من مدينة درعا السورية، على تزويج ابنتهم عرفيًا لمدة شهر من رجل خمسيني عربي، مقابل مبلغ 800 دولار، ويبرر الرجل تزويجه لابنته بالقول لـ«جيل»، «أقنعني السمسار بترحيلي وإياهم من المخيم، وسترها، ومن ثم التكفل بالإنفاق عليها، واستئجار شقة ملائمة في العاصمة عمان.. لم يتحقق أي شيء من الوعود، ومريم (13 عامًا) عادت مرة أخرى للمخيم، لكن ليس وحدها هذه المرة، ففي أحشائها جنين».

ويحصل بعض السماسرة على نحو 1400 دولار، أما المقابل المادي للحصول على عروس يتراوح بين 10 و20 ألف دينار أردني، وقالت أمل، وهي لاجئة وأم لأربعة أولاد: «هؤلاء الرجال من الخليج ويعرفون أن هناك أسرًا بحاجة للمال. إنهم يقدمون المال للعائلة، وأول سؤال يطرحونه هو هل لديك فتيات؟ وهم يفضلون الفتيات الصغيرات اللاتي تصل أعمارهن إلى 14 أو 15 عامًا».

ألمانيا تشدد قوانينها.. والزواج في المساجد

لم يأتِ إعلان وزير العدل الألماني «هيكو ماس» حول العمل على تشديد القوانين ضد زواج القاصرين بين اللاجئين الوافدين من فراغ، فوفقًا لليونيسف، فإنّ زواج القاصرين تحت سن 18 سنة يشكِّل 40% من الزيجات في ألمانيا. كما يظهر تقرير منظمة «أنقذوا الأطفال» أن زواج الأطفال شائع نسبيًا في ألمانيا بسبب موجة اللاجئين التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة.

عريسان في مخيم للاجئين (المصدر: موقع تمدن)

الفتاة مريم عمرها 17 عامًا تزوجت في ألمانيا عرفيًا من ابن عمها في أحد مساجد ألمانيا وهي الآن أم لرضيع يبلغ عمره 10 أشهر، توضح مريم وهي لاجئة تعود أصولها لريف حماه : «نحن عائلة سورية محافظة والزواج لا يمكن أن يكون، إلا على الطريقة الإسلامية. طلب ابن عمي يدي من والدي الذي وافق مباشرة على طلبه»، وتضيف مريم لموقع «دويتشه فيله» الألماني: «ابن عمي يكبرني بست سنين، وهنا في ألمانيا لا يسمح لنا الدستور بالزواج المدني؛ لأني قاصرة، وعلاقتي بابن عمي غير قانونية، نظرًا لفارق السن».

واستمرت الشابة في حديثها قائلة: «زواجنا ليس قانونيًا وعلاقتي بزوجي وابن عمي تمت بموافقة والدي ولا يحرمها القانون، قريبا سأبلغ سن 18، إثرها سنتزوج مدنيًا في مقر البلدية حتى تصبح علاقتنا الزوجية معترف بها».

تبادل مصالح وعلاقات مع سيدات متقدمات في السن

«في موطني كنت رجلًا، أنا هنا لا شيء، أشعر كطفل صغير»، هذا ما قاله اللاجئ العراقي حسان (اسم مستعار)، لمجلة «داس بيبر» النمساوية، والتي تناولت في تقريرٍ خاص عن العلاقات التي تنشأ بين سيدات متقدمات في السن ولاجئين شبان، والقائمة «على تبادل المصالح بين الجانبين؛ مثل ممارسة الجنس مقابل المال»، حسب وصف المجلة.

صورة تمثيلية (المصدر: هاف بوست عربي)

يبلغ حسان الذي يعيش في النمسا منذ ثلاثة أعوام 24 عامًا، وكان يعمل في السابق مدرب لياقة بدنية محترف، التقى بسيدة سنها 50 عامًا في ملهى قبل 8 أشهر، فعرضت عليها الانتقال معها لمنزلها، وبالفعل وافق، فهو يعيش مع 8 لاجئين آخرين في شقة صغيرة، وعلى الرغم من ندمه ورغبته في إنهاء هذه العلاقة، إلا أنه بعد 6 أشهر من مواصلة هذه العلاقة واعتباره «آلة جنس بالنسبة لها لا شيء أكثر» كما يقول، إلا «أنه عرف الجانب الجميل من الحياة هناك عبر ليندا، فعبرها استطاع تجربة أكل السوشي للمرة الأولى، وشرب النبيذ الباهظ الثمن، كما أنها تدفع ثمن تدريبه في النادي وملابسه وأدواته الرياضية وفاتورة هاتف»، حسب المجلة.

يقول رئيس الرابطة الاتحادية للمعالجين النفسيين في النمسا «شتيبل»: إن «مثل هذه العلاقات تشكل بالنسبة لهؤلاء الرجال إهانة مزدوجة، فبالإضافة إلى أخذ المال مقابل الجنس، يتبعون، وهم القادمون من حضارة تكون فيها الكلمة الأولى للرجل، النساء فجأة»، مضيفًا لـ«داس بيبر» النمساوية : «بقدوم اللاجئين الفقراء ماديًا والضعفاء من الناحية الاجتماعية، يصبح الحصول على الممنوعات ممكنًا، فتسقط التابوهات والعوائق أمام الراغبين».

التعليقات معطلة.