مقالات

أبرز ما جاء في الإعلام العربي حول بولتون، وبومبيو، وكوريا الشمالية

ديفيد بولوك
ديفيد بولوك زميل أقدم في معهد واشنطن يركز على الحراك السياسي في بلدان الشرق الأوسط.

محمد عبد العزيز

كان ردّ فعل وسائل الإعلام العربية الأولي متفاوتاً على إعلان البارحة أنّ جون بولتون سيحل عما قريب محل ماكماستر كمستشار الأمن القومي الأعلى للرئيس الأمريكي ترامب. ووسط الخطابة الإعلامية العربية المستقطبة حالياً، مال التوجه الأخير نحو إتباع نزعات وطنية مختلفة. على سبيل المثال، كان عنوان الموقع الإلكتروني لقناة العربية السعودية: ” مخاوف في إيران من بولتون عدو طهران اللدود”. كما نشرت جريدة الشرق الأوسط المملوكة للسعودية وذات التوجه القومي التصريحات “الجريئة والمثيرة للجدل ” التي أطلقها بولتون حول ضرورة مواجهة كوريا الشمالية، وإيران، وروسيا وحتى الأمم المتحدة. وعلى نقيض ذلك، قدّم الموقع الإلكتروني لقناة الجزيرة القطرية مقاليْن ذويْ تركيز مختلف، الأول بعنوان “بولتون… صقر آخر يكمل دائرة التعصب بإدارة ترامب” والثاني بعنوان “بولتون: مكافحة الإرهاب على رأس أولوياتي.” ولم تركز الكثير من وسائل الإعلام العربية على تصريحات بولتون حول القضايا الإسرائيلية أو الفلسطينية، باستثناء جريدة “اليوم السابع ” المصرية التي نقلت عن الناشطة الفلسطينية حنان عشراوي تقييمًا سلبيًا للغاية لسجل بولتون في هذا الشأن.

اتصفت الدورات الإخبارية ذات الصلة في وقت سابق من الشهر الماضي بنمط مماثل من الانقسامات بين وسائل الإعلام العربية – إذ كانت وسائل الإعلام القطرية المنتشرة على نطاق واسع سلبية أكثر بشكل عام تجاه السياسة الأمريكية وتغيير الموظفين مما كانت عليه وسائل الإعلام الخليجية الأخرى أو المصرية أو الأردنية. فمنذ وقت قصير، فاجأ ترامب العالم مرة جديدة بالإعلان عن إقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون واستبداله بمدير وكالة الاستخبارات المركزية الحالي مايك بومبيو، مباشرة بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي عن أنه سيجتمع بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. وجاء تعليق وسائل الإعلام العربية على القضية الكورية مستفيضاً ومتحيزاً إلى حد كبير، إذ لجأت وسائل الإعلام القطرية والممولة من قطر إلى نبرة سلبية حادة، بينما اعتبرت معظم وسائل الإعلام الأخرى الإقالة انتصاراً للمعسكر العربي المعادي لقطر ولإيران. ومن المثير للاهتمام، أن القليل جدًا من هذه التعليقات أشارت إلى الخلافات الأخيرة حول إسرائيل أو الفلسطينيين أو القدس.

علّقت ايضاً وسائل الإعلام العربية على إقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون. فرحّب البعض بهذه الخطوة، ولا سيما دول “الرباعية العربية” (أي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين) التي قاطعت قطر، في حين عارضها البعض الآخر، على الرغم من أن كلا المعسكرين اعتبراها علامةً على إدارة أمريكية أكثر تشددًا. كما شدّدت غالبية وسائل الإعلام على تأثير هذه الإقالة على قطر وإيران و(بشكلٍ مفاجئ) تركيا.

وفي هذا الصدد، رحّبت صحيفة “الشرق الأوسط” بهذا الخبر، مشيرةً إلى “انحراف” تيلرسون عن سياسات البيت الأبيض في ما يخص الدول العربية، وخصوصًا الشأن الإيراني. فعلى سبيل المثال، لم تدعم وزارة الخارجية الأمريكية حتى الآن المعارضة الإيرانية، في الوقت الذي أعلن فيه ترامب دعمه لها. ومن ناحية أخرى، يتمتع المرشح مايك بومبيو بخبرة متعمقة في قضايا عالمية كهذه بصفته المدير الحالي لــ”وكالة المخابرات المركزية” الأمريكية. وفي الصحيفة عينها، أعرب الكاتب السعودي البارز والمدير السابق لقناة العربية عبد الرحمن الراشد عن أمله بأن يردع وزير الخارجية الجديد قطر عن تمويل الجماعات الإرهابية وتهديد أمن المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، صرّح المحلل السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله أن الإمارات أدت دورًا كبيرًا في إقناع ترامب بإقالة تيلرسون.

أمّا معظم وسائل الإعلام الأخرى التابعة للرباعية العربية فقد صنّفت قطر وإيران على أنهما الخاسرتان في هذا القرار. وأكّدت صحيفة “العرب”، التي تتخذ من لندن مقرًا لها، أن إدارة ولاية تيلرسون تغافلت عن علاقات قطر مع المنظمات الإرهابية المدرجة في قائمة الولايات المتحدة. وقد زار تيلرسون الخليج مرتين في العام الماضي وعمل على تقويض الوساطة التي قادها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح. وبعد زياراته، أصبحت الأزمة أكثر تعقيدًا حيث استمرت الدوحة في ادعاء براءتها. وذكرت الصحيفة المصرية اليسارية “صوت الأمة” أن إقالة تيلرسون “جعلت قطر تفقد عقلها”، والدليل على ذلك سخط قناة “الجزيرة”. وكان تيلرسون قد ترأس سابقًا شركة “إكسون موبيل” والتي تُعرف بأنها “إبنة دولة قطر”. وقد وصفت صحيفة “الأهرام” المصرية شبه الرسمية قرار ترامب بإقالة تيلرسون بأنه قرار ينسجم مع معظم مصالح الدول العربية – باستثناء قطر التي فقدت مؤيدًا في الإدارة الأمريكية لـ “إرهاب” “تنظيم الحمدين” (التابع لـ “الشيخ الوالد” حمد) ومعارضًا للمقاطعة العربية الرباعية ضد قطر.

أما في ما يتعلق بإيران، فعلّقت صحيفة “الراي” الكويتية المستقلة أن إيران ترى في إقالة تيلرسون وتعيين بومبيو إشارةً إلى إصرار الولايات المتحدة على الانسحاب من الاتفاق النووي. وبالمثل، قدّم موقع “اليوم السابع” المصري لمحةً عن كيفية تعامُل وسائل الإعلام الإيرانية مع قرار ترامب بإقالة تيلرسون. فقد اعتبرت معظم الصحف الإيرانية بمختلف أنواعها من إصلاحية ومتشددة أنّ الانسحاب الوشيك من الاتفاق النووي الإيراني هو السبب الرئيسي في إقالة تيلرسون.

ومن جهة أخرى، أشارت صحيفة “القدس”، الموالية لقطر ومقرها لندن إن إقالة ريكس تيلرسون وتعيين مايك بومبيو، المعروف بنزعته المناهضة لإيران وكوريا الشمالية، يدلّان على أن إدارة ترامب تقوم بتصعيد من وتيرة موقفها المتطرف. واعتبرت صحيفة “الجزيرة” القطرية أن هذا الأمر يعكس حالةً من الارتباك المزمن في إدارة ترامب ورغبة الرئيس الأمريكي في إزاحة آخر “العقلاء” من إدارته وتمكين “الصقور” ذوي الخلفيات العسكرية لإحداث تغييرات حقيقية في السياسة الخارجية. ويتمثّل أحد الأسباب الرئيسية وراء إقالة تيلرسون، بحسب “الجزيرة”، في نهج الوزير التوافقي إزاء أزمة الخليج ورفضه دعم حملة المقاطعة التي تقودها الإمارات ضد قطر – وأضافت أن الإمارات أدت دورًا رئيسيًا في الضغط على ترامب لإقالة تيلرسون من خلال إليوت برويدي، وهو رجل أعمال أمريكي ومن كبار الممولين لحملة ترامب. لكن صحيفة “الراية” القطرية المملوكة للدولة أكدت أن القرار لن يكون له أي تأثير على سياسة الولايات المتحدة تجاه قطر، في حين أعرب أنصار الرباعية العربية المعادية للقطر عن “ابتهاجهم” بعد إقالة وزير الخارجية الأمريكي، كما سخر محللون آخرون من ردة الفعل هذه معتبرين أنها “سذاجة” سياسية.

ثمة إجماع مدهش في مختلف التعليقات التي صدرت عن كلا المعسكرين العربيين، وهو اعتبار أن تركيا ستفقد الآن بعض الدعم الأمريكي. فأكدت صحيفة “العرب” أن رحيل تيلرسون سيخيب آمال تركيا، كون تيلرسون “يتفهم” جنوح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتحييد مؤسسات الدولة، في الوقت الذي يعارض فيه بومبيو تحييد أردوغان للجيش التركي، ما يضعف التزام أنقرة تجاه حلف الناتو. وفي هذا السياق، أشارت الصحيفة إلى تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بأن بلاده تعتزم مواصلة علاقتها مع واشنطن على أساس التفاهم مع وزير الخارجية الأمريكي الجديد، لكن عليه أن يتعلم أن “يحترم أنقرة”. ووفقًا لصحيفة “الوطن” القطرية، تدرك أنقرة خير الإدراك أن بومبيو يؤمن بضرورة اتخاذ سياساتٍ أكثر تشددًا تجاه تركيا، ولا سيما تلك المتعلقة بالعملية العسكرية العابرة للحدود التي تشنها تركيا في محافظة عفرين السورية

وفي مفاجأة أخرى مؤخرًا، صدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العالم كله عندما أعلن عن موافقته على مقابلة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. وفى هذا الصدد، قامت غالبية وسائل الإعلام العربية بتعميم الأخبار من دون تعليق إضافي. كما التزم المسؤولون العرب الصمت بشأنها. ومن بين وسائل الإعلام العربية القليلة التي أعربت عن رأيها بهذا القرار، ناقش البعض تأثيره المحتمل على بلدانهم أو المنطقة ككل. وركّزت المناقشات على تأثير القمة على البرنامج النووي الإيراني وحذّروا من المخربين وحثّوا القادة العرب على استخلاص العبر من هذه المبادرة.

وفي هذا السياق، شددت صحيفة “الدستور” الأردنية المستقلة على أن إيران تدرك أنّ ما ينطبق على كوريا الشمالية لا ينطبق عليها إلّا جزئياً. ومن وجهة نظر واشنطن، ثمة سببان يميزان إيران عن كوريا الشمالية في ما يخص المسألة النووية. السبب الأول يتمثّل بكون كوريا الشمالية قوةً نوويةً حاليةً تمتلك قنبلةً ذريةً وأخرى هيدروجينية، وتمتلك صواريخ بعيدة المدى. وعلى الرغم من تطوير إيران لبرنامج الصواريخ البالستية، لم تنتج حتى الأن مثل هذا السلاح، ومن المفترض أن يكون امتلاكها محظورًا وفقًا للبروباغندا الدينية التي تقوم بها الجمهورية الإسلامية. أمّا السبب الثاني فهو أنّ كوريا الشمالية بعيدة جدًا عن إسرائيل ولا تحمل أجندةً معادية لها، غير أنّ قدرات إيران العسكرية تعتبر محوريةً وتهددّ الأمن الإسرائيلي. لذا، وبالرغم من أن كوريا الشمالية هددت الولايات المتحدة، ستشدد هذه الأخيرة التدابير التي تتخذها ضد إيران لحماية أمن إسرائيل.

واعتبرت بعض وسائل الإعلام العربية على غرار صحيفة “اليوم السابع” شبه المستقلة أن هذه الخطوة درس مهم للقادة العرب: “لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة”. وتوقعت الصحيفة أن كيم لن يتخلى عن ترسانته النووية الحالية ولا عن صواريخه بما أنها قادته إلى التفاوض مع أكبر قوة في العالم وساعدته في حشد شعب كوريا الشمالية والحفاظ على تلاحمه. ومع ذلك، قد تعرض واشنطن المساعدة الاقتصادية ورفع العقوبات مقابل وقف التجارب النووية وتجارب إطلاق القذائف التي تجريها بيونغ يانغ، وفتح صفحة جديدة في ما يخص العلاقة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. وفي هذا السياق، اعتبرت صحيفة “الوطن” القطرية المستقلة أنّ القمة المرتقبة تمتثل لقواعد السياسة، وذلك لأن دروس التاريخ تفيد بأن لا حل لأي نزاع بدون حوار، والحروب ليست سوى مرحلة من أجل الجلوس على طاولة الحوار.

وأيّدت صحيفة “البيان” الإماراتية هذه القمة باعتبارها خطوةً جيدة، لكنها حذرت من “قوى الشر” التي قد تفسد هذه المبادرة. وتشمل هذه القوى بحسب الصحيفة المؤسسات المالية الكبرى التي تمول الإتجار بالأسلحة. فإذا أوقفت كوريا الشمالية برنامجها النووي، فإن دول شرق آسيا والمحيط الهادئ ستتوقف عن الحصول على بعض أنظمة الدفاع. وبالمثل، إذا تم كبح إيران، ستكفّ الدول المجاورة لها عن الشروع في إبرام صفقات أسلحة جديدة.

ورأت وسائل إعلام عربية أخرى أنّ القمة قد تفشل لأن كيم لن يتخلى عن قوته النووية بهذه السهولة. فنصحت صحيفة “الشرق الأوسط” الممولة من المملكة السعودية والتي تتخذ من لندن مقرًا لها الرئيس الأمريكي ترامب بالتعلم من رحلة مادلين أولبرايت الفاشلة إلى بيونغ يانغ في عام 2000. فلا ينوي كيم جونغ أون التخلي عن ترسانته النووية. هو ببساطة يعمل على كسب الوقت ليس إلّا. وعوضًا عن ذلك، يتعين على الولايات المتحدة أن تناضل من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية في كوريا الشمالية. وإذا فشلت القمة، فسيلقى ترامب انتقادات كثيرة لتفاوضه مع دولة “مارقة” وإضفاء الشرعية عليها في المجتمع الدولي، بحسب صحيفة “الراية” القطرية المملوكة للدولة. وعلى العكس، إذا نجحت الولايات المتحدة في إقناع كيم بتجميد برنامجه النووي، كما كان الحال مع إيران، فإن نجاحها سيعتبر إنجازًا استراتيجيًا. لكن هذا السيناريو هو ضرب من التفاؤل المشوب بالسذاجة. أما الأكثر تشاؤمًا فكانت صحيفة “الرأي” الأردنية التي صرّحت أن القمة تمثل نصرًا عظيمًا لكوريا الشمالية. وبالرغم من مواجهة واشنطن لفترة طويلة، التي فرضت عليها عقوبات شديدة، فإن كوريا الشمالية لم تذعن للضغوطات الأمريكية قط.