مقالات

أبعاد الدعم الروسي – الصيني لفنزويلا

 
 
محمد بن سعيد الفطيسي
 
تحولت فنزويلا إلى ساحة للمواجهة والصراع بين الأقطاب الكبرى في العالم اليوم، فبعد التدخل الروسي، ها هي الصين تدخل بكل ثقلها لدعم الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.ويعد هذا التدخل بمثابة مغامرة لا شك أنها خطيرة من الناحية السياسية والعسكرية، ولكن لا أتصور أن الروس والصينيين لم يحسبوا لها الحسابات المبدئية الصحيحة، خصوصا أن من يقف في الطرف الآخر من معادلة الصراع هي الولايات المتحدة الأميركية وما يقارب من الـ 50 دولة حول العالم اعترفت برئيس البرلمان المعارض جوايدو رئيسا شرعيا لفنزويلا.
والمتتبع لما يحدث على الساحة الفنزويلية لا شك أنه يعي أن على رأس الأسباب التي دفعت كلا من روسيا والصين للتدخل بهذه القوة وكذلك في ظل حسابات قابلة للانهيار والتعقيد بشكل سريع هو إدراكهما أن عدم التدخل يعني ترك فنزويلا الشافيزية البوليفارية نسبة إلى مؤسس فنزويلا الحديثة الرئيس السابق هوغو شافيز باعتبارها عضوا قويا في جبهات المعارضة العالمية للاستقطاب الأميركي وحدها في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية الداعمة لجوايدو، وهو ما يعد خسارة سياسية واقتصادية كبيرة للغاية لكليهما.
بيد أن هذا التدخل الروسي ـ الصيني لا يمكن أن يكتب له النجاح بتصوري إذا اقتصر فقط على الدعم العسكري والسياسي خصوصا إذا استمر طويلا، حيث من المؤكد أن الانعكاسات والضغوط الإنسانية والاقتصادية على فنزويلا والرئيس مادورو ستزيد من قوة المعارضة الداخلية وكذلك الأصوات الدولية المطالبة بإنهاء الأزمة والصراع من جهة، والتدخل الروسي ـ الصيني في الداخل الفنزويلي من جهة أخرى، ولكن لا شك أن ذلك يمكن أن يتحول لضغوط على الولايات المتحدة الأميركية وجبهة المعارضة إذا نجحت روسيا والصين في دعم فنزويلا اقتصاديا كذلك، وهو بالفعل ما نشاهده من قبلهما عبر المساعدات الإنسانية وكذلك مسألة تأمين الكهرباء، حيث تتهم السلطات الفنزويلية الولايات المتحدة بشن هجوم سيبراني على محطة كهرباء في فنزويلا، تسبب بانقطاع الكهرباء والمياه.
جانب آخر من الأسباب الرئيسية التي دفعت بكل من الصين وروسيا إلى الوقوف مع فنزويلا في هذا الوقت، هو إضعاف التواجد الأميركي على الساحة الدولية عموما، وقارة أميركا الجنوبية خصوصا، وإبراز الولايات المتحدة الأميركية كقوة عالمية لم تعد بتلك المصداقية التي تؤهلها للوقوف ودعم حلفائها إذا كان من يقف ضدهم الروس والصينيون، وهو أمر خطير للغاية، ومؤثر جدا على سمعة ومكانة الولايات المتحدة الأميركية الدولية، خصوصا أن هذه الأخيرة قد خرجت من تجارب فاشلة جدا في الشرق الأوسط بسبب الروس، أقصد التجربة السورية والتجربة الإيرانية.
أخيرا. يؤكد التعاون الروسي الصيني الداعم لفنزويلا (مادورو) إمكانية قيام تحالف عسكري سياسي تكتيكي على أقل تقدير بالرغم من كل العقبات السياسية والاقتصادية وتناقض المصالح التي تحول دون ذلك بشكل استراتيجي في الوقت الراهن على أقل تقدير، وأعتقد أن كلتا القوتين مجبرتان على الاستمرار في دعم بعضهما البعض والوقوف مع القضايا والقوى الدولية التي يمكن أن تشكل بالنسبة لهما جبهات لإضعاف النفوذ والقوة والهيمنة المركزية الأميركية على الساحة الدولية، كما هو الحال مع كوريا الشمالية وسوريا وإيران وفنزويلا وغيرها من الدول التي كان لروسيا والصين الدور الكبير في دعمها.