مقالات

أحداث عدن الأخيرة “حسابات التوافق والصراع”: لماذا يتمسك هادي ببن دغر؟

 
د. علي جارالله اليافعي
بعد الاشتباكات الدامية في عدن بين أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي وأنصار الشرعية والتي أعقبت انتهاء مهلة محددة أعطاها الانتقالي لإقالة حكومة الشرعية واستمرار الأخيرة بمهامها والمطالبة بتحقيق مستقل تقوده السعودية عقب التهدئة التي فرضها التحالف العربي على الطرفين، نتساءل كما يتساءل الكثير عن حقيقة الصراع في عدن؟ والإجابة من وجهة نظري بتساؤلات أخرى هي لماذا اتصل الرئيس اليمني هادي بقادة الجبهة الغربية؟ ولماذا زار رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي جبهة مُريس محافظة الضالع؟ ولماذا هدد المقدشي من مأرب بالتدخل لمساندة الشرعية في عدن؟ كل هذه التساؤلات تأتي معها تساؤلات مهمة جدا حول حقيقة ما يجري في المناطق المحررة جنوب اليمن؟! منها التعديلات الوزارية الأخيرة لحكومة بن دغر بقرارات رئاسية جديدة والتي شملت تغيير وزير الداخلية حسين عرب الموصوف بالسياسي الهادئ وتعيين مكانه أحمد الميسري الموصوف عند البعض بالمندفع أو المقدام؟ وهل تلك التغييرات فجرت الوضع بين الطرفين ولماذا؟ خاصة أن قرارات التعديل في حكومة بن دغر صدرت يوم الأحد من الرياض (24/12/2017) واجتماع المقاومة في عدن (21/1/2018) للمطالبة بإقالة حكومة بن دغر، أي بعد شهر من تعديل حكومة بن دغر وبنفس اليوم؟! ولماذا لم يتم حتى الآن إقالة حكومة بن دغر رغم كل تلك الدماء في المواجهات الأخيرة بين المجلس الانتقالي والشرعية؟ ولماذا نسمع بعد التهدئة عن عودة التحشيد بين الطرفين من جديد؟ وهل ستعود المواجهات ثانية؟ وما دور التحالف بعد التهدئة بين الطرفين؟.
بغض النظر عن نتائج ما حدث في عدن في الاشتباكات الأخيرة بين المجلس الانتقالي والشرعية فإن الهدنة التي أعقبت الأحداث هشة وقد تكلمنا سابقا أن الصراع حتمي وسيستمر لعدة أسباب ذكرناها في مقال سابق لكن ما يعنينا هنا إثباته سنجده من خلال التساؤلات السابقة والإجابة عنها حتى نصل إلى حقيقة الصراع وحقيقة ما سيكون بين الطرفين ومع كل هذا لا بد أن نسلم بعدة أشياء حدثت في المشهد السياسي اليمني ونعني ما يخص الجنوب كقضية لها تاريخ ونضال والمناطق الجنوبية المحررة كأحداث لها أسباب تاريخية وبُعد سياسي آخر من الصراع الدموي المستمر فمن هذه المسلمات استغلال القضية الجنوبية (الحراك الجنوبي) من قبل أطراف بعينها وهي أطراف داخلية وخارجية وكان لكل طرف من هذه الأطراف بالطبع حساباته وخيارته وفلسفته لهذا الاستغلال على سبيل المثال استغلال الرئيس هادي والقوى اليمنية للحراك الجنوبي أو القضية الجنوبية وهما بنظري متلازمتان في المعنى المقصود لحسابات الزمن الجامع بين ظهور أصل وجود القضية الجنوبية (بداية التآمر على المشروع الوطني المتمثل بالوحدة اليمنية ثم إخراج الجنوب من التوازن السياسي مع الشمال بحرب /1994) والنضال المستمر من أجل الحق المشروع لاستعادة الدولة الجنوبية التي تم إنهاؤها بقيام الوحدة عام (1990) كمشروع وطني لصالح الشعب في الجنوب والشمال على أساس التوازن السياسي بينهما.
ومن هنا نجد أن الشمال السياسي المتفرد بالسلطة بعد حرب (1994) ظل محتاجا للجنوب كممثل سياسي فقط لا كشريك يصنع التوازن السياسي في اليمن ويمنع الفساد الناتج عن التفرد بالسلطة لحزب واحد أو جهة بعينها وهو ما حدث في اليمن بعد قيام الوحدة وأحداث (94) فكان من نتائجه إشعال الثورة في الجنوب حتى أخذ النضال السلمي الجنوبي (الحراك الجنوبي) في بداية العام (2007) طابعا سياسيا وثوريا واسعا تمثل فيه كل الشرائح الوطنية الجنوبية غير الرسمية فكان الأرض الصلبة في رفض تفرد الشمال بالسلطة بل واتجهت قيادات الحركة الوطنية في الجنوب (الحراك الجنوبي) نحو المطالبة باستعادة دولة الجنوب سلميا وهو الأمر الذي أحرج القيادة السياسية في اليمن وظل يؤرقها بل ويدفعها نحو المعالجات الفاشلة ومنها استخدام العنف ضد الحركة السلمية في الجنوب ولهذا فشلت كل معالجاتها وحلولها للقضية الجنوبية والتي كانت دائما ما تؤدي إلى توسيع قاعدة الحراك الجنوبي حتى شملت كل أبناء الجنوب عدى من كان موظفا أو مسئولا في الجهات الرسمية للسلطة حينها.
ومع موجة ثورة الربيع العربي لتغيير الأنظمة الفاسدة كانت اليمن واحدة منها في ثورة التغيير تحاول دفن عقود مظلمة من حكم السلطة والحكومات الفاسدة أو أن اليمن تأثرت بتلك الثورات وزاد من نصيبها تدخلا مباشرة لدول مجلس التعاون العربي من خلال المبادرة الخليجية التي ضمنت تقاسم السلطة توافقيا بين المعارضة والحزب الحاكم واختيار رئيسا توافقيا وهو نائب الرئيس (هادي) ثم نتج عن آليتها التنفيذية الدعوة لجمع ما أطلق عليهم اسم القوى السياسية اليمنية للحوار وتأكيد دعوة الأمم المتحدة إليه تحت سقف (مؤتمر الحوار الوطني الشامل) وحتى لا يبقى ما يعكر مخرجات الحوار – المعدة سلفا والتي ظل المجتمع الإقليمي والدولي ومن ورائهم الرئيس اليمني والقوى السياسية المشاركة في الحوار يؤكدون على تنفيذها والالتزام بها وعدم الخروج عنها!- كان لا بد لها من تتمة (حل القضية الجنوبية) نعم كان لا بد من حل القضية الجنوبية حتى تكتمل زفة مخرجات الحوار وللأسف فإنه كما اختار الشمال السياسي الجديد رئيسا جنوبيا ورئيس وزراء جنوبي لليمن على أساس التوافق السياسي فإن ذاك الاختيار لم يكن إلا لضرب القضية الجنوبية وإظهار تمثيل الجنوب فقط (أي استغلال قيادات جنوبية كانت ضمن قيادات النظام الفاسد لتزيين عرس مخرجات الحوار) وحتى ترى سوء الطالع والانتهازية بكامل وضوحها فأنت ترى في نفس الوقت الذي كان الشمال السياسي يستغل فيه قيادات جنوبية لإتمام مسرحيته كان الرئيس التوافقي الجنوبي يمارس نفس الاستغلال لقضية الجنوب بادعاء تمثيلها في مؤتمر الحوار الوطني الشامل تحت مسمى فريق الحراك الجنوبي الذي ظل يمثل الجنوب في كل الحوارات حتى أثناء الحرب الأخيرة في اليمن، بل كما ترى الشمال السياسي في استغلال تلك القيادات الجنوبية لتمثيل الجنوب كانت (القيادات الجنوبية) وعلى رأسها هادي تستغل تمثيل الجنوب في دولة الوحدة برئاسته بل كانت تضن (أي تلك القيادات) أنها تخدع الشمال أو تستغله كما تفعل مع الجنوب.
التحالف العربي مؤخرا استغل الحراك الجنوبي أو القضية الجنوبية أبشع استغلال وهادي كرر استغلاله للحراك ثانية ففي الوقت الذي كان فيه التحالف العربي يقاتل الشمال الانقلابي لأجل شرعية هادي كنا نرى بعض قنوات التحالف الفضائية تستخدم بعض إعلامييها كفهد الشليمي وآل مرعي وغيرهم يتكلمون عن حق الجنوب في تقرير مصيره وكان يسمح برفع العلم الجنوبي أثناء القتال على ظهر الدبابات والمدرعات بل وتبث ذلك المشاهد قناة العربية والحدث وسكاي نيوز لا لكون التحالف يريد تقرير مصير الجنوب أو استقلاله عن الشمال بل لاستغلاله وحشد أبنائه في جبهات القتال من أجل شرعية هادي الرجل المريض في توزيع المناصب على أقاربه وحلفائه في الشمال وهو ما عنينا سابقا أن هادي كرر استغلاله لقضية الجنوب في الوقت الذي كان يوحي لمن يقابلهم من أبناء الجنوب أنه يفعل كل هذا من أجل الجنوب حتى ينتشر الخبر بين المقاتلين فيقاتلون على هذا الأساس وكذلك كانت تفعل القيادات المقربة منه.
اليوم الإمارات في عدن والمناطق المحررة تكرر نفس المشهد وقيادة الانتقالي وهو إظهار عكس الحقيقة لاستغلال الحراك الجنوب والذهاب بأبنائه جماعات وأفرادا إلى جبهات القتال ولهذا سنبدأ بالإجابة على التساؤلات من هنا لماذا ذهب رئيس المجلس الانتقالي اللواء عيدروس الزبيدي إلى جبهة الضالع منطقة مريس الشمالية ببساطة لإكمال ما تحدث هو عنه في اجتماعه الأول مع المقاومة (21/1/2018) من أنه يتفهم دور التحالف في استكمال الحرب في الشمال.
وهنا تعرف لماذا اجتمع مع المقاومة ولم يجتمع مع المجلس الانتقالي الذي يترأسه هذا من وجه ومن وجهٍ آخر يرسل عدة رسائل لصالح الإمارات ولعدة أطراف داخليا وخارجيا في الداخل يطمئن طارق محمد ويطالب الجنوبيين بنصرته وللخارج يقول أنه ما زال مشروع التحالف قائما ويرد بنفس الوقت على المشككين في الدور الإمارات الذي يقول إن الإمارات تهتم فقط بمشاريعها الغامضة بالمناطق المحررة في الوقت الذي يكون فيه أنصار الشرعية يقاتلون في عدة جبهات منها جبهات على الحدود مع السعودية والجوف ومأرب وشبوة والبيضاء.
وللإجابة على الشطر الآخر من التساؤلات وهي لماذا اتصل الرئيس هادي بعد أحداث عدن الأخيرة بجبهة الساحل؟ ولماذا هدد المقدشي بالقدوم إلى عدن إذا اضطر الأمر من أجل مناصرة الشرعية؟ والجواب هو أن هادي أراد من اتصاله عدة رسائل منها على سبيل المثال لا الحصر أنه أراد أن يبرر الهزيمة الكبيرة والمهينة الذي تعرض لها أنصاره أمام مقاتلي الانتقالي في اشتباكات عدن الأخيرة والرسالة مفادها أن أنصارنا بالجبهات وأنصار الانتقالي في المدن وعلى هذا هدد بعض قادة جبهة الساحل بالعودة إلى عدن إذا لم تتوقف الاشتباكات في عدن ورسالة أخرى مفادها جبهة الساحل تابعة لنا لا كما تدعي الإمارات وما كلام المقدشي بالتوجه إلى عدن إذا لزم الأمر إلا تأكيدا لاتصالات الرئيس بقادة الجبهات وما ذهاب رئيس المجلس الانتقال إلى جبهة الضالع إلا انعكاسا لنفس المشهد التنافسي وحقيقة الصراع في المناطق المحررة وعلى هذه الصورة تجد بُعدا تاريخيا ومناطقيا يخص الجنوب وله بُعدٌ آخر هو إقليمي ظاهره التنسيق والتوافق وباطنه الحذر والغموض وعليه فإن الشيء الوحيد الذي لا يحتاج إلى تفسير هنا هو استغلال الجنوبيين في الحرب واستخدامهم فيها دون ثمن أو حتى على الأقل وعد من خلف الستار.
أما التساؤل حول حكومة بن دغر ولماذا لم يتم عزلها رغم كل ما حدث؟ فالجواب بكل بساطة لسببين الأول أن النزاع في غير محله فكل مفاصل شرعية هادي ينخرها الفساد والرئيس رأس الفساد فلماذا حكومة بن دغر؟ ولماذا الآن؟ أعتقد أن التعيينات والتعديلات الرئاسية الأخيرة في حكومة بن دغر كانت السبب الرئيس الذي فجر الأزمة بين الانتقالي والشرعية فالتعديلات الأخيرة كانت عليها علامة استفهام كبيرة ؟! والتعيينات مع التعديلات هي الثانية من نوعها التي استهدفت من تبقى من أنصار الانتقالي في سلطة الشرعية حتى أنه لم يتبق من أعضاء الانتقالي في سلطة الشرعية إلا وزير الاتصالات الوزير لطفي باشريف وأعتقد أن هادي كان سيقيله لولا الأحداث الأخيرة وقد جاءت هذه بعد استهداف الانتقالي قبل إعلانه حيث استهدفت التعديلات الرئاسية التي أجراها هادي أنصار الإمارات فقط فكانت البداية رئيس الحكومة المهندس خالد بحاح ثم محافظ عدن عيدروس الزبيدي فتم على إثرها إعلان المجلس الانتقالي ثم تم استهداف محافظ حضرموت ومحافظ شبوة ومحافظ سقطرى ومحافظ الضالع بالإقالة وأخيرا محافظ لحج وهؤلاء جميعا أنصار الإمارات وأعضاء الانتقالي بالإضافة إلى علامة الاستفهام حول التعديلات الأخيرة.
ومع كل هذه الإقالات لأعضاء الانتقالي أراد الانتقالي ومن ورائه الإمارات الرد على الشرعية بطلب المحاصصة وتقسيم الأدوار إلا أن هناك شيء آخر لا بد من الإشارة إليه وهو الاستفهام لماذا استبدل الرئيس هادي وزير الداخلية بن عرب بالميسري وهما من أنصاره؟ وهل له أي دلالة عند الانتقالي والإمارات؟ الجواب لا أشك أن له دلالة كبيرة ولا أعتقد أنها كانت ستخفى على الانتقالي ومن ورائه دولة الإمارات وهذه الدلالة تقول إن هادي أراد التصادم مع الإمارات والانتقالي ولهذا أتى بالميسري المندفع بنظره نحو الحسم وإعادة ترتيب وضع المناطق المحررة بعد منع الرئيس من ممارسة مهامه من عدن ومنع المحافظ المفلحي المحسوب على الرئيس من ممارسة مهامه من داخل مبنى محافظ محافظة عدن لكن الرئيس هادي وقد يكون من ورائه السعودية لم يقدرا قوة الانتقالي الممثلة بأنصار الزبيدي وشلال وبن بريك والحزام الأمن فكانت النتائج حسم الانتقالي المعركة والعودة لطاولة التفاوض من أجل التوافق على تقسيم الأدوار.
أما إذا تساءلت عن دلالة تمسك الشرعية ومن ورائها السعودية بحكومة بن دغر؟ فالدلالة واضحة وكان جزءا منها بما تم شرحه سابقا وهو أن المسألة لا تخص بن دغر وما هو إلا شماعة للوصول إلى تقسيم الأدوار ولهذا خرج بن دغر مؤخرا بكامل حلته يطالب بالتحقيق حول فساد حكومته؟! هذا من وجه ومن آخر أعتقد أن الشرعية ومن ورائها السعودية إذا سلمتا بالتخلي عن حكومة بن تحت ضغط الانتقالي فالنتيجة ستكون محسومة سلفا لصالح الانتقالي والإمارات وستكون الإطاحة الثانية بالرئيس هادي لا محالة وما حكومة بن دغر إلا البداية نحو تفرد الجنوب وتمثيله من قبل الانتقالي التابع للإمارات وستكون نهاية هادي السياسية في أول منعطف توافقي بين القوى السياسية إذ لا مكان له بعدها في الشمال والجنوب على حد سواء بل لا نستبعد ملاحقته ومحاكمته مستقبلا وعليه فالمنطق يرجح حسابات التوافق بين الطرفين لا الصراع كون نتائجه كارثية على الطرفين ومن ورائهما الشعب المغلوب على أمره وهذا دور التحالف أما إذا عاد الصراع بين الطرفين وهو حتمي مستقبلا فإن القسمة بعدها لن تقبل اثنين إلا من طرف واحد (الإمارات والانتقالي أو الشرعية والسعودية).