أخطأنا وأخطأت أمريكا بقراءة استراتيجية التدخل الروسي في سوريا.. وعجز امريكا عكس مسارها وأصبحت لا تريد سوى استمرار الاقتتال في سوريا بانتظار تصفية القضية الفلسطينية بالخيار الأردني

1

 
فؤاد البطانية
ان نظام القطب الواحد الذي مارسته أمريكا لم يكن واردا بتفكير الروس لدى تفكيك الاتحاد السوفييتي، ولا واردا في تفكير بقية الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن لأن هناك نظاما عالميا قائما ويحكم العالم منذ عام 1945 من خلال هذا المجلس بنظامه وقواعد عمله واختصاصاته في الميثاق الذي توافقت عليه تلك الدول بعد بالحرب الثانيه، وكل ما كان واردا بتفكير السوفييت هو إنهاء حالة الحرب الباردة لأسباب ظرفيه منها ضغوطات سباق التسلح الاقتصادية، والتي لم تعد قائمة اليوم، وكانت روسيا تعلم بعدم قدرة الولايات المتحدة على تجاهل النظام الدولي وحكم العالم من طرف واحدأ عزل روسيا.
إلا ان العقلية الرأسمالية الامبريالية للولايات المتحدة والروح الفردية والثقافة المادية التي لا تعمل إلا وفق ميزان الربح والخسارة واقتناص الفرص لم تأخذ الفكرة السوفييتية في اطارها الصحيح، بل اعتبرتها انتصار لنهجها واستسلام لعدو، ومع ذلك سار عمل مجلس الأمن بانسجام بلا استخدام روسي للفيتو كسمة كانت من سمات الحرب البارده، لكن الولايات المتحدة استغلت الوضع وأخذت تتعامل مع القضايا الدولية وتفرض حلولها بمعزل عن مصالح روسيا العليا ولاضرار التي تلحق بمجالاتها الحيوية، وبمعزل عن الامكانات الروسية التي تتعاظم، بهاجس واحد هو عزلها او احتوائها دون حسابات دقيقه، فجاء التحول الروسي.
ولم يكن ضم روسيا للقرم ومواجهتها العالم الغربي بثبات رسالة كافية لأمريكا وبأنه لم يعد بامكانها خرق قواعد النظام الدولي بالانقلاب على قرارات مجلس حين يطال الأمر مصالح روسيا العليا، وأن في ذلك انهاء للنظام الدولي القائم، ثم تأخرت أيضا في فهم الرسالة في سوريا حتى اصبحت الرسالة بمثابة اعلان روسي بأن الغرب لم يقبل الشراكة مع الشرق وأن روسيا لا يمكن احتواءها او ابتزازها، وأنها هي الاتحاد السوفييتي، وهي الحرب البارده، وهي التوازن الدولي.
اتكلم بهذا الكلام المعروف للكثيرين لأربطه بما قد لا يكون معروفا للكثيرين، وهو أن التصفية الصهيونية للقضية الفلسطينيه التي كان مخطط لها أن تكون مرتبطه بانتهاء المهمة بصنع سوريا جديده على المقاس الصهيوني ليتسنى بعد ذلك تمرير او فرض مخطط تصفية القضية الفلسطينية بمكونيها السياسي والسكاني في الاردن بيسر، قد عكست روسيا مساره او اتجاهه دون تخطيط منها، بل من واقع هدفها الاستراتيجي من تدخلها في سوريا والقائم على اعلان وممارسة وصفها الجديد، لا من واقع يخص قضيتنا، حيث اضطرت أمريكا لتغيير المسار الصهيوني ليبدأ بالقضية الفلسطينية اولا، ونتذكر في هذا تصريح هلاري كلنتون أثناء حملتها الإنتخابية وهو”لا يمكن ان يتحدد مصير الاردن قبل أن يتحدد مصير سوريا”.
فالدخول الروسي بزخمه الى سورية والذي قرأناه كما قرأته امريكا خطأ على انه من قبيل الدفاع عن مصالحها، كان في الواقع عملا استراتيجيا لا يخضع لميزان الكلفه ولا للمقايضه بالقرم وغيره، ترجمت من خلاله روسيا للجميع عودة العالم للقطبية الثنائية عن تصميم واقتدار، وحينما اكتشفت امريكا ذلك وبأنها لم تعد قادره على فرض ارادتها ومخططها في سورية على مقاسها كي تبدأ بالمشروع الصهيوني في تصفية القضية الفلسطينية في الأردن، غيرت مسار مخططها ليصبح حسمه سابقا في التوقيت لحسم الوضع في سوريا ومرتبطا بنفس الوقت ببقاء الفوضى والاقتتال فيها واستغلال الظرف العربي.
ولذلك من المفترض ان الاردن الان دخل مرحلة الاستهداف الأمريكي المباشر الى جانب السلطة الفلسطينية والمقاومه الفلسطييه لاتمام صفقة التصفية بالخيار الأردني، وبالتوازي دخلت سوريا مرحلة الاستهداف الأمريكي باستراتيجية جديدة ليس فيها حل عسكري او سياسي، وتقوم على استمرار الصراع في سوريا وتصعيده وتوسيع لاقتتال وإشغال العرب ودول العالم بصراع امريكي روسي في سوريا وعدم تمكين روسيا من اتمام تسوية سلمية للأزمة ليست على مقاسها ولا تضمن تفتيت سوريا او احلال نظام قد لا يكون مأمونا لاسرائيل وتنفيذ المخطط، وكل ذلك لحين اتمام التصفية.
والمهم هنا أن الاستراتيجية الامريكية الجديدة المنبثقة من صلابة الموقف الروسي وتأثيره العسكري والسياسي في الأزمة ستشمل اقحام الأردن في معادلة القتال مباشرة لأول مرة، ورغم ان اقحام الأردن بهذه المعادله هو استحقاق طبيعي لامتداد الصراع العسكري المزمع في المثلثين الغربي والشرقي في جنوب سوريا على محاذاة الحدود الأردنية، الا أنه اقحام سيكون مطلوبا امريكيا لاشعار الاردن نفسه والعالم بالخطر العسكري والأمني الذي يحيط به، وبالحماية الامريكية وتمتين القبضة الأمريكية سياسيا وعسكريا عليه، وهذا سيفرض على الأردن مستحقات سياسية ويدخله بارتباطات فعالة في تحالفات جديدة ومكشوفة ذات طبيعه سياسية واقتصاديه وعسكرية ملزمة هذه المرة.
وبهذا السياق يجدر التأكيد هنا على هراء واستحالة تنفيذ او نجاح فكرة الدولة الفلسطينية في سيناء، وأن الهدف الصهيوني من هذا المسعى هو لاشاعة ثقافة دولية تتقبل عدم اقامتها على التراب الفسطيني، وقيامها بمكان أخر، فالخيار الأردني هو المطوب صهيونيا لتصفية القضية، والأردن هو المدعى به صهيونيا، جغرافيا وديمغرافيا وعقديا، وما زال صك الانتداب ينص على ان حدود فلسطين هي من البحر الى عمق الصحراء الاردنية، وما زال قرار التقسيم رقم 181 يقسم فلسطين هذه بين اليهود والعرب وليس بين اليهود والفسطينيين.
ليس لدينا هاجس في هذه الحالة اكبر من سلامة جبهتنا الداخية وأمنها وإخاء مكوناتها حتى لا يصبح الشعب عدوا لنفسه وجزءا من المؤامرة من حيث لا يدري، فالعدو لا يفرق باستهدافه بين عربي وأخر ولا بين دولة عربية وأخرى، ولم يعد يفرق بين نظام وأخرفهذا من الماضي، بل يراهن على عدم وعي شعوبنا وتفسخ جبهاتنا الداخلية، والخلايا النائمه كلها في بلادنا خلاياهم، انهم يراهنون على تحويل يأسنا والضغوطات المعيشية والطبقية وغياب العدالة الاجتماعية والتهميش الى فوضى وجرائم واستسلام، والشعوب الواعية تعي أولوياتها في كل ظرف وتقاوم الجريمة والفوضى وترفض اليأس والاستسلام.

التعليقات معطلة.