مقالات

لماذا غابت “السفير”.. وكيف يمكن أن تبقى الصحافة؟!

 
طلال سلمان
على امتداد خمسة عشر شهراً، هي المدة التي إنقضت على انطفاء “السفير”، وانا أتعرض لحملة من الحب المعذب من جمهور “السفير”، قرائها الامناء..
البعض يتجاوز اللوم إلى إطلاق اللعنات على أهلي وعليّ وعلى الظروف، وغالباً ما يرفض سماع مرافعتي بالدفاع عن ايقاف اصدار “السفير” واجابه بمقاطعة قد يتخللها السؤال: متى ستعاود اصدار جريدتنا التي كنا ننتظرها صباح كل يوم لنعرف أين نحن من دنيانا وماذا ينتظرنا في غدنا؟! ولماذا تواصل بعض الصحف الهزيلة والتي لا يقرأها أحد الصدور وتغيب احدى أهم الصحف التي عرفها لبنان والوطن العربي؟
آخر احتفال باللوم كان يوم الاحد الماضي في عيناب..
كانت “جمعية كمال جنبلاط الفكرية” تنظم لقاء تكريميا لمجموعة من المبدعين كتابة وموسيقى وتمثيلا وبحثاً في شؤون الاقتصاد هم: الفنان احمد قعبور، والممثل القدير جهاد الاطرش، والممثل الذي تربينا على صوته وادائه لا سيما في الادوار التاريخية عبد المجيد مجذوب، والأكاديمي مروان اسكندر، والاستاذ غازي صعب مدير مكتبة بعقلين (التي كانت سجنا) والفنان الخطاط فارس ملاعب، وكاتب هذه السطور.
ولقد استقبلت ثم ودعت بتظاهرة من اللوم المبهج توجها الصديق أكرم شهيب والسيدة عقيلته بتحية “رثاء” رقيقة، تؤكد ثبات “السفير” بمواقفها الوطنية والقومية في وجدان اللبنانيين وسائر العرب.
قبل عيناب، كان لقاء للوم والعتاب في العبادية.. وقبل العبادية كان في حاصبيا، ثم في بعلبك، وقبل بعلبك كان في شمسطار، فضلاً عن “حفلات التأبين” في بيروت التي شاركت فيها نخبة من اهل الفكر والنشاط السياسي، أبرزها حفل جمعية التخصص والتوجيه العلمي في بيروت وقد تحدث فيه كل من:
الدكتور بهيج طباره، الدكتور البير منصور، كريم بقرادوني، رشيد درباس ، بشارة مرهج، الدكتور غسان العياش، الدكتور انطوان سيف، وقدمه المهندس واصف شراره. هذا مع تجاوز “الوفود” التي جاء مطالبة بعودة “السفير” إلى قرائها، ولو عبر الانترنت، وبرقيات النعي ورسائل اللوم مع التقدير، وأكثر منها الرسائل والبرقيات التي ابدت تفهما لقرار “تغيب” “السفير” لصعوبة، بل استحالة استمرار صدورها في ظل التمزق العربي والانعدام السياسي، وطغيان مناخ الفتن الطائفية والمذهبية، وسقوط الاحزاب السياسية والنقابات وسائر مؤسسات العمل الثقافي والفكري والاجتماعي في هوة الفراغ السياسي والحزبي والنقابي، اللهم الا تلك التي ترعاها الهيئات والمنظمات والاحزاب الطائفية.
إن الوطن العربي بأقطاره المختلفة يعيش موته في مسلسل لا ينتهي من الكوارث يلتهم عواصم الحضارة والابداع الانساني، من صنعاء إلى طرابلس الغرب، مرورا ببغداد ودمشق والقاهرة والخرطوم..
كذلك فان تونس تبدو مهددة بالحرب الاهلية، والجزائر مهددة بالتقسيم مع اصرار رئيسها المشلول على التمسك بكرسيه الذي يتنقل فوقه داخل قصره الرئاسي ويملي تعليماته على معاونيه..
أما لبنان الممنوع انفجاره او تفجيره “لأسباب دولية” فانه يعيش مسلسلاً من الهزات السياسية ذات المضمون الطائفي حول أي قرار وكل قرار “سيادي” يتخذ فيه… وحاكم مصرف لبنان يلعب بالبيضة والحجر لضمان استقرار عملته بالثمن..
لقد اغتيلت الكلمة، وغُيب اصحاب الرأي في سجون الداخل، مذهبة على طريقة الامير محمد بن سلمان السعودي وغير مذهبة، كما في سائر العواصم العربية..
لا أحزاب، لا نقابات، لا اتحادات مهنية، لا اتحاداً وطنياً لطلبة لبنان. يعوض تفرقهم واختلاف “ثقافتهم” بحسب الجامعات التي يدرسون فيها.
كيف، اذن، ستكون صحافة ولا هواء..
الاحزاب والتنظيمات الطائفية تسمم الجو وتُفسد الاجيال، او تدفعهم إلى الابتعاد عن السياسة والعمل الحزبي (لا سيما العقائدي منه..)
كيف لا تختنق الصحافة بعنوان “السفير”، وكيف يمكن أن تستمر في جو معقم ضد السياسة، بمعناها الاصلي، أي الاهتمام بالشأن العام، وحمل راية التغيير لتحقيق مطالب الناس في حكم يلبي مطالبهم ويحمل آمالهم وطموحهم إلى غد أفضل؟!