مقالات

أسعد تلحمي

بين زيارة نتانياهو وأزمة هوية عرب الداخل

أخرجَ قيام السلطة المحلية في بلدة عين ماهل العربية في قضاء الناصرة (شمال إسرائيل) بتنظيم «حفلة تكريم» لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، الأسبوع الماضي، إلى السطح مجدداً مسألتين: الأولى، تعامل الحكومة المتعالي مع الأقلية العربية في إسرائيل من جهة، والأخرى أزمة الهوية لدى هذه الأقلية.

وقرية عين ماهل، كما مدينة الناصرة وقراها الأخرى، كانت من الضحايا الأولى لسياسة مصادرة الأرض العربية التي انتهجتها الحكومة الإسرائيلية مع قيام الدولة العبرية، فبنت عليها مدينة «نتسيرت عليت» (أي الناصرة العليا) لتكون أول بلدة يهودية تُبنى في قلب الجليل خشيةَ فقدان الغالبية اليهودية في الجليل واستقدمت إليها عشرات آلاف المهاجرين اليهود من دول الاتحاد السوفياتي السابق وحولتها إلى مدينة عصرية، تلتها عشرات البلدات اليهودية الجديدة، فيما لم تنشأ حتى بلدة عربية واحدة حتى اليوم.

وفي كلمته في الحفلة، لم يجد نتانياهو ما يقوله لمضيفيه المصفقين سوى أنه «رجل سلام» معيّراً المتظاهرين ضد زيارته وتكريمه «بعدم التظاهر احتجاجاً على قتل الملايين في العراق وسورية وليبيا»، ومعترفاً بأن الحكومات السابقة ميزت ضد العرب، ليغادر القرية بعد ساعتين معرجاً على «نتسيرت عليت»، ويعلن هناك في شكل احتفالي قراره بناء 7000 وحدة سكنية جديدة (طبعاً على أراضٍ عربية مصادَرة منها أراضي عين ماهل!)، في وقت تعاني مدينة الناصرة وقراها العربية من الاختناق.

وعكَس الجدل الساخن بين مؤيدي الزيارة ومعارضيها أزمة الهوية التي تعيشها الأقلية الفلسطينية. وفضلاً عن التظاهر الاحتجاجي للمئات، شهدت وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع المحلية على شبكة الانترنت تراشقاً عنيفاً بين المؤيدين والمعارضين، أيضاً بين المعارضين أنفسهم على خلفية التباين في مبررات المعارضة.

وحملت القوى الوطنية راية المعارضة الشديدة منددةً باستقبال «مجرم الحرب» و «عدو المواطنين العرب»، فيما حصر معارضون آخرون موقفهم في «التكريم» وليس في الزيارة بداعي أنه لا يجوز لسلطة محلية عربية تعتاش على موازنة من الحكومة أن ترفض استقبال رئيس الحكومة.

وبرزت الفئة الثالثة التي كان لسانها أشد سلاطةً، فاعتبرت موقف الشيوعيين المعارض الزيارة «نفاقاً»، مستذكرةً أن رئيس بلدية الناصرة السابق ممثل الشيوعيين رامز جرايسي استقبل «السفاح» أرييل شارون، رافضةً التبرير بأنها كانت زيارة عمل.

وعيّر آخرون النواب العرب في الكنيست، الذين احتجوا على الزيارة، بأنهم يتعاملون في الكنيست الإسرائيلي يومياً مع نتانياهو ووزراء حكومته ويؤدون القسَم للإخلاص للدولة العبرية. وعليه، فمن أين لهم الحق في التهجم على مستقبِلي نتانياهو؟

وبين هذا وذاك، ضاعت المواقف واشتدت أزمة الهوية التي يعيشها المواطنون العرب المختلفون أصلاً حول تعريف أنفسهم، بين «عرب فلسطينيين» أو «عرب في إسرائيل» أو «عرب إسرائيليين» أو بعضهم الذي بات يضع انتماءه الديني (مسلم، مسيحي، درزي، بدوي) قبل انتمائه القومي أو المدني.

ويدرك نتانياهو وسدنة الدولة العبرية هذه التخبطات ويعزفون على وترها. ومن هذا المنطلق، يصرّون على التعامل مع مواطنيها العرب كمجموعات دينية وعرفوا ولا يزالون كيف يؤلبون مجموعة على أخرى رافضين التعامل معهم كمجموع قومي إثني له حقوقه.

أما القيادة العربية في الداخل، المتمثلة في لجنة المتابعة العليا، فما زالت عاجزة عن تقديم أجوبة عن أسئلة كثيرة يطرحها المواطن العربي في الداخل، المتخبط في تعريف هويته ويعيش في حيرة حقيقية في شأن طريقة تعامله مع الدولة، إذ يستعمل المواطنة كتِرس حماية له ولوجوده، ومن جهة أخرى يخشى اقتصاص الدولة منه إذا «خالَف التوقعات».

ولن يتغير الأمر طالما بقيت المواطنة في إسرائيل إثنية أيديولوجية وليست مدنية، ولن تصير مدنية إلا بتفكيك منظومة الاستعمار والهيمنة والإقصاء وتطبيع الدولة علاقتها بمحيطها الفلسطيني أولاً ثم العربي. ويبدو أننا على مسافة سنة ضوئية من ذلك، وقد يضطر العرب في الداخل للمرور قبل بلوغها بفترة أبرتهايد وعنف قد يتمخّض عنهما ترانفسير وتهجير ثانٍ وربما ثالث.