مقالات

أمريكا ستتراجع عن التورط بسوريا.. فأهداف الدولتين مختلفه فيها.. واسرائيل لا تتحمل القليل من نتائج الحرب.. ولعبة النظام الدولي المنبثق من يالطا يعطي الأفضلية لروسيا

 
فؤاد البطاينة
عندما نتحدث عن الصراع الروسي الامريكي يجب ان نستحضر بأن قرار الحرب بينهما ليس سهلا على أي طرف، وأن هناك بالضرورة طرف يجب ان يتراجع لعدم أحقيته، أمام حق الأخر في أسبابه للاصرار على الحرب، لأن المسالة تتعلق بلعبة النظام الدولي المنبثق من يالطا وأسسها المتفق عليها والتي وُثِقت في طيات الميثاق باختصاصات مجلس الامن وقواعد عمله، وأهمها نظام الفيتو كآلية لمنع وقوع حرب بين الدول المحتلة للمقاعد الدائمة العضوية بالمجلس، وتُستخدم هذه الاليه في الأساس عندما يتعلق الأمر المطروح بالمصالح العليا لواحدة منها او لحليف استراتيجي لواحدة منها، أو في حالة أن تعلق بمنطقة نفوذ لإحداها، حيث عندها على الاطراف الاخرى ان ترضخ لفشل مشروع القرار باستخدام الفيتو أو لتمرير مشروع القرار بالامتناع عن استخدامه، وإلا سينهار النظام الدولي ويتحمل الجميع عواقب وخيمه.
ومن هنا علينا التفريق على الصعيد الدولي بين علاقة الصداقة وبين العلاقة الاستراتيجيه، و مناطق النفوذ، فلكل منها استحقاقاتها التي لا يتم تجاوزها، فالصداقة بين دولتين لا تعني أكثر من معناها، ولا تحتمل غير التسهيلات والمساعدة والتعاون وأفضلية الرعاية للمصالح المتبادله والحاجات الوطنية بين دولتين في مختلف الحقول، اما الدعم السياسي فيبقى هنا في الاطار الدبلوماسي في المحافل الدولية، وعندما تقدمه الدولة الكبرى لصديقتها الصغرى او العكس على خلفية قضية وطنية فلا يتعدى السقف بالوصف السياسي دبلوماسي الطبيعة الذي ساد في مرحلة الحرب البارده، وعادة ما تكون الدولتان اللتان تربطهما علاقة صداقة حرتان في قراراتهما السياسية الوطنية، كالسوفييت ومصر سابقا.
اما العلاقة الاستراتيجية ففيها تتوحد المصالح العليا المشروعة وغير المشروعة للدولتين ويصبح الاعتداء على اراضي او مصالح احداهما بمثابة الاعتداء على الأخرى، وتتراجع معالم السيادة في كثير من الحالات لصالح هذه العلاقة الاستراتيجية ولكن تبقى قيادة البلدين حرتين في القرار الوطني وفي خيار العلاقة الاستراتيجية نفسها، والعلاقة الأمريكية الاسرائيلية هي مثال لمفهوم هذه العلاقه الاستراتيجيه
ومن حيث مناطق النفوذ، فهو من شأن الدول الكبرى فقط وتكون عادة مناطق محرمة على الدول الأخرى، والعلاقة الاستراتيجية هنا تكون مع الارض والمساحة الجغرافية وليس بالضرورة مع حاكم الدوله الذي يكون امره وقراره الوطني بيد الدولة صاحبة النفوذ، وينطبق مفهوم مناطق النفوذ على سبيل المثال على كوريا الجنوبية في خمسينيات القرن الماضي لعقود لاحقه قبل ان تتحول الى علاقة استراتيجية اليوم، وهذا بفضل وعي ووطنية الكوريين الجنوبيين، ومن الأمثله الحديثه القريبة منا على مناطق النفوذ نستطيع تسمية دول الخليج العربي والأردن، فمنذ أن نشأت هذه الدول كانت مناطق نفوذ، ويمكن القول بأن سوريا اليوم هي مشروع منطقة نفوذ روسيه وسنأتي لذلك.
وبناء على التصنيفات الثلاثه، نستطيع تفسير الموقف السوفييتي ثم الروسي من القضية الفلسطينية بين العرب واسرائيل وذلك من كون اسرائيل حليفا استراتيجيا لدولة عظمى دائمة العضوية في المجلس وهي امريكا، بينما لا يوجد للعرب حليفا استراتيجيا واحدا من بين الدول الدائمة العضوية بالمجلس، فعندما تحتل الارض العربية او تتعرض مصالح اسرائيل غير المشروعه للخطر كان السوفييت سابقا او الروس اليوم يلتزمون بقواعد اللعبة المتفق عليها ويقفون عمليا على الحياد ويكتفون بصرف مواقف الادانه السياسيه، فهناك فرق شاسع بين مستحقات التحالف الاستراتيجي اللامحدوده وبين مستحقات الصداقة المحدوده التي كانت تربط السوفييت ومن بعدهم روسيا ببعض الدول.
وللدخول في المسألة السورية والصراع الروسي الامريكي القائم حاليا، علينا الانتباه الى أن كل دولة ليست على علاقة استراتيجية مع دولة كبرى، او ارض ليست تحت نفوذ دولة كبرى، هي محل تنافس غير حر لكسبها سواء كحليف استراتيجي او كمنطقة نفوذ، حيث أنه في هذه لحالة هناك عوامل في المنطقه أو الدولة المستهدفه تعطي الحق او الافضلية لدولة كبرى دون الاخرى، وعلى الاخرى هنا أن تحترم ذلك وتتراجع وإلا سيقع خللا ليست نتائجه في صالح احد، ويُقوض قواعد النظام الدولي.
واذا نظرنا للحالة السورية من هذا المنظور كي نرى لمن الافضلية في التدخل بالشأن والأرض السورية لتحالف استراتيجي معها او لجعلها منطقة نفوذ، نقول ان سوريا كانت على الدوام دولة صديقة الى روسيا وللمعسكر الشرقي وفي حالة خلاف واختلاف مع أمريكا، ودخلت في حروب مع اسرائيل كحليفة لامريكا، وأن فيها قواعد عسكريه قديمه لروسيا، ونقول بأن امريكا تعلم كل ذلك وتعلم ان سوريا ما كانت يوما الا بفلك المعسكر الشرقي، ومن هنا تكون الأفضلية لروسيا، والسؤال هنا هو، الى اي خيار من الثلاثة تتطلع روسيا لتحقيقه في سوريا، وهل لها اهداف أخرى؟ وما هو مبرر التدخل الأمريكي في سوريا وما جديته وحدوده وأهدافه؟ ومَن مِن الطرفين سيتراجع عن دق طبول الحرب؟
بالنسبة الى روسيا فأن موقفها الصلب والمكلف بزخمه في سوريا هو بمثابة اعلان نهائي للعالم بأنها عادت قطبا ثانيا ومقتدرا عسكريا وعلميا واقتصاديا، لأسباب ذكرتها في المقال السابق. وأنها في سياق جاد لفرض نفسها ومصالحها على الغرب وعودة الحرب البارده، وتعلم امريكا أن روسيا دفعت كلفة كبيرة في سوريا، مالا ورجالا ودماء، ولن تجعل من هذا مجانا وهباء، ولا محلا للتفاوض، وإن ما حصل في افغانستان والعراق وليبيا لن يتكرر في سوريا وفي اي مكان اخر يخصها، فهي اليوم في سوريا امام خيار الفوز وعدم الاستسلام امام شعبها والعالم، وفي سبيله ستكون جادة في التقدم نحو الحرب ان لزم الأمر وتقويض النظام العالمي برمته كخيار افضل لها من التراجع والاذلال امام ارادة الغرب، ونحن نرى بأن روسيا هي التي تطلق التهديدات الى امريكا وليس العكس.
أما امريكا التي تفهم كل ذلك، فلا أعتقد أن لها هدف في سوريا اكثر من تأمين مطالب اسرائيل على صعيدي اخلاء منطقة جنوب سوريا والجولان من ايران وحزب الله من ناحيه، وتأمين بيئة عدم استقرار او تسويه في سوريا لحين تنفيذ مخطط اسرائيل في تصفية القضية الفلسطينية بسلاسه، وأنها لن تخوض حربا مع روسيا وستتراجع، وهي قادره فيما بعد على تحقيق مصالحها المتعلقة بالطاقة او خطوط نقلها، فالحرب في الظروف القائمه كلفتها عاليه جدا، عبثية لأمريكا وخطيرة على اسرائيل التي لا تستطيع تحمل الخسارة التي تتحملها ايران ولبنان ولا بنسبة واحد الى عشرة، وستنظر اسرائيل في خيارات اخرى سياسية، وسياسة الجدران التي هي من عقيدة الغيتو ما زالت قائمه لديها.
اما عن طبيعة العلاقة الروسية التي ستستقر مع سوريا فنحن نعلم اليوم ان روسيا تحتل القرار والسيادة السورية احتلالا، وجعلت من دمشق ومما تحرره من الاراضي السورية مناطق نفوذ لها، وما تعيشه القيادة السورية اليوم من حيث القدرة على ممارسة السيادة على القرار أصبح شبيها بما تعيشه قيادة خليجية، وحيث أن التواجد الاحتلالي الامريكي والتركي لأراض سورية واستمرار الاقتتال فيها لن يكون دائما وسيبقى لحين تصفية قضية فلسطين، التي ستتلوها التسوية السياسية في سوريا، فإن روسيا سوف تحدد صفة علاقتها بسوريا بعد التسوية السياسية إن كانت استراتيجية او منطقة نفوذ.
وفي الختام أتساءل كيف ستكون عدالة على الارض حين يفلت حاكما عربيا واحدا من عقاب محكمة التاريخ ونحن نشهد ما تسببته مقايضتهم مصير اوطان وشعوب وقضية ومقدسات مقابل شيخة على محميات، وكيف سيفلت شعبا عربيا واحدا من نفس المحكمه ما دام خانعا تحت أي ظرف، لقد اصبحنا نرى انفسنا نعيش في أوطاننا بالإيجار وبلا هوية.