مقالات

أميركا والجيش الأوروبي

 
د. أثير ناظم الجاسور
 
في 14 اكتوبر من عام 1991 وجدت القيادتين الفرنسية والألمانية من ضرورات صياغة نظام أمني أوروبي أن تصاغ هيكلية جديدة لقوة عسكرية أوروبية تشترك فيها الدول الأوروبية لصياغة نظام آمن جماعي أوروبي مشترك، وعليه شرعت لإنشاء الفيلق الأوروبي الذي كان من المفترض أن يكون نواة لإقامة جيش أوروبي متعدد الجنسيات إلى جانب الاحتفاظ بمكانتهما في حلف شمال الاطلسي، ويكون مقره في مدينة ستراسبورغ الفرنسية ويتكون من خمس دول هي: ألمانيا وفرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ وإسبانيا، لم تكن الأوضاع الأوروبية والعالمية تعطي اهمية لهذه الدعوة على الرغم من جديتها إلا إنها لم تكن ذات وقع كبير لا على الانظمة السياسية الأوروبية ولا حتى على الولايات المتحدة، لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة كانت بعيدة عن هذا المشروع خصوصاً وإن الدول الاوروبية وتحديداً فرنسا وألمانيا أعضاء في حلف شمال الاطلسي المظلة العسكرية التي تساهم في حماية القارة منذ بدء الحرب الباردة ولغاية اليوم، خصوصاً وان ميثاق الاطلسي بمادته الخامسة يعطي الضوء الاخضر لكل الاعضاء بالدفاع عن اية دولة تتعرض للاعتداء بعد ان اعتبرت هذه المادة ان الاعتداء على اية دولة في الحلف هو اعتداء على دول الحاف أجمع.
وانتهت الحال بهذا المشروع إلى ان تكون دوله جزءاً من مشروع اميركي كبير حاولت من خلاله ان تفرض هيمنتها على العالم منذ حرب الخليج الثانية 1991 مروراً بحرب البوسنة والهرسك 1995 وكوسوفو 1999 وافغانستان 2001 وليبيا 2011 ولغاية اليوم، أما الاوروبيين فانهم بشكل أو بآخر لعبوا أدواراً قد تكون مغايرة للمتبنيات الاميركية سواء برفضهم للحروب التي خاضتها باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان أو سياسة الاحتواء التي اتبعتها مع الكثير من الدول التي تشترك بمصالح مع الدول الاوروبية لكنهم بالنهاية ساروا وفق تلك الاستراتيجية التي تم بناؤها وفق تلك المتبنيات التي تحاول الإدارة الاميركية من خلالها أن تؤكد تربعها على عرش النظام الدولي، وهذه التوجهات بكل الأحوال كانت بالضرورة مصدر ازعاج للأوروبيين لأنها سببت ضرراً على المصالح الأوروبية واستراتيجيتها في مناطق مختلفة من العالم حتى انها كانت ولا زالت تعارض السياسة الاميركية المتبعة تجاه تلك المناطق والدول، في عام 2018 عادت الدعوة لأنشاء هذا الجيش الاوروبي الموحد بعد أن دعا إليه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على هامش الاحتفال بذكرى نهاية الحرب العالمية الاولى بعد أن دعا إلى ضرورة الاستقلال الاوروبي في قضية التسليح عن الولايات المتحدة، من ثم عادت اليوم المستشارة الالمانية إنجيلا ميركل تعلن عن ضرورة إنشاء هذا الجيش بقولها ” ينبغي أن نعمل على رؤية مفادها أن نبني يوماً ما جيشاً أوروبياً حقيقياً” يتم التعاون فيه على مختلف الصعد ويكون اساسه التعاون الدفاعي بشكل أساس، وقد رحبت موسكو بإنشاء هذا الجيش الذي يعطيها وحلفائها أوراق لعب أكثر وقوة أكبر للضغط على الولايات المتحدة، بالتالي فان هذه الجهود الفرنسية الألمانية التي قد تكون مدعومة أوروبياً ستساهم بإتمام أمرين الأول هو خروج الأوروبيين الغربيين تحديداً من تحت السيطرة الأميركية التي باتت تتدخل في كل شاردة وواردة بالشأن الأوروبي مما تجعلهم مستقلين في قراراتهم السياسية والعسكرية والاقتصادية، الأمر الثاني تعطي هذه الاشارات الضوء الاخضر إلى أن يكون لخصوم الولايات المتحدة توجهات داعمة.
بالتالي فان هذه الخطوة على الرغم من وجود مؤيدين ومعارضين إلى جانب غضب الاميركان من هذا القرار الذي يجعلها في حالة تطبيقه بعيدة عن الساحة الأوروبي، إلا انها تقرأ على أساس الاعتبارات التي جعلت من القوى الاوروبية تعلن وفي مناسبات مختلفة عن هذا المشروع الذي يعطي مجموعة من النقاط الايجابية بالنسبة لدول أوروبا خصوصاً إذا رأى هذا المشروع النور وعلى النحو الاتي:
1- دليل على إنها تمتلك القدرة بالدفاع عن نفسها وعن مصالحها في مختلف مناطق العالم.
2- تخلي الدول الاوروبية عن الدعم الاميركي والاطلسي المتمثلة بحلف شمال الاطلسي.
3- تخلص الدول الاوروبية من قضية الانفاق داخل الحلف والتي تُعد من القضايا المزعجة للدول الاوروبية التي ارهقتها ولسنوات طوال.
4- التخلص من الهيمنة الاميركية على القرار الأوروبي السياسي والعسكري.
5- إضعاف الجبهة الاميركية في هذه النقطة المهمة والحساسة من العالم، مما يجعل خصومها أكثر قوة وتماسكاً بعد خسارة حلفاء مهمين وأساسيين.
6- هذه الخطوة تعد بداية إضعاف حلف شمال الأطلسي والتي قد تكون نواة نهايته.
وبين هذه الآراء وتلك ستحاول الولايات المتحدة أن تخلق الاجواء التي تساهم في عدم المضي بهذا المشروع أو على أقل تقدير دعمه من داخل الحلف كأن يكون قوة عسكرية منضوية تحت لواء حلف شمال الأطلسي، أو يكون قوة لا مهمة لها سوى المسمى، وبين أن يتم الاستعداد لتشكيل هذا الجيش وبين تشكيل قوى معارضة له من داخل أوروبا يبقى مشروعاً يهدد الهيمنة الامريكية على العالم ويهدد جناحها العسكري حلف شمال الأطلسي.