مقالات

نظرية حقل الألغام “الاستراتيجية القادمة للإرهاب”

 
 
محمد بن سعيد الفطيسي
 
التطور المستمر والسريع في الاستراتيجيات والعمليات المتعلقة بإدارة الإرهاب ونشر بذوره وتوسع أفكاره وتوجهاته من قبل التنظيمات الإرهابية في مختلف أرجاء العالم تسير وفق رؤية تنظيمية وتطويرية تواكب متغيرات النظام الدولي المعاصر، مستغلة كل الوسائل والإمكانيات والفرص المتاحة لذلك، ما يؤكد أن تلك الجماعات والتنظيمات لا تسعى فقط إلى الانتشار العشوائي بقدر ما تبحث عن الاستقرار وتكوين الدولة السياسية الافتراضية كبديل للدولة الجغرافية التي يمكن التأكيد على صعوبة تكوينها على النحو المأمول من قبل هذه التنظيمات خلال هذه الفترة الزمنية على أقل تقدير.
وما هو متصور ويمكن استنتاجه وفق العديد من القراءات والتحليلات المتعلقة بتطور الاستراتيجيات الهجومية لهذه التنظيمات خلال المرحلة الزمنية القادمة، وبناء على تلك التحولات السياسية والمعطيات الأمنية الحاصلة في هياكل البناء الدولي، فإنه يمكن التأكيد على أن أبرز تلك التوجهات الميدانية المستقبلية والتي سيتم العمل عليها وتنفيذها لتحقيق أهداف الرؤية المستقبلية لهذه التنظيمات ستدور حول رؤيتين هما: ما أطلق عليه بنظرية “حقل الألغام” في البيئة الافتراضية، وكذلك التوسع في العمليات القائمة على ما يطلق عليه بعمليات الذئاب المنفردة في الحقل الفيزيائي.
وتقوم هذه النظرية ـ كما سبق وأشرنا ـ على فكرتين أو توجهين هما: العمل في البيئة الافتراضية فيما يطلق عليه بالإرهاب الإلكتروني، والقائم على زراعة أكثر من لغم “افتراضي”، ويقصد بالألغام هنا هي مجموعة الأفكار التي تعمل وفق استراتيجيات الحرب النفسية ولكن في بيئة افتراضية يتم اختيارها بشكل دقيق وفق أسباب الضعف والترهل في البيئة الفيزيائية أو الجغرافية السياسية. مستغلة تلك التنظيمات أن الشعوب التي ستعيش في العالم القائم على التشكل اليوم وهو العالم الافتراضي أو الرقمي ستكون من (الشعوب الفتية التي تعيش في مناطق مضطربة ذات فرص اقتصادية محدودة وتاريخ حافل بالنزاعات الداخلية والخارجية).
أما الفكرة الثانية والتي سيتم نشرها وتبنيها بشكل أكبر خلال الفترة الزمنية القادمة فستتركز على اختيار بعض الأفراد من ذوي السجلات البيضاء، وهم أفراد أو أشخاص ليس لديهم سجلات أو سوابق إجرامية، وسيتم تجنيدهم عبر ذات البيئة النفسية والافتراضية على الأغلب، مما يؤهلهم ليصبحوا قادرين على القيام بعمليات نوعية تلحق الضرر بأكبر قدر ممكن من الأشخاص والممتلكات في دولهم خصوصا.
على ضوء ذاك. لا شك أن الاستراتيجية الصحيحة لمقاومة الإرهاب والتطرف والتي يجب أن تتبناها النظم السياسية الحكيمة والذكية خلال المرحلة القائمة والقادمة بناء على التحولات سابقة الذكر هي تلك التي تقتلع بذور الإرهاب والتطرف من الأرض الفيزيائية أولا قبل أن يجد البيئة المناسبة والخصبة لنموه وانتشاره، وذلك لن يتحقق أبدا إلا بتحقيق العدل أولا بين الرعية، وثانيا عبر التقارب بين المواطن والحكومة التي تدير مؤسسات الدولة ومعيشة المواطن. وبالطبع لا بد من الحرص الشديد في التعامل الأمني مع متغيرات وتطورات البيئة الافتراضية المتعلقة بتطور الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، وهذا الأمر بلا شك لن يتحقق بشكل صحيح وعلمي إلا بتطوير الأساليب الفكرية أولا، ومن ثم مواكبة التطورات التكنولوجية في البيئة الافتراضية من قبل المؤسسات المعنية بالوقاية من هذه المخاطر.
فإذا ما أضفنا إلى هذه الرؤية تلك الاستراتيجية المتوقع أن تعمل عليها التنظيمات الإرهابية خلال الفترة الزمنية المقبلة، أقصد، التوجه إلى تنفيذ العمليات الإرهابية عبر البيئة الافتراضية وساحة الحرب النفسية، فإنه يمكن التأكيد على أن بذور التطرف والإرهاب ستنتشر عبر الهواء الافتراضي. مما يعني أهمية هذه البيئة في المرحلة الزمنية القادمة، وأخيرا أهمية مراقبة مختلف المتغيرات الحاصلة في المجتمع، خصوصا بين فئة الشباب منهم، وعلى وجه الخصوص تلك التي تدور حول مستقبلهم من الناحية الاقتصادية والسياسية.