مقالات

أهمية الجولة الحالية في مسار مفاوضات جنيف

حسين عبد العزيز

لا شك في أن جولة مفاوضات جنيف-8 تختلف عن غيرها من الجولات التفاوضية السابقة، ولا يتعلق الأمر بحصول اختراقات سياسية أو عدم حصولها، فهذا أمر من المبكر الحديث عنه، وإنما يتعلق الأمر بالظروف والشروط التي تميز هذه الجولة.
ثمة خمسة تطورات سبقت الجولة الحالية سيكون لها تأثير كبير على مجرى العملية التفاوضية وإن لن تظهر جدواها في المدى القريب:
1- إنهاء الوجود الاستراتيجي لـتنظيم «داعش» في سورية، مع ما يعنيه ذلك من تهيئة الأجواء لعودة ثنائية النظام والمعارضة للمشهد السياسي، وهي الثنائية الضرورية لحل الأزمة السورية.
2- انتهاء مؤتمر آستانة من مهمته الاستراتيجية المتمثلة بتثبيت وقف إطلاق النار في المناطق الأربع المحددة لخفض التوتر.
3- بيان ترامب- بوتين الذي تحدث صراحة عن إصلاح سياسي وليس انتقال سياسي، وشرعن وجود الأسد أثناء عملية الإصلاح حين لفت إلى إعلان الأسد التزامه بعملية جنيف والتغيير الدستوري والانتخابات وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254.
4- مؤتمر «الرياض-2» الذي شكل انتقالاً في الخطاب السياسي باستخدام الصفة المعيارية بدلاً من الصفة التقريرية التي هيمنت على البيان الختامي لمؤتمر «الرياض-1»، وإدخال فرقاء جدد في «الهيئة العليا للمفاوضات» بما يستجيب للقرار الدولي 2254 ولمطالب المجتمع الدولي، والذهاب إلى جنيف في وفد موحد ذي مرجعية موحدة من الناحية النظرية لا العملية.
5ـ- لقاء بوتين- الأسد، وما أعلنه بوتين من أن العملية السياسية تتطلب تسويات وتنازلات من جميع المشاركين بما في ذلك النظام السوري.
أهمية هذه التطورات تكمن في أنها حددت المفاوضات السياسية كعملية وحيدة للوصول إلى حل للأزمة السورية، وبالتالي لم يعد هناك فائض من المناورة للنظام للهروب إلى ساحة الميدان كلما فشلت المفاوضات. وهذا ما يفسر محاولات النظام عرقلة الجولة الحالية عندما قرر تأجيل سفر وفده المفاوض إلى جنيف، في رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي بأنه قادر على عرقلة المفاوضات.
المسألة هنا تتعلق برؤيتين متباينتين: المعارضة تنطلق من الوثائق والتفاهمات الدولية الخاصة بسورية، في حين يعتمد النظام أسلوب المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، أي إبعاد الشرعية الدولية وقراراتها، وترك المفاوضات لموازين القوى.
مع ذلك، فإن الجولة الحالية تعتبر مهمة كونها ستركز على مسألتي الدستور والانتخابات من دون إغفال ورقة المبادئ العامة التي تحكم مستقبل سورية، وهذه المبادئ ستتم مناقشتها بالتفصيل داخل سلتي الدستور والانتخابات، بمعنى أن الاتفاق على كل سلة يعني بالضرورة الاتفاق على جزء من المبادئ العامة، وهذه خطوة تكتيكية مهمة تساعد وتسرع الوصول إلى تفاهمات.
فعلى سبيل المثال، سيتضمن الدستور الجديد بطبيعة الحال المبادئ العامة لشكل نظام الحكم وآلية الإصلاح السياسي والإداري، ومن هنا سيكون الصراع المقبل حول أي دستور سيعتمد، ففي حين تصر المعارضة على اعتماد دستور الخمسينات، لا يزال النظام متمسكاً بدستور 2012، وآخر تأكيد له على ذلك جاء في بيان لوزارة الخارجية السورية الذي رحب بانعقاد مؤتمر «الحوار الوطني السوري» في سوتشي ورحب بمناقشة مواد الدستور الحالي.
هذا الخلاف يمتد ليشمل أيضاً سلة الانتخابات، هل ستكون الانتخابات برلمانية فقط، أم برلمانية ورئاسية؟ وما هو الجدول الزمني لهذه الانتخابات؟
لكن الخلاف بين الطرفين أعمق مما يبدو في الظاهر، إذ لا يقتصر الخلاف على شكل وطبيعة الانتخابات، وهل ستكون مرجعيتها ضمن فقرة خاصة بها في الدستور، أم تعتمد على المبادئ الأساسية الواردة في الدستور؟
الخلاف المضمر يكمن في البيئة والمناخ الذي يسبق الانتخابات، ذلك أن انتخابات ديموقراطية من دون مناخ ديموقراطي، قد تعيد إنتاج الاستبداد عبر صندوق الاقتراع، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك في العالم.
إن أية انتخابات مهما كانت شفافة وتحت إشراف دولي ستنتهي لمصلحة النظام ما لم يتم تغيير المنظومة الأمنية والسياسية الحاكمة، فالمواطن داخل الجغرافية السورية سيصوت بقرارة نفسه لمصلحة النظام نتيجة الخوف الشديد، ومن دون تهيئة المناخ الديموقراطي لا معنى لأي انتخابات مهما كان نوعها.
ومن هنا كانت أهمية فكرة الانتقال السياسي التي تطالب بها المعارضة، لأنها تحدد مرحلتين زمنيتين متباينتين، يتم عبرهما الانتقال من نظام سياسي إلى نظام آخر مختلف تماماً، أما في ضوء الإصلاحات السياسية، فيبدو من الصعب تلمس حقيقة المناخ السائد.
إن تعامل المجتمع الدولي مع الدستور والانتخابات بصفتهما آليتين للإصلاح السياسي غير كاف ما لم يترافق مع رؤية شاملة لطبيعة المناخ السياسي القائم في البلاد، وهذه أحد أهم مهام وفد المعارضة، فإذا كان غير قادر على فرض رؤيته الكاملة للحل السياسي، فلا بد له أن يتمسك بروح التحول السياسي وغايته الكبرى، وإن كان ذلك على المدى البعيد.
ومع أنه لا يتوقع حدوث اختراقات تفاوضية ذات قيمة، إلا أن الاهتمام الدولي بهذه الجولة قد يجعلها بمثابة نقطة تحول، فبخلاف الجولات السابقة من المفاوضات، أرسلت الولايات المتحدة ديفيد ساترفيلد مساعد وزير الخارجية إلى جنيف، في مؤشر على اهتمام أميركي بأن لا تكون الجولة الحالية مشابهة للجولات السابقة.