مقالات

السلاح وحده لا يكفي

”رؤيتي هي أن الإرهاب والأمن مصطلحان يسيران في اتجاهين متضادين، فإذا وجد الأمن في مكان ما اختفى الإرهاب، وإن بدا ينضح في مجتمع فهذا دلالة على تراجع الأمن فيه، وبالتأكيد إذا سار المصطلحان نحو نقطة تقارب فالأفضل للمجتمع أن يتخلى الأمن عن مواجهته بالسلاح وقوة العتاد العسكري، لأن الخاسر الأكبر سيكون مسرح المعركة وهو المجتمع أو الدولة.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما تكون الاسباب غير منطقية والنتائج كارثية لفاعل مجهول المعالم محدد الأهداف ضد أناس لا حول لهم ولا قوة، علينا التوقف للتأمل ووضع الإجابات الإجبارية لاختبار طالت ساعات الإجابة عليه دون جدوى، فقد تابعنا بكل أسى حادث مسجد الروضة بشمال سيناء والذي راح ضحيته أكثر من 300 شخص أثناء تأدية صلاة الجمعة بخلاف إصابة أكثر من 120 آخرين ما زالت دماؤهم تلون ارض الفيروز ولم تجف دموع الشرفاء من ابناء الوطن حزنا عليهم بعدما استهدفهم الإرهابيون بإرهابهم الأسود البغيض الذي لا يعرف له دين أو أرض أو عقل، في ظل تصاعد المواجهات بين قوات الأمن المصرية من الجيش والشرطة من ناحية وبين جماعات الإرهاب الأسود حامل الراية السوداء من ناحية أخرى.
وأعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كلمة له عقب الحادث أن القوات الأمنية سوف تزيد من حدة العمليات العسكرية الموجهة لمعاقل الإرهابيين وأنه وجه باستخدام مزيد من القوة “الغاشمة” في مواجهتهم.
ومع انغماس الرؤية التحليلية في سبل المواجهة وبعيدا عن البيئة المناسبة والحاضنة للإرهاب، نجد أن تصحيح المفاهيم المغلوطة من خلال انفتاح الأفكار هو أفضل الطرق في حين أن التجارب السابقة في المواجهات الندية الأمنية معهم تقول انها أسوأ الطرق غير المفضلة لدحر الإرهاب، فالمتطرفون بصفة عامة في أي دولة كلما ضاقت عمليات التربص بهم كلما زادت قوتهم – وليس ضعفهم كما تروج العقيدة العسكرية – فمع مرور الوقت بين كر وفر تتزايد رغباتهم الانتقامية وترتفع كفاءاتهم التدريبية وتكون الحوافز النفسية لدى الإرهابي حتى وهو بدون سلاح أكبر بكثير من الجندي المسلح، كما أن مجال المواجهة عند الجندي مقيد في حين أنه مفتوح وبلا حدود دنيا أو عليا عند الإرهابي، فعلى سبيل المثال وفي السنوات الأخيرة نجد ضحايا الإرهاب في الدول العربية خاصة في العراق وسوريا وليبيا ومصر سواء مدنيين أو عسكريين أكبر بكثير من قتلى الجماعات الإرهابية، كما أن كم الدمار والتخريب يفوق ما هو متوقع.
أضف إلى ذلك أن الجيوش النظامية كفاءاتها تكمن في خوض الحروب النظامية مع الجيوش الأخرى؛ وليس لديها الكفاءة في مواجهة الجماعات والأفراد وملاحقة العصابات والجماعات في الشوارع والصحاري والكهوف، وتفتقد الرؤية في عمليات الكر والفر، ولنا في ذلك نموذج داعش في العراق الذي سيطر على الأرض وحقق انتصارات في ظل عدم وجود جيش نظامي له؛ لكن بعد تشكيل قواته وأصبح له جيش تلقى الهزائم الساحقة في العراق.
رؤيتي هي أن الإرهاب والأمن مصطلحان يسيران في اتجاهين متضادين، فإذا وجد الأمن في مكان ما اختفى الإرهاب، وإن بدا ينضح في مجتمع فهذا دلالة على تراجع الأمن فيه، وبالتأكيد إذا سار المصطلحان نحو نقطة تقارب فالأفضل للمجتمع أن يتخلى الأمن عن مواجهته بالسلاح وقوة العتاد العسكري، لأن الخاسر الأكبر سيكون مسرح المعركة وهو المجتمع أو الدولة.
حركة طالبان وتنظيم القاعدة اتخذا من أفغانستان مقرا لشن عمليات إرهابية لمختلف دول العالم، وطالت هذه العمليات أعتى دول العالم وأكثرها أمنا وهي الولايات المتحدة إثر تفجير برجي التجارة العالميين في 11 سبتمبر 2011، كان الحل العسكري هو الخيار الأول للولايات المتحدة للرد على الهجمات ولردع التنظيمات الإرهابية التي تستهدفها، وكانت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش (الابن) تدرك تداعيات وأبعاد المواجهة العسكرية؛ وبالرغم من ذلك أقدمت عليها لأن مسرح المواجهة بعيدا عن الأراضي الأميركية والمجتمع الأميركي لن يضار من الدمار المتوقع عند نقطة المواجهة. الا انه وللآن لم تنته العمليات الإرهابية القادمة من افغانستان وما زالت القاعدة متواجدة وبقوة ورأينا التنظيم باسم جديد (انصار الإسلام) الذي اعلن مسئوليته عن عملية الواحات الإرهابية.
مصر بحاجة إلى خطاب مؤسسي وشعبي فيه مرونة أكثر من التهديد والوعيد، والمجتمع يحتاج إلى مواجهة الإرهاب بالفكر وليس بالعمليات العسكرية، لأن الخصوصية المصرية غنية بتنوع الأفكار والرؤى، كما أن الرسالة الإعلامية تفتقر إلى الصوت الهادئ ويسيطر عليها رسائل التشنج والإبراء والإقصاء، فغياب العمليات الإرهابية لأيام او لأشهر ليس معناه أن الإرهابيين قضى عليهم؛ لكن في الأرجح هي مرحلة بيات أو خطوات للخلف للتحضير لمهام جديدة، لذا يجب أن يشعر المصريون بانفراجة في المواجهة الفكرية المتوقعة، وهذا الدور منوط به المثقفون والإعلاميون المحترفون اصحاب اجندة حب الوطن إلى جانب المؤسسات الدينية بكل صنوفها.
جودة مرسي