اليوم، وأنا أتشرف برئاسة اللجنة الفنية لخبراء التراث غير المادي بوزارة الثقافة، أرى بوضوح أننا نعيش لحظة فارقة في تاريخ الحراك الثقافي الإماراتي، حيث تتحول الرؤى إلى سياسات، والأحلام إلى خطط عمل ملموسة، من خلال الاهتمام الكبير الذي توليه وزارة الثقافة.
ممثلة بوزيرها معالي الشيخ سالم بن خالد القاسمي وفريق عمله الذي ترأسه شذى الملا، الوكيل المساعد لقطاع الهوية الوطنية والفنون، لوضع سياسات وحوكمة لقطاع الحرف الشعبية في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وخلال بحوثي ودراساتي الميدانية، وجدت أن كل قطعةٍ من الخوص أو السدو أو الفخار، وحتى الحرف البسيطة مثل جني وتجفيف وخزن التمور، وصناعة الدبس منها، المستخدم في إنتاج الحلويات والمأكولات الشعبية، تحمل كل منها بصمةً فريدة لبيئة الإمارات وتراثها البحري والصحراوي.
ومع مرور الوقت، بدأنا نشعر بتهديد العولمة والتحولات الاقتصادية التي بدأت دفن هذه الحرف ثم اندثارها، وبالطبع فإن حنكة وحكمة القائد المؤسس الوالد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في جمع وتشجيع ودعم الحرفيين، خلال الثمانينيات والتسعينيات، قد أسهم بشكل استثنائي في المحافظة على بعض الحرف الإماراتية التي كادت أن تندثر آنذاك.
فالحرف الشعبية هي إحدى الركائز الأساسية التي تُجسِّد الهوية الثقافية لأي أمة، وهي من ناحية فلسفية، لغة حية تُعبِّر عن تراث المجتمع وقيمه وحسه الإبداعي. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة.
حيث التقدم والحداثة يسيران جنباً إلى جنب مع الحفاظ على الجذور، تبرز أهمية وضع سياسات ثقافية فاعلة لدعم الحرف الشعبية، كجزء من استراتيجية وطنية شاملة لتعزيز الهوية وتمكين القطاع الإبداعي.
كما أن تدريب الأجيال الجديدة على هذه الحرف، ودمجها مع التكنولوجيا الحديثة، يُعيد لها بريقها ويُكسِبها بعداً عصرياً دون المساس بجوهرها التراثي. وهكذا، تصبح الحرف الشعبية عنصراً حيوياً في حاضر المجتمع ومستقبله.
كما أن إبراز الحرف الشعبية في الفضاءات العامة، مثل المتاحف والفعاليات الثقافية، يُسهم في تشكيل وعي جماعي بالهوية، ويُقدِّم صورة مشرقة عن التراث الإماراتي للزوار والسياح فيتحول الحرفيون إلى سفراء ثقافيين، وتُروِّج حرفهم للإمارات كدولة تجمع بين الأصالة والتميُّز في الابتكار.
كما أن دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مجال الحرف يُنشئ فرص عمل جديدة، ويُنوع مصادر الدخل الوطني، مما يُعزز منظومة الاقتصاد الإبداعي التي تُعد إحدى الركائز الاستراتيجية للتنمية في الإمارات.