أين العرب؟

1

طارق الحميد

طارق الحميدصحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.

المشهد في المنطقة كالتالي: غامرت «حماس»، وتوارت، والآلة الوحشية الإسرائيلية مستمرة ضد عزل غزة، والجهود العربية، وبقيادة السعودية، تجوب العالم من أجل الفلسطينيين، و«الإخوان المسلمون» يشنون حملات شيطنة وتخوين عبر وسائل التواصل.

يحدث كل ذلك رغم أن إيران قالت لـ«حماس» لن نخوض حرباً نيابة عنكم، واخفضوا الأصوات المطالبة بتدخل ميليشيات طهران بالمنطقة، وتحديداً «حزب الله»، إلا أن تركيز «الإخوان»، ومعهم الجيوش الإلكترونية في الضاحية، هو الهجوم على السعودية والمعتدلين.

من يراقب شراسة الحملة، وأقول شراسة من ناحية التركيز والبذاءة والتطاول، وكيف اندفع كثر بها، بعضهم لم يُدعَ لمناسبة في الرياض، والآخر ربما كان يتعشم بشيء، من يراقب هذه الحملة يعتقد أنها المعركة الأخيرة!

والحقيقة أنها ليست المعركة الأخيرة، ومعارك المنطقة مستمرة، ومن يتأمل المشهد يجد أن طبيعة الأزمة متشعب، بل متفجر. فهناك مواجهة بين «الدولة» و«الميليشيات» على كل الخريطة العربية.

هناك دول اعتدال تحاول بناء نفسها، ومساعدة الفلسطينيين، وهي السعودية ومصر والإمارات والبحرين والأردن والمغرب، وهناك دول تسيطر عليها ميليشيات، مثل العراق ولبنان واليمن، وكذلك سوريا.

وبينما تسعى دول الاعتدال لوقف الحرب الإسرائيلية، ومعالجة تداعيات مغامرة «حماس»، نجد أن الدول الواقعة تحت سيطرة الميليشيات مشغولة بالشعارات، والتهجم على دول الاعتدال، ومن خلال ماكينة إخوانجية مستعرة بجنون وبذاءة.

لا يعنيهم اليوم التالي لحرب غزة، وما الذي سيترتب عليها، وعلى أهل غزة الذين يواجهون شبح تهجير حقيقي. ولا يهمهم مقتل 12 ألفاً، أو حتى 20 ألفاً، فكما قال خالد مشعل: «بدنا دماء وأرواح».

فلا صوت يعلو الآن على صوت التخوين والشتائم، وترديد سؤال: أين العرب؟ فالحقيقة أن العرب المعتدلين مشغولون لمحاولة إيقاف هذه الحرب الشريرة. كما يعملون على الاستمرار ببناء دولهم. بينما أعوان إيران و«الإخوان المسلمون» يحاولون طعنهم وتخوينهم.

صورة مجنونة تشبه جنون ما عرف زوراً بالربيع العربي، وبتصعيد يوحي وكأن المنطقة في آخر معاركها، والحقيقة أن المعارك باقية ومتمددة ما دام بيننا هذه الميليشيات، والفكر الإخواني.

والمعركة مستمرة ما دام هذا التضليل مستمراً، واستسهال الحروب، وعدم الاكتراث بحقن الدماء، وما دام الصوت العالي الآن هو من ينادي بالدم وليس الحياة، ومن يخوّن العرب، ويتجنب انتقاد طهران التي قالت لن نقاتل بالنيابة عن «حماس».

والمعركة مستمرة ما داموا يريدون إيقاف مشاريعنا وحياتنا وبأعذار وأكاذيب واهية، مثلاً هجومهم المستمر على كل ما يتعلق بكرة القدم والحفلات، ويتناسون أن من أول قرارات «الإخوان المسلمين» عندما حكموا مصر في 2013 كان التمديد لـ«الملاهي الليلية» والمراقص.

وكانت حجتهم وقتها هي دعم الاقتصاد والسياحة، والآن يشنون حملات شيطنة وتخوين على دولنا، وهي حملات مستمرة قبل حرب غزة، وستستمر بعدها. فهل يمكن الركون لأمثال هؤلاء؟ بالطبع لا.

الواجب هو مواجهتهم وفضحهم، ولذلك فعندما يتساءلون: أين العرب؟ فإن الإجابة هي أن العرب يجوبون العالم دفاعاً عن الفلسطينيين بينما أنتم على أجهزتكم تنشرون التضليل والأكاذيب، وتطعنون بدولنا نصرة للميليشيات، ومن خلفها، وآخر همكم أهل غزة وضحاياها.

التعليقات معطلة.