أي «صفقة قرن» ننتظر؟!

1

 
أحمد الصياد *
 
 
أتصور أن مراجعات جادة، ينبغي أن تصحبنا بصدق في الطريق إلى إدراك مُغاير لحقيقة ما ينتظر منطقتنا البائسة من تغيرات جوهرية في توازنات القوى الإقليمية، وما يُحاك لشعوبها من ترتيبات مُغرضة على موائد مفاوضات لا مقعد لنا حولها، ما يهدد فرصتنا في القصاص من غُلُو الخطوات الإيرانية داخل الشأن العربي، على نحو يعادل تهشم الحقوق العربية تحت ثقل وطأة «أمن إسرائيل». فمن جهة، نجد إيران وقد أحدثت بالفعل جديداً في نظام «الإيالة» (لفظ تركي يعني منطقة أو ولاية يديرها «والٍ»)، الذي كان متبعاً من قِبل الدول الكبرى القديمة في المنطقة؛ فسار الدعم المالي والعسكري في اتجاه مُغاير للماضي، بحيث يمد المركز (إيران) «الإيالات» في لبنان وسورية والعراق واليمن والبحرين وفلسطين بالمال والسلاح، مع تكليفها بالعمل كأذرع ومجسات أخطبوط تقتنص المصالح الإيرانية، وتمتص نفوذاً تُغذي به «المركز» المتعطش لأُبهة الماضي البعيد. وعليه، راجع إخفاق المجتمع الدولي في دعم جهود التحالف العربي في دحر الحوثيين في اليمن واستعادة الحكم الشرعي. وما «اتفاق ستوكهولم» الناتج عن مباحثات السويد برعاية الأمم المتحدة، 6 – 13 كانون الأول (ديسمبر) 2018، والتي رفضت إيران تنفيذ «ميليشيا الحوثي» نتائجها، إلا تقزيم للشرعية الدولية، ودعوة صريحة إلى تهميش دور الأمم المتحدة في قضايا المنطقة، حفظاً للوقت والجهد، باعتبارها منطقة نفوذ محجوزة حصراً للإرادة الأميركية المنفردة وقتما وأينما شاءت، فضلاً عن احتساب الأزمة اليمنية ضمن الأرصدة الأميركية السرية في الصندوق الإيراني. راجع أيضاً تقييمنا لقدرة أميركا على حلحلة قضايا المنطقة، وعُد إلى أبريل عام 2003، حين أسقطت أميركا نظام صدام حسين، غير المأسوف عليه، وأهدت العراق لإيران، هدية لا ترد، دفع العرب ثمنها، مقدماً ولاحقاً. إذ كان عراق صدام «ألدّ» أعداء إيران، وبات حديقتها الأمامية، وبوابتها إلى «الإيالات» التابعة في سورية ولبنان وصولاً إلى شواطئ البحر المتوسط الناعمة لتتمدد عليها في هدوء يداعبها الدب الروسي بقاعدته البحرية في طرطوس السورية.
 
 
ومن جهة أخرى، راجع المعركة الانتخابية الإسرائيلية المحدد لها التاسع من نيسان (أبريل) المقبل، لا أنصحك بالبحث عن «السلام مع الفلسطينيين» في خضم المعركة الكلامية الصهيونية؛ فلم يعد أمراً يشغل الرأي العام الإسرائيلي في كثير أو قليل. حتى أن الخوف على استمرار نتنياهو يأتي فقط من جانب “غانتس” الذي قاد حربين على غزة، في عامي 2012 و2014، والذي يتزعم حزب «أبيض أزرق»، إشارة للعلم الإسرائيلي، يشاركه اثنان أيضاً من جنرالات قتل الفلسطينيين موشيه يعالون وغابي أشكنازى، بعد دمج حزبين من الوسط، «حصانة إسرائيل» و«هناك مستقبل». ومن ثم بات الليكود بزعامة المجرم نتنياهو ينافسه «أزرق أبيض» بزعامة ثلاثة من الجنرالات، ما دفع المحللين إلى التأكيد على أن «أمن إسرائيل» لم يعد حكراً على نتنياهو، وهو الذي طالما تاجر به سياسياً، وقتل من أجله الأبرياء. ضع ذلك كله على خلفية غرام الفلسطينيين بالاحتفاظ بأكثر من حكومة في ظل «اللادولة»!، ثم راجع تصوراتك لفرص استعادة الحقوق الفلسطينية في ضوء تصريح الناطق باسم حركة حماس أخيراً عن تكليف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عضو اللجنة التنفيذية لحركة «فتح» محمد أشتيه، إذ قال: «تشكيل حكومة فتح المرتقبة أحد خطوات عباس الانفصالية التي يتخذها لتمرير «صفقة القرن» وفصل قطاع غزة عن الوطن».
 
وقد راجعت لك أيضاً تقارير لا يصح إهدارها، تؤكد وجود مفاوضات سرية أميركية – إيرانية تدعم احتمالية صفقة بين الطرفين، هي الأجدر، لو صحت، بلقب «صفقة القرن»، أميركية – إيرانية، تعترف فيها واشنطن بإيران قوة إقليمية، مقابل ضمان أمن إسرائيل من «ثورية» الحكم الإيراني، تلك «الثورية» التي طالما تجرعت الشعوب العربية مرارتها منذ الثورة الإيرانية (1979)؛ إذ آمنت بعداء إيران لإسرائيل. وما كان الحال حقيقةً إلا تكتيكاً مرحلياً لا أكثر لحكم مُنغلق لا يمكن إلا أن يكون «براغماتياً» حتى النخاع. وربما كانت أميركا من سربت تلك التقارير دفعاً للعرب إلى الحضن البارد، «صفقة القرن» العربية – الإسرائيلية التي يُنتظر الإعلان عنها بعد الانتخابات الإسرائيلية في التاسع من أبريل المقبل، ربما باعتبارها هدية أميركا للفائز، نتانياهو كان أو غانتس! ولطالما لعبت واشنطن على «عداء» إيران كمشترك رئيس بين العرب وإسرائيل. لذلك راجع أيضاً مؤتمر وارسو الأخير، 13 و14 شباط (فبراير) الماضي، وهل اختصم إلا إيران؟! وهل ربح منه إلا إسرائيل؟! ولا يخدعنك الخلاف الأميركي – الأوروبي حول انسحاب أميركا من الاتفاق النووي (5+1)، والموقع في صيف 2015 بمدينة لوزان السويسرية بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ومعها ألمانيا. ولا يغرنك أن الأخيرة أكبر اقتصاد أوروبي، وهي الشريك الصناعي الرئيس لإيران، ومعظم الأدوات المستخدمة في البرنامج النووي الإيراني ألمانية الصنع. وقد تزعمت مع فرنسا التيار الغائب عن مؤتمر وارسو غاضبةً من سياسات ترامب الشعبوية، لا تهاوناً، لا قدر الله، في دعم صفقة القرن العربية – الإسرائيلية. وربما حار الاتحاد الأوروبي، حيرته في البريكست، إلي أي «صفقة قرن» ينحاز! فإلى أيهما تميل أنت؟ أم أن «صفقة قرن»، صناعة أميركية، لا بد وأن تحمل أكثر من وجه، إن عبس وتولى وجه، تبسَّم الآخر وأقبل؟
 
* كاتب مصري.

التعليقات معطلة.