مقالات

إدارة الرئيس بايدن وتحديات العراق


15 مارس,2021

كاظم الموسوي
ما أن أعلن عن فوز جو بايدن بمنصب رئاسة الولايات المتحدة وحتى دخوله البيت الأبيض نشر سياسيون عراقيون والسفارة الأميركية وجيوشهم الإلكترونية وذبابهم الإلكتروني على وسائل التواصل والإعلام صورا للقاءات بينهم وبايدن، ظاهرين حالة من المعرفة المسبقة به، وحوارات له معهم. وهذه إشارة تأكيد على أن الرئيس الحالي يعرف السياسيين العراقيين الذين يلعبون دورا في المشهد السياسي، منذ غزو العراق واحتلاله وحتى اليوم، وأن السياسيين العراقيين يعرفون الرئيس الجديد، وعندهم صور مسجلة تبين ذلك. ومنذ كان بايدن عضوا في الكونجرس الأميركي ونائبا للرئيس الأسبق باراك أوباما، كان مكلفا بالملف العراقي، وصاحب مشروع تقسيمه على أسس طائفية وإثنية، إلى ثلاثة أقاليم بمسمياتها التي قسم العراق أميركيا عليها. وكان قد زار العراق في تلك الفترة عشرات المرات، أو أكثر مسؤول أميركي زار العراق وعرف أوضاعه خلال فترة الغزو والاحتلال وبعد انسحاب القوات الأميركية من أرض العراق رسميا، وإبقاء قوات موزعة في قواعد عسكرية متفرقة على الأرض العراقية، وتوقيع معاهدة شاملة.وليس الرئيس الأميركي بايدن وحده، بل وأغلب إدارته لهم معرفة مباشرة في الأوضاع العراقية، عن طريق ما كلفوا به سابقا، عملا وظيفيا أو مهمات رسمية، وبالتأكيد تأخذ تلك الصلات والمعرفة دورها في رسم السياسات مع العراق. رغم أن الرئيس بايدن في عرضه الأول لسياسته الخارجية لم يتطرق إلى الملف العراقي، إلا أن الملف مطروح أمامه، منذ استلامه منصبه، وتعرض قواته وسفارته والعاصمة بغداد إلى تفجيرات وصواريخ، لها تعبيرها السياسي.ما التحديات التي سيواجهها بايدن في العراق؟ وماذا سيقدم لها؟ وماذا سيرد عليه السياسيون في العراق؟أبرز التحديات تتركز في الوضع الأمني في العراق انطلاقا من وجود قوات أميركية مدججة بالسلاح تحت عنوان تدريب القوات العراقية ومكافحة الإرهاب من تنظيم “داعش”. ومقابله قرار من مجلس النواب العراقي يطالب بإخراج القوات الأجنبية، الأميركية خصوصا، التي ينشر أحيانا أنها بحجم خمسة أو ستة آلاف عسكري، يضاف لها ما أعلنه حلف الأطلسي رسميا من زيادة قواته من400 إلى5000 عسكري في العراق، مع تسريب أخبار عن تطوير قواعد عسكرية وبناء قواعد عسكرية جديدة. إضافة إلى وجود أكبر سفارة أميركية في العالم، مساحة ومهمات، وأعداد العاملين فيها.من هذا التحدي يولد تحدٍّ آخر منه، حول بناء دولة مستقرة، لم يتحقق كما أرادت السياسات الأميركية منذ غزو العراق، وخلق هذا التحدي إرباكا معقدا، يقتضي إعادة النظر فيه. فلا مشروع بايدن الذي طرحه في حينه حلا لأزمة الدولة في العراق ومصادقة الكونجرس الأميركي عليه، ولا ما تقوم به السفارة الأميركية من تنفيذ مشاريع تفتيت وتأزيم الأزمات الداخلية، قادرة على أو تساعد برامجها على إيجاد حل. وليس يسيرا بعد مسيرة حكم وزعت وفق التقسيم الأميركي الذي أقره بايدن واستمر وجوده على أساس الدولة الاتحادية والإقليم الكردي، شبه المستقل، بالتوافق والحماية الأميركية والتأييد الصهيوني، فضلا عن توزيع السلطات عرفيا على أسس المحاصصة ووضع دستور يتفق معها دون النص عليها.وهذه الحالة قد تصنع لها تحديا متعدد الأوجه، داخليا وخارجيا، مع سعة التناقضات الداخلية، والعلاقات في الإقليم وفي المركز، وما بينهما، وما توفره من عوامل قلق وعدم استقرار واستفحال الأزمات الأخرى، ويتبعها ما يوفره الموقف الأميركي المشجع لها، بتهديد مشروع بايدن وفي رئاسته الآن.والتحدي الرابع يكمن في العلاقات الإقليمية، وسياسات الهيمنة الإمبريالية، سياسيا واقتصاديا وأمنيا وثقافيا، وتجهيز قاعدة محلية للانطلاق منها لتطبيق تلك السياسات. وهو ما تحقق بعضه في التشكيل الحكومي الأخير، ولكنه غير قادر على فرض الأمر الواقع وإبعاد أي تأثير داخلي أو خارجي حول مخططات الهيمنة ونهب الثروات والامتداد الإقليمي منه وعبر قاعدته المتخادمة والمتساكنة مع المشروعات السياسية في العراق والمنطقة.والتحدي الخامس يرتبط بتداخل المصالح الأميركية مع أهداف سياستها في المنطقة وتحالفاتها وشركائها، ووجود القاعدة العسكرية الاستراتيجية في المنطقة، في الوقت الذي لا يشكل العراق طرفا فيها، تحالفا أو شراكة، رغم احتلاله. أي أن أهداف السياسة الأميركية في المنطقة قد لا تتطابق مع المصالح العراقية ولا يمكن أن تخدم الشراكة أو التحالف معها. ولكن الموقع الاستراتيجي للعراق وجواره لأكبر تحدٍّ للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، الجمهورية الإسلامية في إيران، يجعل التعامل معه أولوية في أية سياسة مخططة للتحكم في المنطقة واحتواء إيران وحماية الأهداف الاستراتيجية للهيمنة الاستعمارية.ومع هذه التحديات وغيرها سيكون لبايدن وإدارته دور في رسم مسار العلاقات البينية وصولا إلى مستقبل البلاد والمنطقة. فبحكم كون بايدن، المسؤول الأميركي الأكثر معرفة بالأوضاع الداخلية، وكذلك وزراء آخرون من إدارته، تكون المواجهة مصيرية وتأخذ قضايا بناء الدولة والاستقلال السياسي والتنمية الاقتصادية والعلاقات الوطنية والإقليمية والدولية الأولوية على محك العملية السياسية وتفاعل القوى المؤثرة في العراق أساسا وارتباطاتها، الداخلية والخارجية.. وستكون الفترة القادمة، فترة اختبار معقدة لتطورات العلاقات العراقية الأميركية والمشهد السياسي في المنطقة عموما. فالإدارة الأميركية لن تتخلى عن نفوذها ولا سيما تحت حكم بايدن، الخبير بالقضية العراقية، كما سمي منذ تكليفه بالملف العراقي، ولها مخططاتها ومشاريعها بخصوص الوضع في العراق، وموقعه من قضايا المنطقة الأخرى، بمتعلقاتها الكثيرة، وهو مقدم على انتخابات تشريعية مطلوبة شعبيا كآلية للتغيير، من جهة وتكون حاملة لما تريده الإدارة الأميركية من ضمن مشاريعها ومخططاتها المعلنة صراحة من جهة أخرى، مع خطورة ما يعيشه العراق من أزمات عديدة، متشابكة. مطروحة اليوم ومستمرة إلى الأيام القادمة، ولها تداعياتها المباشرة على الأوضاع الأخرى، وبالتأكيد تترك آثارها على هذه التحديات وعلى ما يرسم من خطط ومشاريع، أغلبها معلن ويتفاعل مع تطورات المشهد السياسي.