مقالات

إصلاح جامعة الدول العربية

 
 
أيمن حسين
 
تعتبر جامعة الدول العربية من أقدم وأعرق المؤسسات الدولية، حيث أنشئت في نفس عام إنشاء الأمم المتحدة عام 1945، وقامت على تقوية أواصر العلاقات الثقافية والتجارية والسياسية والأمنية، وانبثق عن البروتوكول التأسيسي لها في الاسكندرية اتفاقيات مهمة، سواء للدفاع المشترك أو المساواة القانونية أو دعم التبادل والتعاون الاقتصادي أو غيرها.
وبعد مرور 74 عاما من تأسيسها، حدثت متغيرات كثيرة خلال هذه الفترة، فتراجع دورها دوليا، واضمحل تأثيرها إقليميا، وأصبحت كيانا شكليا، ليس لقراراته أي تأثير على المستوى العالمي سوى تناقل الشجب والندب، وهو ما يتطلب إخضاع جامعة الدول العربية لعملية إصلاح على كافة المستويات.
على مستوى العضوية كان بداية ظهور جامعة الدول العربية قويا كمظلة أنشأتها 6 دول هي مصر والعراق والأردن ولبنان والسعودية وسوريا في 22 مارس 1945، وانضمت لهم اليمن في 5 مايو من نفس العام، وتوالت عملية التوسع إلى أن وصلت 21 دولة بانضمام جيبوتي عام 1977، وبعد أكثر من 16 عاما انضمت جزر القمر ليصل عددها 22 دولة، ولم تتغير خانة العضوية لمدة 26 عاما رغم الكثير من المتغيرات والمتطلبات، فهناك دول انفصلت من الجسد العربي ـ أو على وشك الانفصال ـ ولم تنضم لها مثل جنوب السودان، ودول أخرى تنطلي أو قريبة من الهوية العربية ولم تتخذ خطوات لانضمامها مثل تشاد وإريتريا، أو لديها تقارب كبير مع العرب مثل النيجر.
وبالنسبة لمستوى الهيكلة الداخلية، هناك حالة من الترهل في ظل وجود 25 منظمة عربية متخصصة تابعة للجامعة ليس لأي منها دور فاعل، أو خطة مستقبلية لتحقيق أهداف الجامعة، ومن بين 44 قمة عربية منها 11 قمة طارئة، بخلاف 4 قمم اقتصادية، لم تنتج أيا منها بروتوكولا أو قرارا ذا تأثير على السياسة العالمية، والأغرب من ذلك أن القرار العربي التاريخي صاحب التأثير الأكبر على مستوى العالم بقطع النفط لدعم الحرب العربية ضد إسرائيل عام 1973 لم يكن متمخضا عن قمم عربية، ولكنه كان تشاوريا مع زعماء الدول الخليجية.
على المستوى الأمني، أصبحنا بحاجة لتشريعات واتفاقيات جديدة تحكم العلاقات العربية، وتضمن التماسك العربي في ظل وجود قوى إقليمية أو دول محتلة تنهش في جسد الأمة العربية، وتقتطع كل يوم جزءا منها، بل وأصبحت دول العالم تجامل بعضها البعض على حساب السيادة العربية على ترابها، وأصبح التقسيم والتفكيك سياسة دولية تمارسها دول عظمى على دول عربية تعج بالفوضى والنزاعات.
مستوى طرق حل الخلافات العربية ـ العربية بات هو الآخر يحتاج لإعادة تفكير وصياغة تتوافق مع التوجهات العالمية والدولية، وفي نفس الوقت تحترم سيادة كل دولة على أراضيها ومواطنيها، وتضمن تكافؤ الفرص في طرح الحلول بين الدول المتنازعة، مع تطبيق آلية العقاب والردع العربي لدرء الدول المفسدة عن إفسادها.
وعلى مستوى التأثير الاستراتيجي أصبح العرب في حاجة لزيادة ودعم تأثيرهم، حيث تضاءل تأثير النفط العربي على حركة الاقتصاد العالمي بفعل الأزمات العالمية والهيمنة الأميركية الدولية، لكن تفعيل التأثير العربي يمكن تحقيقه من خلال دفع عملية تأثير السلع الاستراتيجية العربية التي تمتلكها الدول فرادى مثل النفط السعودي والغاز القطري والفوسفات المغربي والحاصلات الزراعية المصرية، ويورانيوم النيجر – حال ضم النيجر إلى جامعة الدول العربية – وغيرها من الخامات والسلع التي تتفرد بها الدول عالميا، إضافة إلى تطويع 13.5 مليون كيلومتر مربع يعيش عليها أكثر من 400 مليون نسمة إلى نقطة قوة وتأثير من خلال الاستخدام الأمثل لها.
على مستوى التكامل الاقتصادي، نجد أن ما تم صياغته خلال أكثر من 74 عاما في جامعة الدول العربية لم يتحول لواقع، فلم تُقَمْ السوق العربية المشتركة، وما زلنا نبحث عن العملة الموحدة، إضافة لاختفاء اتفاقيات التجارة الحرة والاستثمارات عن صناعة القرار العربي، ناهيك عن حالة التفاوت في المستوى الاقتصادي بين البلدان العربية والتي تدعم تفاوت التأثير والنفوذ، سواء في القرار أو في التوجيه.
قد تعيق الخلافات العربية عملية التوحد أو الإصلاح؛ لكن في جميع الأحوال الشعوب لديها الرغبة الكاملة غير المشروطة لتصحيح المسار العربي، فإذا كان الشروع في الإصلاح يحتاج قرارا لمأسسة جامعة الدول العربية بشكل يتواكب مع المتغيرات والمستجدات العالمية؛ لكن مجرد البدء في دراسة القرار قد يفرز مستويات ومجالات أخرى، تحتاج للدراسة والتنفيذ؛ وحاليا ليس في أيدينا سوى الدعوة للدراسة والتفكير في عملية الإصلاح لعلها تعيدنا لقيادة الأمم من جديد.