اخبار سياسية محلية

إيران وكردستان العراق: متجهان نحو المواجهة

 

زمكان سليم

تحافظ الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمنطقة الكردية المستقلة في العراق على علاقات ودية، وقد تعاونت المنطقتان المجاورتان علنيًا في محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”. لكنّ ذلك قد يتغيّر قريبًا، إذ يزداد امتعاض السلطات في طهران إزاء قرار القيادة الكردية بإجراء استفتاءٍ على الاستقلال في 25 أيلول/سبتمبر في الأراضي التي تقع تحت سيطرة “حكومة إقليم كردستان”. وتعتقد طهران أن التصويت سيسرّع سير كردستان نحو تحقيق الاستقلال التام، وهو حدثٌ تعتبره إيران تحدٍ ليس للاستقرار الإيراني فحسب، بل لطموحاتها الإقليمية أيضًا.

وأثار إعلان “حكومة إقليم كردستان” عن تاريخ الاستفتاء ردودًا مباشرة من عددٍ من كبار المسؤولين الإيرانيين، ومن بينهم المرشد الأعلى آيه الله علي خامنئي. وأعرب خامنئي عن اعتراضه على الاستفتاء وأكّد مجددًا التزام إيران بالسلامة الإقليمية للعراق في اجتماعٍ مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في طهران.

ولكن لماذا تنكر إيران حق الأكراد العراقيين في الاستقلال بهذه الشدة؟

تضمّ إيران أقليةً كردية كبيرة خاصّة بها. وتربط الجمهورية الإسلامية بقاءها وسلامتها الإقليمية باستمرار سيطرة الأغلبية الشيعية في البلاد. ولذلك، تعتبر النخبة الحاكمة في طهران أنّ أي مطلب ذي إطار عرقي يشكّل تحديًا لسلطتها وتماسكها الداخلي.

نتيجةً لذلك، قامت طهران إمّا بتجاهل أو بالردّ بقسوة على مطالب الأكراد الإيرانيين بالحقوق الاجتماعية والثقافية والسياسية. وقد عانى الأكراد الإيرانيون، ومعظمهم من السنّة، من صعوباتٍ اقتصادية واستبعادٍ سياسي في ظلّ النظام الشيعي.

وتخشى إيران من أن يشكّل تأسيس دولةٍ كردية مستقلة في العراق مصدرَ إلهام للانفصال في كردستان الايرانية، أو على الأقلّ أن يدعم الأكراد الإيرانيين الساخطين في السعي إلى الاستقلال الذاتي ومطالبة طهران بالمزيد من الحقوق. ومن وجهة نظر طهران، يمكن أن يؤدي ذلك بدوره إلى زعزعة استقرار سلطة النظام الإسلامي في كردستان الإيرانية ويضرّ في نهاية المطاف بالبلد ككلّ.

وتقلق إيران أيضًا من أنّ تغيّر التصاميم الكردية للخروج من العراق التوازن الإقليمي للقوى ضدّ مصالحها الاستراتيجية. وتعتقد طهران أنّ الاستقلال الكردي سيؤدي إلى التفكك النهائي للعراق على أُسسٍ عرقية طائفية على الشكل الآتي: دولة سنية عربية مركزية، دولة كردية في الشمال، ودولة شيعية عربية في الجنوب.

وتعتبر طهران قيام دولة سنية عربية في وسط العراق كارثةً استراتيجية، إذ يُرجح أن تهيمن المملكة العربية السعودية عليها. ويمكن لذلك أن يعرّض للخطر الممرّ البري الذي أنشأته طهران على مدى السنوات الأربع الماضية والذي يربط إيران بحلفائها الإقليميين في سوريا ولبنان عبر الأراضي العراقية.

ويشكّل قيام دولة كردية فى شمال العراق فوزًا لتركيا والولايات المتحدة وإسرائيل وجميع أخصام طهران الإقليميين والدوليين.

وبالمقارنة مع إيران، كسبت تركيا نفوذًا أكبر بكثير على كردستان العراق من خلال التحالف القوي الذي أنشأته أنقرة مع مسعود بارزاني، وهو رئيس إقليم كردستان العراق وزعيم “الحزب الديمقراطي الكردستاني” الذي يسيطر على معظم زمام السلطة في “حكومة إقليم كردستان”. أمّا إيران فاعتمدت الى حدٍّ كبير على علاقاتها مع “الاتحاد الوطني الكردستاني ” الذي تراجعت سلطته في المنطقة الكردية بسبب النزاعات بين الفصائل والمنافسات داخل الحزب.

ويعود جزء من إحباط إيران إلى أنها كانت تراقب بارزاني يبني توافقًا محليًا لإجراء الاستفتاء في المقام الأول عن طريق إقناع فريقٍ قوي داخل “الاتحاد الوطني الكردستاني” باللحاق بالموجة السائدة والانضمام إلى المسيرة نحو الاستقلال الكردي.

وبسبب القلق إزاء حدوث هذا الاحتمال، دعت إيران مؤخرًا وفدًا من “الاتحاد الوطني الكردستاني” إلى طهران، ربما لاختبار التزام الحزب الكردي بدعم الاستفتاء. وقام وفد “الاتحاد الوطني الكردستاني” الذي استقبله علي شمخاني الأمين العام “للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني” في طهران في 19 تموز/يوليو بالتصريح بأن حزبه سيدعم التصويت المقرّر على استقلال كردستان عن العراق.

ويبدو أنّ إيران أخطأت في تقدير المناورات والمصالح السياسية المحلية “للاتحاد الوطني الكردستاني”. ففي النهاية، إنّ “الاتحاد الوطني الكردستاني” حزبٌ سياسي كردي علماني قومي يتّسم بالتزامه القوي بحق الأكراد العراقيين في تقرير المصير وإقامة دولة، وهو ليس مدينًا لإيران “كحزب الله” مثلًا. ولم يكن “الاتحاد الوطني الكردستاني” ولا الحزب المنشق عنه “حزب غوران”، المعارض الشرس “للحزب الديمقراطي الكردستاني”، قد عارضا استقلال كردستان عن العراق بشكلٍ فعلي.

ويريد “الاتحاد الوطني الكردستاني” أن يضمن عدم تهميشه في حكم دولة كردية ناشئة، في حين يدّعي “حزب غوران” أن هدفه هو أن يصعّب على “الحزب الديمقراطي الكردستاني” تحويل كردستان المستقلة إلى برزانيستان المستقبلي، وهو كيان كردي سيادي يحكمه بارزاني وعائلته فحسب.

وينتظر كل من “الاتحاد الوطني الكردستاني” و”حزب غوران” أن يقدم “الحزب الديمقراطي الكردستاني” تنازلاتٍ سياسية أكبر قبل أن يستسلما تمامًا لمطالب بارزاني ويحشدا جماهيرهما وراء الاستفتاء الذي سيجري في أيلول/سبتمبر. ولا تملك إيران سلطةً كافية على هذه الديناميكية السياسية المحلية.

وترى طهران أن علاقات واشنطن الدبلوماسية مع الأكراد العراقيين وتعاونها العسكري معهم ستسمح للولايات المتحدة باستخدام دولة كردية مستقلة كمنصة انطلاق لتغيير النظام في طهران، أو على الأقلّ لإضعاف موقف إيران الإقليمي. ويميل المتشددون في النظام الإيراني إلى توقعِ تحالفٍ بين كردستان المستقلة وإسرائيل ضدّ الجمهورية الإسلامية.

وهناك احتمال أن تختار طهران أساليب قسرية يمكن أن تشمل تحريض الميليشيات الشيعية العراقية ضدّ “قوات اليبشمركة الكردية”. لكنّ حربًا شيعيةً كردية في العراق، تُشعلها الجمهورية الإسلامية، ستمتد حتمًا إلى إيران. وسيؤدي أي هجوم إيراني على الأكراد العراقيين، سواء كان من قبل القوات الإيرانية أو القوات التي تديرها إيران، إلى إطلاق موجة من الاستياء في صفوف الأكراد، بمن فيهم أكراد إيران، ضد الجمهورية الإسلامية. وبالتالي، فإنّ الوسائل بحدّ ذاتها التي يمكن أن تستخدمها إيران لمنع الأكراد العراقيين من الانفصال عن العراق ستولّد الظروف عينها التي تخشى إيران أن تنشأ عن قيام دولة كردية مستقلة.

ويتعين على الولايات المتحدة ألا تسمح لإيران بتقويض مطالبة الأكراد العراقيين بالاستقلال، إذ كانوا حليفًا مهمًا لواشنطن في العراق. وإذا تمكنت إيران من الحصول على مبتغاها، فلن يزيدها ذلك إلّا تماديًا للتصرف بالطريقة نفسها ضد حلفاء الولايات المتحدة الآخرين في المنطقة.

وقد استثمرت الولايات المتحدة جهودًا وموارد عسكرية كبيرة لهزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق وتحقيق قدرٍ من الاستقرار في البلاد. وإن حربًا عربية-كردية على استقلال إقليم كردستان العراق وبرعايةٍ إيرانية لن تمهد الطريق سوى أمام عودة الفوضى وعدم الاستقرار والتطرف إلى العراق، الأمر الذي سيؤدي مرةً أخرى إلى هدر الأموال والأرواح الأمريكية.

ولذلك يتعين على الولايات المتحدة أن تبذل جهودًا دبلوماسية أكبر لبدء حوارٍ جادٍ بين بغداد والقيادة الكردية من أجل التوصل إلى حل توافقي. وإذا استنتجت واشنطن أنّ الطريقة الفضلى لتحقيق الاستقرار الإقليمي هي من خلال فصل كردستان عن العراق، فيجب على الولايات المتحدة إذًا أن تشجع السلطات العراقية على التوصل إلى تفاهمٍ سلمي ودبلوماسي بشأن استقلال كردستان.

ولكن على واشنطن أيضًا أن تدرك أن الأكراد العراقيين داقوا ذرعًا من استخدام الولايات المتحدة لهم سياسيًا لموازنة أي جهد يبذله الشيعة العراقيون، وهم حلفاء إيران، لفرض سيطرتهم على العراق. وفي الوقت عينه، يتعين على بارزاني وزملائه من القادة الأكراد أن يستمعوا إلى الولايات المتحدة، وأن يكونوا حذرين جدًا من التصرف في ما يتعارض مع نصيحة هذا الحليف القوي ومصالحه. ولن يتحقق قيام دولة كردستان مستقلة وقوية وشاملة ومستدامة اقتصاديًا إلا إذا تم الاعتراف به ودعمه من قبل الولايات المتحدة.

وصحيح أنّ بعض القادة الأكراد أظهروا توجهاتٍ استبدادية، وأنّ المنطقة الكردية في العراق تواجه مجموعةً من التحديات الاجتماعية الاقتصادية. ولكن هناك رغبة حقيقية لدى شرائح كبيرة من السكان الأكراد العراقيين، وخاصةً الشباب الأكراد، بالديمقراطية والشفافية وسيادة القانون والتسامح الديني. وهذه هي القيم التي تسعى الولايات المتحدة إلى دعمها عالميًا، والتي لا تدعمها إيران.